في رحاب القرآن:تفسير سورة “يس”

في رحاب القرآن:تفسير سورة “يس”


سورة (يس) من السور المكيّة إلا آية “وإذا قيل لهم انفقوا” إلى آخرها وطبيعة السور المكية أنها تسعى إلى تركيز العقيدة وتقوية الإيمان وليس فيها الأحكام سواء أحكام العبادات أو أحكام المعاملات فقد تأخر نزول السور والآيات المتضمنة لذلك إلى المرحلة المدنية التي أصبح فيها للمسلمين كيان وأخذ صرح الإسلام في الإكتمال. وقد تضمّن القرآن المكي من أخبار الأمم والرسل ما فيه الموعظة والاعتبار. ولا بأس من إيراد بعض الأحاديث المبيّنة لفضيلة هذه السورة، الداعية للمواظبة على قراءتها وتلاوتها واتخاذها وردا يذكر به العبد المؤمن ربه جلّ وعلا، والأنفس البشرية ميّالة إلى الارتياح إلى الوعد وهو كثير في القرآن الكريم. * فعن معقل بن يسار قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (إقرؤوا يس على موتاكم) ومن حديث أم الدرداء عن النبي قال: (ما من ميّت يقرأ عليه سورة يس إلا هوّن الله عليه). * وفي مسند الدارمي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ سورة يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له في تلك الليلة). * وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات). * وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن في القرآن لسورة تشفع لقارئها ويغفر لمستمعها ألا وهي يس تدعى في التوراة المعمة قيل: يا رسول الله وما المعمة ؟ قال تعمّ صاحبها بخير الدنيا وتدفع عنه أهاويل الآخرة وتدعى الدافعة والقاضية قيل يا رسول الله وكيف ذلك ؟ قال تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضي له كل حاجة ومن قرأها عدلت له عشرين حجة ومن سمعها كانت له كألف دينار تصدّق بها في سبيل الله ومن كتبها وشربها أدخلت جوفه ألف دواء وألف نور وألف يقين وألف رحمة وألف رأفة وألف هدى ونزع عنه كل داء وغل) ذكره الثعلبي من حديث عائشة والترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه مسندا. * وفي مسند الدارمي قال ابن عباس: من قرأ يس حين يصبح أعطى يسر يومه حتى يمسي ومن قرأها في صدر ليلته أعطي يسر ليلته حتى يصبح. وذكر النحاس عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال: لكل شيء قلب وقلب القرآن يس من قرأها نهار اكفي همّه ومن قرأها ليلا غفر ذنبه. * وروى الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن لكل شيء قلبا وإنّ قلب القرآن يس ومن قرأها في ليلة أعطي يسر تلك الليلة ومن قرأها في يوم أعطي يسر ذلك اليوم وإنّ أهل الجنّة يرفع عنهم القرآن فلا يقرؤون شيئا إلا طه ويس). * وقال يحي بن أبي كثير : بلغني أن من قرأ سورة يس ليلا لم يزل في فرح حتى يصبح ومن قرأها حين يصبح لم يزل في فرح حتى يمسي وقد حدثني من جرّبها، قال ابن عطية: ويصدّق ذلك التجربة. * وعن محمد بن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (القرآن أفضل من كل شيء دون الله وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه فمن وقر القرآن فقد وقر الله ومن لم يوقر القرآن لم يوقر الله وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده. القرآن شافع مشفع وما حل (مجادل مصدّق) مصدّق فمن شفع له القرآن شفّع ومن محل به القرآن صدق ومن جعله إمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار وحملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله الملبسون نور الله المعلّمون كلام الله من والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد عادى الله يقول الله تعالى: يا حملة القرآن استجيبوا لربكم بتوقير كتابه يزدكم حبّا ويحبّبكم إلى عباده يدفع عن مستمع القرآن بلوى الدنيا ويدفع عن تالي القرآن بلوى الآخرة ومن استمع آية من كتاب الله كان له أفضل ما تحت العرش إلى التخوم وإن في كتاب الله لسورة تدعى العزيزة ويدعى صاحبها الشريف يوم القيامة تشفع لصاحبها في أكثر من ربيعة ومضر وهي سورة يس). * وذكر الثعلبي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ سورة يس ليلة الجمعة أصبح مغفورا له). * وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد حروفها حسنات). لقد آثرت أن أورد كل هذه النصوص من أحاديث وآثار كما وردت في كتب التفسير المعتمدة كتفسير ابن كثير وتفسير القرطبي وكل منهما من العلماء الأعلام. على أننا ونحن نورد هذه النصوص المتفاوتة في درجة إسنادها وتخريجها نعتقد أنها مع بعضها البعض تعاضد وتقوّي بعضها وتجعل الطمأنينة إليها لا مانع منها كما أنّ ما ورد في هذه الآثار السالفة الذكر وما هو على شاكلتها من الوعد بجزيل الثواب وعظيم الأجر والمتضمنة أيضا لبعض الخصائص والفوائد المادية البدنية والنفسية الروحية لا موجب لاستبعادها واستكثارها واستعظامها إذ لا يعظم على الله أمر ولا شيء وإذا ما تأخر عن أحدنا حصول المقصود والمطلوب فعليه أن لا يستعجل وعليه أن لا يتشكك أو يرتاب بل عليه أن يعود إلى نفسه والى نيّته فيمحّصها والى يقينه في ربّه جلّ وعلا و لن يتأخر عندئذ ما وعد به والله على كل شيء قدير. في سورة “يس” مقاطع متعددة لا يمكن التوقف عندها كلها أو الدخول في جزئياتها وتفاصيلها فهي في الأمهات من كتب التفسير مبسوطة، حسبنا فقط أن نستلهم مما ورد في سورة “يس” من معان وعبر وحجج وبراهين أوردها الله تبارك وتعالى في سياق إقامة الحجة و البرهان على وجوده جلّ وعلا وعلى صدق أنبيائه في ما يبلغونه عن ربهم وعلى تشابه أحوال الناس قديما وحديثا سواء كان ذلك زمن بعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أو زمن بعثة من سبقه من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، فحال الناس واحدة مع الهدى إما مؤمنون به ومصدّقون له وهؤلاء أعدّ الله لهم الجزاء الأوفى أو مكذبون معاندون مجادلون يريدون بكل وسيلة وأسلوب أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ولكن هيهات يأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. يقول جل من قائل (يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)). في (يس) عدة أقوال مثلها مثل كل الأحرف التي ابتدأت بها بعض السور في القرآن الكريم وسواء كانت (يس) إسما من أسماء الله أو إسما من أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وردت بذلك عديد الآثار فإنه من الأسلم تفويض أمر معانيها إلى الله (والقرآن الحكيم) إنه قسم بعظيم سواء كان ذلك الله أو الرسول أو غيرهما مما خلق الله تبارك من العظائم والعجائب. والخطاب موجه إلى سيّدنا محمد عليه الصلاة والسلام فهو نبي الله ورسوله الذي بعثه بالدين الذي هو من عند الله جلّ وعلا لا دخل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه إلا بالمقدار الذي أذن به الله والذي بيّنته الآيات الموالية وهي التبليغ والنذارة لقوم هم في أمس الحاجة إلى ذلك فهم وآباؤهم قبل مجيئه عليه الصلاة والسلام في ضلال وظلام، إنهم غافلون حقّت عليهم كلمة ربك بإعراضهم عن سواء السبيل وكفرهم بالله وتكذيبهم لرسله عليهم السلام. إنّ تكذيب هؤلاء الضالين بما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكفرهم دفعهم إلى قول المنكر من الكلام وارتكاب الشنيع من الأفعال لقد باء صنيع أبي جهل والوليد بن المغيرة ومن نسج على منوالهما ممن أرادوا النيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيذائه ومحاولة قتله لقد ردوا على أعقابهم وصدّوا وفرّوا مدحورين مذمومين (فهم مقمحون) أي رافعوا رؤوسهم لا يستطيعون الإطراق لأن من غلت يده إلى ذقنه ارتفع رأسه إنهم مغلولون عن كل خير. لقد جعل الله بينه عليه الصلاة والسلام وبين ما يريدون من شرّ سدّا فهم لا يبصرون وهؤلاء لا تنفع معهم الدعوة والنذارة، إنهم لا يؤمنون فالدعوة والنذارة والارشاد إنما تنفع مع الذين يخشون الرحمان بالغيب حيث لا تراهم الأعين فهؤلاء هم الذين يستحقون البشارة بالأجر الكريم الذي هو الجنة ونعيمها. قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)). فالله تبارك وتعالى هو المحي وهو المميت وهو على كل شيء قدير وما من قول أو فعل إلا وهو مكتوب إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، كتاب الأعمال. فالله تبارك وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا وبقدر الخطي التي يخطوها العبد في سعيه إلى الخير وفعله بقدر ما يعظم أجره وثوابه وقد قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني سلمة عندما أراد بعض الصحابة أن ينتقلوا بسكناهم إلى جوار المسجد وقد خلت البقاع قال لهم (يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم) والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وكعادة القرآن في ضرب الأمثال وإيراد القصص للعبرة والموعظة يقول جلّ من قائل (اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)). هذه القرية التي يضرب الله بأصحابها المثل لمن يكذّبون رسول الله صلى الله عليه وسلم هي قرية (أنطاكية) وكان بها طاغية يعبد الأصنام فأرسل الله له صادقا وصدوقا و“شالوما” وقيل “شمعون” و“يوحنا” وقيل “سمعنا” ويحي، وأيا كان الأمر فهم من المرسلين سواء كانوا من الأنبياء أو مبعوثين من قبل نبي من الأنبياء أي من حواري سيدنا عيسى عليه السلام فإن ما ورد في سياق الآية فيه البلاغة الكافية والحجة البالغة والموعظة والعبرة، فقد بعث الله الرسولين وعزّزهما بثالث وثلاثتهم يبلغون رسالة واحدة، إنهم رسل الله، يدعون إلى الهدى، ونبذ الكفر والضلال وترك عبادة الأصنام والأوثان، لقد كان مصير الرسولين الأولين التكذيب والنكير الشديد، وإقامة للحجة عزّزهما الله بثالث فكان ردّ الكافرين الضالين ضعيفا غير مقنع إذ فيه التكذيب بدعوى أن هؤلاء الرسل بشر مثل من أرسلوا إليهم وما الغرابة في الأمر قد يكونون بشرا ولكنهم بشر إصطفاهم الله واختارهم وعصمهم وأوحى إليهم. وكان ردّ المرسلين لسنا إلا رسل الله إليكم لنبلّغكم هديه ونرشدكم إلى سواء السبيل ليس لنا عليكم إلا البلاغ الذي لا يخالطه شك ولا ريب، البلاغ المبيّن الجلي الذي لا لبس فيه ولا غبار عليه. وإزاء هذا الإصرار من المرسلين في إبلاغ رسالات ربهم لعباده ازداد كفر الكافرين وإصرارهم والتجأوا إلى الأوهام النفسية الشيطانية وادّعوا التطير بهؤلاء المرسلين وحاشا لرسل الله الهداة أن يتطير بهم إنهم رسل خير ورحمة. وبدأ التهديد والوعيد وهيهات أن يخضع الرسل لمثل هذا الوعيد حتى ولو كان التهديد بالرجم وبالعذاب الشديد وهو وعيد كاذب لا يصل أصحابه إلى مرادهم ومبتغاهم لأن هؤلاء الرسل في أعين الله ورعايته وحفظه لا يمسهم سوء ولا ينالهم مكروه (إنّا لننصر رسلنا والذين آمنوا…) كان ردّ هؤلاء الرسل أن هذا التطيّر والتشاؤم مردود على الكافرين الضالين إنهم هم من يتطير به إنهم الشرّ بعينه ولكن إنها (لا تعمي الأبصار لكن تعمي القلوب التي في الصدور) إنهم قوم مسرفون ضالون عن سواء السبيل. وهنا يتحرّك الإيمان واليقين في نفس من يصطفي من عباده فيتبع المرسلين ولو كان من الضعاف المصابين المبتلين فإن قوّة الإيمان تدفع الضعيف الذي لا يؤبه له إلى نصرة الحق والوقوف إلى جانه (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)). يمضي السياق القرآني مشوقا ومثيرا فإنّ هذا الرجل المؤمن القادم من أقصى القرية وهو الضعيف المبتلى ولكن المؤمن القوي الإيمان لما تبين له الرشد من الغي وعلم صدق المرسلين وإسراف هؤلاء المكذبين الضالين إنحاز إلى جانب الإيمان وقام ناصحا لوجه الله (يا قوم إتبعوا المرسلين) هؤلاء المهتدين الذين لا يسألون عن دعوتهم أجرا ولا جزاء ولا شكورا وما كان الكافرون الضالون ليعجبهم هذا الكلام وما كانوا ليستجيبوا لهذه النصيحة وأصرّ الرجل على إيمانه وتمسك به وتحمل ما تحمّل من عذاب بلع به حدّ الموت في سبيل إيمانه وعقيدته الصحيحة مؤثرا الإيمان على الكفر والضلال (ومالي لا أعبد الذي فطرني واليه ترجعون) لا سبيل إلى أن يتخذ لله شريكا ولا ندّا فإنّ هؤلاء الشركاء لا يستطيعون نفعه ولا ضره إن كفر بربّه فقد ضل ضلالا شديدا لقد آمن بربه و أسمعهم هذه العقيدة الصحيحة ولاقي ربه عليها فاستحق بصنيعه دخول الجنة إكراما من الله له هنالك قال (يا ليت قومي يعلمون) بما أعدّه الله له من جزاء أوفى وأوفر. أما من كفروا وكذبوا المرسلين وفتنوا هذا الرجل المؤمن فما كان يحتاج إهلاكهم إلى إنزال جند من السماء لقد كانت بمجرد صيحة واحدة فإذا هم خامدون فالله يمهل ولا يهمل وعذاب الله إذا أنزله لا يبقي ولا يذر. يا حسرة على العباد كلما أرسل الله لهم رسولا إلا كذّبوه واستهزؤوا به إنهم لا يعتبرون بمصير المكذبين ممن كانوا قبلهم فكم من قرن من هؤلاء المكذبين أصبحوا أثرا بعد عين؟ وهم جميعا الأولون والآخرون سيجمعون بين يدي الله للحساب والعقاب. يقول جل من قائل (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)). في هذا المقطع من سورة “يس” إقامة للحجج والبراهين على وحدانية الله وقدراته جل وعلا. وهذا النوع من الآيات القرآنية كثير الورود واضح الحضور انه استدلال بالمصنوع على الصانع وبالحكمة على الحكيم. أنه يتمثل في النظر بتدبر وتمعن وتفكر وتعقل في ذات الإنسان وفي ما يحيط به من كل جانب عملا بقوله جل من قائل (وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي الأرض آيات للموقنين). فالقرآن الكريم مليء بالدعوة إلى التفكر والتدبر والاعتبار والإبصار وكثيرة هي الآيات المختتمة (بأولي الأبصار)، (الذين يتفكرون) (الذين يعقلون). والمنهج القرآني في ترسيخ العقيدة يسلك هذا المسلك الذي يؤدي بصاحبه إلى الاقتناع والتسليم ونفي الصدفة فكل شيء خلق بقدر وبحكمة و بانتظام، ودقة وما في الإنسان وما في ما يحيط به من كون فسيح شواهد دالة على وحدانية الله وقدرته، والذين يتفكرون ويتدبرون خصوصا من أهل الذكر في مختلف المجالات يقولون قلبا وقالبا (سبحانك ما خلقت هذا باطلا). وأهل الذكر في مختلف العلوم والمعارف هم الأعرف من سواهم بعظمة ودقة الخلق وقدرة الخالق الصانع ولذلك فإن إيمانهم قوي وعقيدتهم راسخة لا تتزعزع وصدق الله العظيم الذي يقول (إنما يخشى الله من عباده العلماء) العلماء على الإطلاق علماء الشرع ولكن أيضا كل العلماء على مختلف اختصاصاتهم فالجميع يجدون في القرآن سبقا وإعجازا ويجدون فيه إقناعا أن هذا القرآن الذي بين أيديهم والذي انزل قبل أربعة عشر قرنا على نبي أمي لم يغادر الجزيرة العربية يستحيل ان يكون هذا القرآن كلام بشر مهما كانت عبقريته فهو كلام الله وليس كلام سواه وفي ذلك البرهان الساطع والدليل القاطع على وجوده سبحانه وتعالى ووحدانيته وصدق النبي فيما يبلغه عن ربه جل وعلا. وهذا النوع من الآيات القرآنية يمثل جانبا من جوانب إعجاز القرآن انه الإعجاز العلمي الذي كان ولا يزال السبب في هداية واعتناق كثير من العلماء للإسلام أو على الأقل إدلائهم بشهادات إنصاف واعتراف للقرآن بهذا السبق والمواكبة لما توصل إليه الإنسان بعد نزول القرآن بقرون من اكتشافات واختراعات، ولا يتسع المجال لذكر مجرد أسماء هؤلاء العلماء والمفكرين أو استعراض أعمالهم العلمية كما لا يمكن ان ننسى في هذا المقام ما لا يزال يواكب به بعض الدعاة المختصين مسيرة العلم ويربطونها دون تمحل بما أشار إليه القرآن وما ورد في عديد السور من آيات كونية لا سبيل إلى إدراك ما فيها وما توحي به من مغاز وعبر دون تسليط أضواء عليها وربطها بآخر ما انتهى إليه العلم في أدق اختصاصاته ولا يقدر على ذلك إلا أهل الذكر في هذه العلوم العصرية المستجدة فهم أهل الذكر الذين أمرنا في القرآن الكريم بأن نسألهم ونعود إليهم (فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). غير أن ما ينبغي التأكيد عليه والتنبيه إليه هو أن القرآن الكريم أولا وآخرا هو كتاب هداية (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) ولا يمكن أن نقلبه -وذلك غير ممكن- إلى كتاب لأي علم من العلوم مهما كانت أهمية وقيمة هذا العلم. القرآن يبقى دائما اشرف وأعظم، ويكفي المؤمن اعتزازا أن القرآن لا يمكن ان يتعارض أو يتناقض مع أي علم صحيح وذلك لأنه من عند العليم الخبير سبحانه وتعالى وهذا الأمر يدعونا إلى عدم التعسف في تأويل الآيات القرآنية وتحميلها ما لا تتحمله لأننا قد نسقط فيما لا تحمد عقباه عندما يتقدم العلم في مجال من المجالات ويثبت خطأ نظرية من النظريات. فالآيات السالفة الذكر من سورة “يس” فيها دعوة إلى النظر في قدرة الله تبارك وتعالى التي تجعل من الأرض الميتة التي يحييها الله بما ينزل عليها من غيث نافع (وجعلنا من الماء كل شيء حي) فتنبت الحب الذي منه يجعل الله الجنات من الحدائق والبساتين التي فيها النخيل والأعناب وغير ذلك وتتفجر من هذه الأرض العيون التي تروي الأشجار والنبات لتثمر فيأكل منها الناس، ألا يدعو هذا ويدفع إلى شكر المنعم جل وعلا، انه سبحانه وتعالى خالق الأزواج كلها: الأزواج مما تنبت الأرض ومن الأنفس ومما لا يعلمه الإنسان، وكذلك الليل والنهار فهما آيتان من آيات الله الدالة على قدرته فالإظلام والإضاءة اللذان ينتجان عن تعاقب الليل والنهار فيهما من الحجج والبراهين على قدرة الله ما لا يخفي على عاقل والشمس هذا الكوكب الملتهب السائر إلى نهاية ووفق قدر مقدر، وكذلك القمر في تدرجه من أول الشهر إلى آخره، فالقمر والشمس والليل والنهار في تعاقب لا تتلاطم ولا تتعارض ولا تتصادم والله تبارك وتعالى هو الذي حمل نوحا في الفلك ونجاه من الغرق وهو الذي خلق لبني آدم مثل ذلك مما يركبون و لولا حفظ الله وعنايته لغرق كل راكب فلا يسمع له صريخ ولا ينقذ إنها رحمة الله بعباده إذ يمتعهم بما يهب لهم و يعطيهم من خيره وذلك إلى حين. ثم يقول جل من قائل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)). يعود السياق إلى مجادلة ومناظرة المعاندين المنكرين لنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والمكذبين بما جاء به من عند الله من دين هو دين الإسلام (إنّ الدين عند الله الإسلام). فهؤلاء عندما يقال لهم: اتقوا الله واحذروا ما بين أيديكم وما خلفكم لعل الله يرحمكم، وعندما يقال لهم أنفقوا مما رزقكم الله واستخلفكم عليه فإن هؤلاء الكافرين يردون لماذا لا يطعمهم الذي خلقهم؟! إنهم في ضلال وظلام. وعندما يحذر هؤلاء الكافرون مما ينتظرهم من عذاب يتساءلون باستبعاد متى سيكون ذلك؟ إن الله يمهل ولا يهمل، والعقاب قريب من هؤلاء إنها مجرّد صيحة تأخذهم وهم غافلون عنها يتخاصمون على أعراض الحياة الدنيا الزائلة. إنهم لا يستطيعون حتى مجرّد العودة إلى أهلهم لتوصيتهم، وقريبا جدا ينفخ في الصور فتقوم الساعة ويبعث من في القبور فيتدافعون آنئذ يقول الجميع: (هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون) فيما بلغوا عن ربهم وما انذروا به المكذبين والمعاندين وما هي إلا صيحة أخرى وإذا بالجميع واقفون بين يدي الله للحساب في يوم لا تظلم فيه نفس ولا تجازى أي نفس إلا ما عملت، الوزن يومئذ القسط (فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرّا يره). يقول جل من قائل (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)). في هذا المقطع من سورة (يس) تصوير لأحوال أهل الجنة وأهل الجحيم فأهل الجنة في نعيم هم وأزواجهم على الأرائك، لهم في الجنة ما يشتهون من الفواكه وغيرها، لا يقال لهم إلا الطيب من الكلام إنهم في سلام من ربهم الرحيم وأما المجرمون فقد حذروا من أن يعبدوا الشيطان الذي هو عدّو مبين لآدم و بنيه و قد كانوا دعوا لعبادة الله الواحد الأحد وأن يسلكوا الصراط المستقيم وكان عليهم أن يعتبروا بمن سبقهم لو كانوا يعقلون، هذه هي جهنّم التي حذروا منها ومما فيها من عذاب. ان الكافرين يصلون نار جهنم بكفرهم لقد ختم الله على أفواههم وهاهي أيديهم وأرجلهم تشهد عليهم، لم يظلمهم ربهم إنما يعاقبهم بما كسبت أيديهم ولو شاء الله لطمس على أعينهم فيصبحون عميانا ولو شاء الله لمسخهم فلا يتقدمون ولا يتأخرون ويجمدون في أماكنهم التي هم فيها ومهما طال بقاء ومكث المعاند المجادل الكافر بربه فإنه آيل إلى ضعف، إنه من ضعف إلى ضعف (ومن نعمره ننكسه في الخلق). ثم يقول جلّ من قائل: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)). يبدأ هذا المقطع من سورة (يس) بالرد على من قالوا أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم هو مجرّد شاعر ليس إلا، وأن ما جاء به من قرآن ليس إلا شعرا وينفي الله تبارك وتعالى أن يكون رسوله ونبيه من الشعراء، فلم يعلمه الله الشعر وما ينبغي أن يكون من الشعراء وأن ما جاء به من عند الله هو القرآن الكريم كلام الله البليغ المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه وله من خلفه، أنزله الله عليه لينذر به من كان حيّا يعي و ليقيم به الحجة على الكافرين. ألم ينظر هؤلاء كيف خلق الله تبارك وتعالى لهم هذه الأنعام التي سخرها لهم فهم يملكونها ويركبونها ويأكلون من لحومها ويشربون ألبانها ولهم فيها منافع عديدة؟! أليس الأولى بهم أن يشكروا الله على ما رزقهم، وأن لا يشركوا به غيره من الآلهة التي لا تستطيع نصرهم. ويواسي الله تبارك وتعالى نبيّه ورسوله (فلا يحزنك قولهم) فالله يعلم سرّ الكافرين وجهرهم، سبحان الله كيف ينسى الإنسان ربّه خلقه من نطفة ثم لا يلبث هذا الإنسان أن يصبح خصما لربه. ويقول جلّ من قائل: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)). إنّ الإنسان الظلوم الجهول المعاند الجحود يضرب مثلا لربّه فيتساءل في تشكك وإرتياب متناسيا خلقه فيقول من سيحيي العظام بعد أن تصبح رميما وترابا؟ ويأتيه الجواب من جنس سؤاله: إن الذي سيحييها هو الذي أنشأها أول مرة، الله، الذي هو عليم بكل ما خلق، إنه الله الذي جعل من الشجر الأخضر-في مآلها عندما تصبح حطبا-نارا، إنه الله الذي يجمع فيها بين النقيضين فتتحول من خضراء إلى يابسة توقد منها النار. إن خالق السماوات والأرض وما فيهن قادر على أن يخلق مثلهم من إنسان وغيره، إنه سبحانه وتعالى هو الخلاّق العليم فأمره إذا أراد شيئا أن (يقول له كن)، إنه على كل شيء قدير سبحانه وتعالى بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع الجميع.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.