في رحاب القرآن: تفسير سورة “الطارق”

في رحاب القرآن: تفسير سورة “الطارق”


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قائل الله تعالى “وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)”صدق الله العظيم سورة الطارق مكية تبدأ هذه السورة بالقسم والقسم لا يكون إلا بعظيم من صنع الله ومن خلقه وسورة الطارق تبدأ بقسمين: السماء قسم، والطارق قسم. والسماء أو السماوات وردت في القرآن في مواضع عديدة وهي من عظيم خلق الله وإبداعه وجميل صنعه وهي من أعظم الدلائل على قدرته وعلى وحدانيته وهي جديرة بان تكون قسما تبدأ به السورة وتلفت إليه الانتباه ليتم التدبر والاعتبار وهذا هو المقصود والمطلوب. و“الطارق” نجم قال الله في حقه “وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ” قيل الطارق هو زحل نجم في السماء السابعة وهو طارق حين ينزل وحين يصعد وقيل الطارق النجم اسم جنس سمي بذلك لأنه يطرق ليلا. والثاقب المتوهج (وما أدراك ما الطارق) وفي ذلك تفخيم لشان هذا المقسم به. “إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ” والحافظ من الحفظة الذين جعلهم الله تبارك وتعالى من الملائكة يحفظون على الإنسان كل ما يأتيه من أقوال وأفعال وسائر التصرفات. قال النبي صلى الله عليه وسلم “وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه ما لم يقدر عليه ومن ذلك البصر سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين” ونظير هذا قوله جل من قائل (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله). والحافظ في الحقيقة هو الله يقول جل من قائل (فالله خير حافظا) ويقول (قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمان) ثم يقول جل من قائل “) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ” إنها دعوة من الله لعباده كي يتدبروا في أصل خلقهم فان في ذلك ما يجعلهم لا يطغون ولا يغفلون ولا يتكبرون ولا يتسلطون على الضعفاء ولا يعيثون في الأرض فسادا ولا يخلدون إلى الدنيا الفانية الزائلة. “مما خلق”؟ استفهام أي من أي شيء خلق فكل إنسان في أصل خلقته هو من ذلك الماء الدافق أي المني والدفق الصب يصل إلى الرحم وهو المتدفق بقوة وهو ماءان ماء الرجل وماء المرأة يلتقيان فينشأ الكائن البشري الإنسان بإذن الله يخرج هذا الماء من بين الصلب أي الظهر والترائب أي الصدر والصلب للرجل والترائب للمرأة فتبارك الله أحسن الخالقين هذا خلق الله للإنسان خلق واحد لا يتغير ولا يتبدل من آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو أحسن الخالقين اللهم إلا ما كان من قبيل المعجزة كخلق آدم من تراب وخلق عيسى من أم بدون أب وأمر الله إذا أراد شيئا أن يكون إنما يقول له (كن فيكون). ولقد لفتت هذه الآية وإضرابها في القرآن أنظار أهل الذكر من الأطباء والعلماء المحللين إلى هذه الحقيقة العلمية وذلك مظهر من مظاهر الإعجاز العلمي للقرآن الكريم. هذا الإعجاز الذي كان السبب في التسليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نبي مرسل من عند الله والتسليم بان القرآن الكريم الذي جاء به يستحيل أن يكون كلام بشر بل هو كلام الله في اعتراف من طرف علماء أعلام في مختلف الاختصاصات العلمية الدقيقة أدلوا بهذه الشهادات في محافل علمية كبرى وضمنوا هذه الشهادات في تقارير قدموها للأكاديميات الطبية والعلمية في الشرق والغرب وصدق الله العظيم القائل في كتابه العزيز (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق). يقول جل من قائل (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ) وهو على رجع هذا الماء الذي منه خلق الإنسان لقادر، انه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، أليس هو خالق كل شيء؟ خالق هذا الماء الخارج من بين الصلب والترائب انه قادر على رد الإنسان ماء كما كان، وقادر على رد الإنسان من الكبر إلى الشباب، وقيل قادر على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج. وقال ابن عباس وقتادة والحسن وعكرمة أيضا انه على رد الإنسان بعد الموت لقادر. (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) تمتحن وتختبر وتظهر ما فيها مما هو مستور وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (ائتمن الله تعالى خلقه على أربع: على الصلاة والصوم والزكاة والغسل وهي السرائر التي يختبرها الله عز وجل يوم القيامة). وقال ابن عمر رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من حافظ عليها فهو ولي الله حقا ومن إختانهن فهو عدو الله حقا الصلاة والصوم والغسل من الجنابة). وذكر الماوردي عن زيد بن اسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الأمانة ثلاث: الصلاة والصوم والجنابة استأمن الله عز وجل ابن آدم على الصلاة فان شاء قال صليت ولم يصل استأمن الله عز وجل ابن آدم على الصوم فان شاء قال صمت ولم يصم استأمن الله عز وجل ابن آدم على الجنابة فان شاء قال اغتسلت ولم يغتسل اقرؤوا أن شئتم (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ). وقال ابن عمر: يبدي الله يوم القيامة كل سر خفي فيكون زينا في الوجوه وشينا في الوجوه والله عالم بكل شيء. (فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ) ما للإنسان من قوة، فهو ضعيف اليوم وهو يوم القيامة اضعف لا حول ولا طول له لا ينفعه ماله ولا بنوه إذ لكل امرئ شأن يغنيه وما للإنسان يوم القيامة ناصر يقف إلى جانبه، وقيل القوة العشيرة والناصر الحليف. ثم يقول جل من قائل (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا) السَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ذات المطر ترجع السماء بالمطر كل عام وقيل الرجع نبات الربيع وقيل ذات الرجع ذات النفع وقيل الشمس والقمر والنجوم يرجعن في السماء تطلع من ناحية وتغيب من ناحية وقيل الصدع الشق والأرض ذات النبات وذات الحرث انه قسم من الله العظيم (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) الجواب هو الآتي (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) فالقرآن يفصل بين الحق والباطل عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كتاب الله فيه خبر من قبلكم وحكم من بعدكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله). (مَا هُوَ بِالْهَزْلِ ) ليس في القرآن الباطل أو اللعب (ِنَّهُمْ) أي الكفار من أعداء الله (يَكِيدُونَ كَيْدًا) أي يمكرون برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (وَأَكِيدُ كَيْدًا) أرد كيدهم وقيل كيد الله استدراجهم من حيث لا يعلمون. (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) مهلهم أخرهم ولا تسال الله لهم تعجيل الهلاك واصبر لما يدبرون فإنهم لن يفلتوا من عذاب الله وشديد عقابه (رُوَيْدًا) أي قريبا. عن ابن عباس وعن قتادة قليلا والتقدير كما يقول القرطبي: أمهلهم إمهالا قليلا ويجوز أن يكون أمهلهم غير مستعجل لهم العذاب.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.