في رحاب القرآن:تفسير سورة “الشمس”

في رحاب القرآن:تفسير سورة “الشمس”


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال تعالى: “وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15”صدق الله العظيم سورة الشمس مكية وهي كمثيلاتها تبدأ بالقسم، والقسم في هذه السورة يبدأ بالشمس وهي آية من آيات الله الباهرة الدالة على قدرته التي لا حدّ لها فالشمس في مكان من الأرض التي تعيش على أديمها الكائنات في أمن وسلام وطمأنينة لا هي بالبعيدة ولا هي بالقريبة لو ابتعدت عن الأرض لجمدت الكائنات الحية ولو اقتربت من الأرض لاحترقت الكائنات الحية فسبحان الله الذي وضعها في هذا الموضع الذي يتجلى فيه التسخير والعناية الإلهية بكل الكائنات الحية وفي طليعتها الإنسان الظلوم الجهول الكفور بنعم الله عليه ولكن الله الغفور الرحيم اللطيف الحليم يمهل هذا الإنسان ولا يعجل له بالعقاب ويجعل من نعم الله عليه تتوالى لعله يتذكر وينيب قبل أن يقف بين يدي ربه للحساب في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون. إن الله تبارك وتعالى لا يقسم إلا بعظيم فالشمس وضحاها وضوؤها وإشراقها والتلازم واضح جلي بين الشمس والضحى فلا ضحى إلا بإشراق الشمس ويترتب عن الضحى ظهور كل شيء فيبدو كل مبصر ولا يخفى بعد ذلك أي شيء مما وهب الله عباده وما بثه لهم في الأرض. (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا) والقمر آية من آيات الله والقمر إذا تبع الشمس وقد يكون بمعنى والقمر إذا استدار فكان مثل الشمس في الضياء والنور (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا) أي كشفها فالنهار يجلّي الظلمة (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) أي يغشى الشمس فيذهب ضوؤها بسقوطها فينتشر الظلام (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا) أي والسماء بنيناها أي الله سبحانه وتعالى (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) أي بسطها ليطيب فيها العيش ويتنعم فيها الإنسان بما وهبه الله وانعم عليه مما لا يمكن عده ولا حصره (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا) أي والنفس ومن سواها والله خالقها ومنشؤها من العدم بقوله: كن. وكل هذه الأسماء (والشمس... والقمر... والنهار... والليل... والسماء... والأرض... ونفس...) كلها مجرورة على القسم فقد أقسم الله بكل هذه المخلوقات العظيمة وهذه الآيات الدالة على قدرته وفي ذلك لفت للأنظار والاهتمام للذين يتفكرون ويتدبرون ممن لا يمرون على آيات الله عميانا (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) فهؤلاء سيحشرهم ربهم يوم القيامة عميانا يقول جلّ من قائل على لسان احدهم (قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى). (فألهمها فجورها وتقواها) لقد عرف الله لأنفس عباده طريق الفجور والتقوى وحملها مسؤولية اختيارها ولا يظلم ربك أحدا. روي عن أبي هريرة قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم “فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا” قال: (اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها) (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) هنا يأتي جواب القسم، هذا القسم الطويل العريض، مفلح فائز وناج من عذاب الله الشديد وسينال من ربه الجزاء الأوفر والأوفى من زكى نفسه وطهرها بالطاعات المبنية على إيمان عميق، وخائب مفلس هالك من دسّ نفسه بالمعصية والوقوع فيما يغضب الله من الفواحش والموبقات، والتحذير هنا لأولئك الذين كفروا بالله ونبيه ورسوله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش وتشمل وتعم سواهم ممن يأتي صنيعهم في كل زمان وفي كل مكان تماما كما جاء في ما تبع هذه الآيات مما قصه الله لعباده في كتابه. قوله تعالى: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا) إن ما جاء في كتاب الله العزيز من قصص وأخبار هو للعبرة والموعظة، فالناس هم الناس في كل الأزمنة وفي كل الأمكنة فيهم المؤمن المطيع وفيهم الكافر الجحود وحكم الله لا يتغير ولا يتبدل من آمن بالله وأطاع أوامره وامتثل له واجتنب ما نهى الله فهو السعيد وهو الفائز وهو الناجي وهو من ينتظره من ربه الجزاء الأوفى والأوفر، ومن كفر وطغى وافسد وظلم نفسه وظلم الناس ووقع في الموبقات المهلكات فلن يفلت من عذاب ربه الشديد الذي قد يعجل به في الدنيا ولعذاب الآخرة أشدّ. فطغيان ثمود وتكذيبها لنبي الله صالح عليه السلام وقيام أشقى قوم ثمود بعقر الناقة وهو بحق أشقى خلق الله اغتر بجبروته وقوته، وقد حذّر نبي الله صالح عليه السلام ودعا ثمود إلى ترك ناقة الله حيث قال على لسانه جل من قائل (هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم) الآية 73 سورة الأعراف وهذه الناقة أخرجها الله لهم جعلها آية ودليلا على قدرته لعل ذلك يقنعهم بوحدانيته وبصدق ما يدعوهم إليه أنبياء الله ورسله (وبالنسبة لثمود هو سيدنا صالح) لقد أمرهم بعد أن أخرج الله لهم الناقة من الصخرة (وتلك معجزة وفيها خرق للعادة والله على كل شيء قدير) جعل لهم شرب يوم من البئر ولها شرب يوم، وهو ما لم يقبلوه ولم يمتثلوا له. (فَعَقَرُوهَا) عقر أشقاهم الناقة وقد أقره على هذا الفعل الشنيع صغيرهم وكبيرهم وذكورهم وإناثهم فاستحقوا جميعا أن يدمدم عليه ربهم ويهلكهم جزاء ذنبهم العظيم وكفرهم وتكذيبهم لنبيهم، وسوّى الله بهم الأرض فأصبحوا أثرا بعد عين وكذلك عذاب الله وحربه فإنها لا تبقي ولا تذر. (وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا) حاشا لربّك جلّ وعلا أن يخاف ردّ فعل فهو القويّ الذي لا يغلب وهو الذي لا يسأل عما يفعل نسأل الله السلامة.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.