في رحاب القرآن:تفسير سورة “الواقعة”

في رحاب القرآن:تفسير سورة “الواقعة”


سورة الواقعة من السور المكية وآياتها ستّ وتسعون وقد ورد في فضيلتها حديث وان اختلفت رواياته وتعددت الا أنّ متنه واحد فعن ابن ظبية قال: مرض ابن عبدالله (ابن مسعود رضي الله عنه) مرضه الذي توفي فيه فعاده عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربّي قال: ألا آمر لك بطبيب؟ قال الطبيب أمرضني قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال لا حاجة لي فيه قال: يكون لبناتك من بعدك قال: أتخشى على بناتي الفقر؟ إني أمرت بناتي أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله قد شبت قال: شيّبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون واذا الشمس كوّرت رواه الترمذي. والواقعة اسم للقيامة. يقول الله تبارك وتعالى (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)). عندما تقوم الساعة فلا يمكن ان يكذب وقوعها مكذب اذ قد يكذب المكذب قبل وقوعها اما اذا وقعت فانه لا سبيل الى انكار ذلك الوقوع الذي يرى راي العين وعند وقوع الواقعة تتغير الموازين وتتبين حقائق الامور فان الواقعة سترفع اقواما وستخفض آخرين، ترفع المؤمنين جزاء إيمانهم وطاعتهم لربهم وستخفض الكافرين المعرضين عن الطريق المستقيم ممن كان في الدنيا في أعلى عليين ثم تمضي الآيات الكريمة تفصل القول فيما يتبع قيام الساعة ووقوع الواقعة من ارتجاج للأرض واهتزاز وتفتت للجبال (وبسّت الجبال بسّا) حتى تصبح كالهباء منتشرة متفرقة. عند ذلك يكون الناس على أصناف ثلاثة أصحاب الميمنة أي أصحاب اليمين الذين يؤخذ بهم إلى الجنة (وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة) وهم الذين يؤخذون إلى نار جهنم (والسابقون السابقون) وهم أولئك الذين سارعوا إلى الإيمان والطاعة والتقوى وكل أعمال البر مما يرضي الله سبحانه وتعالى (ثلة من الأولين) وهم من سبقوا من لدن آدم عليه السلام الى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (وقليل من الآخرين) أو كثرة من أوائل امة محمد صلى الله عليه وسلم وقليل من أواخرها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة). إن الله تبارك وتعالى أعدّ لهؤلاء السابقين المقرّبين في الجنة اصنافا من النعيم جزاء لهم فهم في جنّات النعيم (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) إنهم على سرر منسوجة بقضبان الذهب (متكئين عليها متقابلين) يقابل بعضهم البعض (ويطوف عليهم ولدان مخلدون) يقوم بخدمتهم غلمان لا يهرمون ولا يتغيرون يقومون بهذه الخدمة في الجنة يدير هؤلاء الغلمان (الولدان المخلدون) على هؤلاء المقربين في الجنة بأكواب وأباريق هي عبارة عن أقداح مستديرة الأفواه لا آذان لها ولا عرى تحتوي هذه الأكواب والأباريق على خمر يجري من عيون (كاس من معين) إن شراب أهل الجنة لا يصدع رؤوسهم ولا يسكرهم فتذهب عقولهم (لا يصدعون عنها ولا ينزفون) وهم يختارون من الفاكهة ما يشتهون ويقدم لهم لحم طير مما تتمناه أنفسهم وتشتهيه، ونساؤهم من حور العين ذات السواد في السواد وشدّة في البياض وهن واسعات الأعين إنهن كاللؤلؤ المكنون الذي لم تمسّه الأيدي ولم يقع عليه الغبار كل ذلك جزاء لما قدمت ايديهم في الحياة الدنيا من عمل صالح ومن طاعة لربهم ومجانبة لإتباع خطى الشيطان. انهم في الجنة لا يسمعون شتما فلا أحد في الجنة يتكلم بما فيه إثم إنهم لا يقولون إلا سلاما سلاما. يقول الله تبارك وتعالى (عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)). أما أصحاب اليمين وهم أصحاب الجنة ممن هم أقل درجة في النعيم من السابقين، فلكل درجته في الجنة على قدر ما قدمت يداه وعلى قدر ايمانه فهؤلاء (في سدر مخضود) وهو نوع من الشجر قطع شوكه (وطلح منضود) وقيل انه شجر الموز وسواء كان الطلح المنضود اوغيره من الشجر فهو شجر في الجنة افضل من اشجار الدنيا، انهم في ظل باق دائم لا يزول (وماء مسكوب) يجري حيث يشاؤون شرابا لهم وفاكهة أهل الجنة كثيرة (لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة) ففاكهة أهل الجنة كثيرة لا تنقطع على طول الزمان مثلما هو الحال بالنسبة لثمار الدنيا، إنها رهن إشارتهم متى أرادوها وفراش أهل الجنة مرفوعة وقد يكون ذلك كناية على نساء أهل الجنة كما يقتضيه السياق اللاحق (إنّا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ثلة من الأوّلين وثلة من الآخرين) لقد خلق الله نساء أهل الجنة خلقا جديدا، فهن في سن الشابات المتجليات لأزواجهن أنشاهن الله لأصحاب اليمين (أَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ). إنّ أصحاب الشمال في حرّ النار يشربون ماء حارا وعندما يفر أهل الشمال الى الظل فانهم يجدونه ظل دخان فليس هو بالبارد ولا يعجب منظره . لقد كان أهل الشـمال في نعيم لم يراقبوا فيه الله ، نعيم الحرام وكانوا مصرين على الشرك واقتراف الذنوب كانوا ينكرون البعث: بعثهم وبعث آبائهم الأولين. ثم يأمر الله تبارك وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ان يخبرهم بأن الأوّلين والآخرين سيجمعهم الله يوم القيامة وسياكلون من شجر كريه المنظر والمطعم يملأ البطون ويشربون الماء الحار كشرب الابل في حالة عطشها الشديد هذا هو مقامهم يوم القيامة. ثم تمضي آيات سورة الواقعة بعد ذلك في إقامة الحجج والبراهين العقلية والمنطقية المنبثقة من صميم الواقع والحياة ومما يراه الجميع في أنفسهم وفي ما يحيط بهم مما يقف دليلا وبرهانا مقنعا على قدرة الله سبحانه وتعالى. وهذا المنهج القرآني البديع يتكرر وروده في سور القرآن الكريم ، أشارت إليه عديد الآيات ففيه الدعوة إلى التفكر والتدبر والاعتبار والنظر الممعن في نفس الإنسان وفي ما يحيط به يقول جل من قائل (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ويقول (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق) انه الاستدلال بالمخلوق على الخالق وبالمصنوع على الصانع وما يهيئ لإقامة الحجة والإقناع بها ما يوفره العلم الذي يتقدم كل يوم فكثير من الآيات القرآنية يمكن أن يزداد الفهم لما تشير إليه من قدرة إلهية ما يوفره العلم في كل ميادينه ومجالاته من معطيات دقيقة هي اليوم حقائق ملموسة وهكذا يتطابق كلام الله العزيز مع ما توصل إليه العلم الحديث وذلك هو ما اصطلح عليه بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم وقد برع فيه عدد من العلماء المختصين فانبروا يكتبون ويحاضرون ويناظرون وهدى الله على أيديهم الكثير ممن كانوا في شك وحيرة فاقتنعوا بالحجة والبرهان على أن هذا القرآن الكريم هو كلام الله الذي يستحيل أن يأتي بمثله أو بسورة منه أو بعشر آيات منه احد مهما كانت عبقرية وبراعته، انه كلام الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو المعجزة الخالدة الباقية ما بقي الزمان. يقول جل من قائل (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)). يجمع بين هذا المقطع من آيات سورة الواقعة انه نوع من إقامة الحجة والبرهان على قدرة الله من خلال ما سخر لعباده وما انعم عليهم به من النعم الظاهرة البادية للعيان والتي يمر عليها الغافلون كما لو أنها جاءت من تلقاء نفسها وليس وراءها خالق قدير يقول للشيء (كن فيكون) وحال هؤلاء والعياذ بالله هو حال العميان (أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). فالله تبارك هو الخالق لكل شيء من لا شيء والجميع يعلم بهذه الحقيقة ومع ذلك لا يسلمون له جل وعلا بالقدرة على البعث بعد الموت!! والحال انه وبالقياس على ذلك فهو قادر على البعث كما هو قادر على الخلق. وتمضي الآيات بعد ذلك في تقديم الأمثلة على قدرة الله من النفس في نشأتها الأولى من قطرات (هي مني يقذف به في أرحام النساء) يخلق الله منه بشرا سويا يمر بمراحل متوالية من المنى إلى الإنسان الكامل الخلق وينزل إلى العالم فيبقى ما قدر الله له وكتب أن يبقى ثم يموت، فالله جل وعلا هو الخالق البارئ المصور وهو سبحانه وتعالى المحيي والمميت لا يغلبه احد، انه قادر على كل شيء ولو شاء الله أن يبدل الخلق ويغيره في أي صورة لفعل لا يعجزه أمر إذ يمكن أن يبعث الناس على غير الصورة التي كانوا عليها في الدنيا. ويسال الله المجادلين المنكرين للبعث عن التناقض الذي يقعون فيه حين يسلمون بالخلق ولا يسلمون بالبعث ألا يتذكر هؤلاء؟ ألا ينظر هؤلاء إلى ما يحرثون، من يا ترى غير الله ينبت الزرع ولو شاء الله لجعل ذلك الزرع حطاما رميما يابسا بعد أن كان اخضر مثمرا بقدرة الله ولو فعل ذلك (وهو قادر على فعله) لأصيب بالخيبة والحسرة والإحباط والخسران والإفلاس هؤلاء الكافرون بربهم المنكرون لقدرته، انه قادر على حرمانهم وجعلهم يتفكهون ويقولون (إنا لمغرمون بل نحن محرومون). أفلا ينظر هؤلاء المكذبون بقدرة الله على البعث والنشور إلى الماء من انزله من السحاب؟ إنهم يشربونه عذبا زلالا ولا يفكرون فيمن انزله عليهم، انه الله جل وعلا ولو شاء الله لجعله ملحا لا يستساغ شرابه لماذا لا يشكرون ربهم على هذه النعمة وعلى غيرها؟ وشكرهم إنما ينبغي أولا وقبل كل شيء أن يكون بالإيمان به سبحانه وتعالى والتسليم له بالقدرة على كل شيء. وهذه النار التي توقد من الذي انشأ شجرتها وشرارتها الأولى اهو الله أم غيره ممن يكفر به ممن لا يستطيعون شيئا؟ لقد جعلها الله تذكرة تذكر بحر جهنم كما جعلها الله تبارك وتعالى للمقوين من المسافرين وأهل البوادي فسبحان الله الذي هو على كل شيء قدير. ثم يقول جل من قائل (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)). يقسم الله سبحانه وتعالى بمواقع النجوم ومنازلها في السماء مما هو من أعظم الأدلة على قدرة الله وجميل صنعه. وهو قسم عظيم. إن هذا القرآن جاء من عند الله، كتاب كريم يحوي كل الخير والفضائل منزه عن كل ما يلصقه به الكافرون من صنوف الزيف وهو محفوظ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لا يمسه إلا الملائكة المطهرون المنزهون ، كما لا يمسه المؤمنون إلا على طهارة كاملة كبرى وصغرى تعظيما لشانه وقدره وإجلالا لما فيه من كلام الله العزيز، انه منزل من عند الله، ويستنكر المولى سبحانه وتعالى على الكافرين مداهنتهم وتكذيبهم بما في القرآن فيجعلون الشكر على الرزق التكذيب بنعمة الله. ويعود السياق إلى إقامة الحجة على قدرة الله الذي يدعوهم إلى النظر إلى حال احتضار الميت عندما تبلغ روحه الحلقوم وهم ينظرون إليه ولا يستطيعون له شيئا ورسل الله المكلفون بقبض روحه اقرب إليه منهم ولكنهم لا يبصرون (أي الكافرون المعاندون المشككون في قدرة الله) إنهم لا يستطيعون إرجاع الروح إلى الميت. ثم يقول جل من قائل (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)) وتختتم سورة الواقعة بالعودة إلى بيان ما أعده الله تبارك وتعالى لكل فئة من الفئات الثلاث. فالمقربون في راحة في الدنيا وفي ريحان في الجنة وأصحاب اليمين وسلام لك منهم فهم في الجنة يتنعمون في حين أن المكذبين بالبعث فهم في الجحيم يعذبون بعذاب مقيم منه ماء الحميم الشديد الحرارة وطعام الزقوم وهم يصلون نار جهنم إن هذا هو الحق اليقين الخالص الصادق الذي يتنزل به الكتاب العزيز مبشرا للمؤمنين لما أعده الله لهم في الجنة من نعيم مقيم ومحذرا للكافرين المكذبين مما ينتظرهم في نار جهنم من عذاب شديد جزاء تكذيبهم وعدم إيمانهم برب العالمين فسبحان الله رب العرش العظيم .



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.