في وداع المفكر المغربي عبد الكريم غلاب الذي ظل وفيا لخط الزعيم علال الفاسي الى أن لاقئ وجه ربه (1919-2017)
ودّع المغرب في الأيّام الأخيرة (يوم 17 أوت الجاري) الأستاذ الكبير "عبد الكريم غلاّب" بعد عمر مديد قضاه في خدمة القضايا الوطنية : (الاستقلال وبناء أسس الدولة الحديثة وترسيخ الهويّة المغربية بمقوّماتها اللغوية والدينية).
- ولد "عبد الكريم غلاّب" في العاصمة العلميّة فاس وفي معاهدها ومدارسها الأهلية وفي القرويين تلقى تعليمه الأساسي ليواصله في جامعة القاهرة قسم الآداب العربية حيث تتلمذ على كبار أساتذتها في النصف الأوّل من القرن الماضي ليعود إلى المغرب بعد ذلك جاعلا لحياته شعارا : الحياة عقيدة وجهاد : عقيدة راسخة سمحة لا تتزعزع وجهاد لا هوادة فيه لم يبدّل فيه عبد الكريم غلاب ولم يغيّر إلى أن لاقى وجه ربّه راضيا مرضيّا.
- رحل عبد الكريم غلاب ملتحقا برفاق دربه الذين سبقوه إلى دار البقاء، صفوة وطنية نذكر منهم : محمد بوستة وبوبكر القادري والهاشمي الفيلالي وغيرهم كثير ممّن شدّوا أزر زعيم حزب الاستقلال أعرق الأحزاب المغربية الأستاذ "علال الفاسي" –رحمه الله.
- ناضل "عبد الكريم غلاّب" – رحمه الله – على كل الأصعدة وبمختلف الوسائل المتاحة وكان القلم سلاحه الذي سطّر به صفحات من البطولة والأصالة والثبات على المبدأ فكان المثقف البارز الذي لا يغيب عن المحافل والمنتديات في كلّ أرجاء المغرب : مدنا وقرى بحماس ومضاء لم يخف فيهما لومة لائم، لقد إختار "عبد الكريم غلاب" – رحمه الله- نهجا لم يرتض عنه بديلا وما أكثر البدائل في هذا الزمان ولكنها بدائل لا يكتب لأصحابها دوام الذكر.
- لم تصرف "عبد الكريم غلاّب" القيادي في حزب الاستقلال السياسة وشجونها وهمومها عمّا اعتبره رسالته الأساسية فظلّ يبدع في كلّ مجالات الإبداع : المقالة والتحليل والبحث ولكن أيضا النّصّ الأدبي الملتزم والهادف فأخرج عديد النصوص التي تجاوزت الدائرة المحلية إلى ما وراءها من الدوائر :
الإقليمية المغاربية والعربية والانسانية وقد نالت بعض أعماله الأدبيّة (دفنا الماضي وغيرها) أرفع التتويجات إعترافا من هيئات كبرى بالقيمة الأدبية الإنسانية لتلك الإبداعات.
- أدار جريدة العلم لسان حزب الاستقلال لفترة طويلة كانت فيها العلم منبرا لحملة الأقلام من المغرب ومن خارج المغرب في ملاحقها المختصة : الأدبيّة والإسلاميّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة وحرص "عبد الكريم غلاب" على التواصل بين جناحي المغرب العربي (المغرب وتونس) التي جاءها مشاركا في مؤتمرات ومنتديات وعضوا في وفود حزب الاستقلال شقيق الحزب الدستوري كما جاءها محاضرا مدعوا من المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة ومركز الجامعة العربية بتونس.
- وكان "عبد الكريم غلاّب" حريصا على توطيد صلة الاخوة مع زملائه رجال الفكر والثقافة والإعلام في تونس.
- وظلّ "عبد الكريم غلاّب" وفيّا لخط زعيم حزب الاستقلال الأستاذ علاّل الفاسي –رحمه الله- الذي كان قدوة لكلّ الاستقلاليين ولكل المغاربة في الحفاظ على الأصالة بمختلف ثوابتها والمواكبة للمستجدّات والاستعداد بالفكر والساعد لمواجهة التحديات.
- كان "عبد الكريم غلاّب" – رحمه الله من روّاد المدرسة الوطنية الاصلاحية المتمسكة بالخصوصيات المغربية بما فيها من سماحة واعتدال وتفتح، إنها مدرسة اتصلت حلقات العطاء فيها في مواكبة لكلّ مراحل التاريخ الوطني المغربي والمغاربي والاسلامي والمتوسطي والإنساني.
- يقول علال الفاسي في تقديمه لأحد مؤلفات عبد الكريم غلاّب وهو كتاب "صراع العقيدة والمذهب في القرآن" الذي اصدرته الدار العربية للكتاب في تونس سنة 1975 (... فعبد الكريم غلاّب أديب من رأسه إلى قدمه كاتب ممتع في كلّ ما أنتجه، في مقالاته ومذكراته، في أبحاثه ولاسيما في قصصه التي يعتبر وصديقه عبد المجيد بن جلون رائدين لها، لا سيما القصّة الطويلة العربيّة التي كان لهما فضل في البداية بإنتاجها على الوجه الأكمل في بلادنا).
وحول كتاب صراع المذهب والعقيدة من القرآن يقول علال الفاسي (وكتاب عبد الكريم غلاب الجديد ليس من الأنواع التي كتبها من قبل ولكنه من نوع أعلى وأسمى شكلا وموضوعا، إنه إشراقة روحية في إحدى الرمضانات التي إعتاد المسلم المؤمن أن يخلو فيها إلى نفسه ليقرأ القرآن تلاوة وعبادة، تأملا ودراسة، فقد جلس عبد الكريم وهو صائم يناجي ربّه الذي هو خطاب الله الشفاهي للإنسان لا لمجرّد تكراره تعبدا ورجاء الثواب ولكن كذلك وليدارس آياته ويستنزل من التنزيل بعض ما كان يريد أن يعرفه... أنظر الصفحة 8 من صراع العقيدة) إلى آخر ما تضمنه ذلك المدخل لكتاب صراع المذهب والعقيدة في القرآن الذي كتبه علال الفاسي أحد كبار علماء القرويين وزعيم حركة التحرير ورائد النضال الوطني والإيجابي بعد الاستقلال، إنها شهادة عالم و رفيق درب ظلّ من بعده هو ورفاقه في حزب الاستقلال حاملين رأيته إلى أن لاقوا راجين مرضيين وجه ربّهم الذي سيجزي مثوبتهم في جنات النعيم وإنا لله وإنا إليه راجعون.
