تفسير آيات من القرآن الكريم (سورة المزمل) للشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله

تفسير آيات من القرآن الكريم (سورة المزمل) للشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله


يقول الله تبارك وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

(إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم ان لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم ان سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله ان الله غفور رحيم)

صدق الله العظيم

         لقد ألمحنا في مفتتح هذه السورة الى ان مسألة قيام الليل التي فرضها الله سبحانه وتعالى بقوله (يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا) الى آخر الايات، كانت مسألة موقوتة لان الصحابة رضي الله عنهم لم تستطع أجسامهم أن تقوى على تحمل قيام الليل بنفس الطاقة التي كان يستطيعها الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قلنا أن أرجلهم تورمت وشكا البعض منهم ضعفه الى الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد نحو السنة نزل الشطر الثاني من السورة الذي يبدأ بالآيات انى كنا نقرأها وفيه نزل التخفيف على المسلمين الذي تقتضيه أوقاتهم وأبدانهم وظروفهم والذي تقتضيه ايضا الحكمة الالهية العميقة الاغوار تلك الحكمة التي قد نعمد الى انزال التكليف الشاق مؤقتا لتمحص المؤمنين بالله ولتثبت قلوبهم وترسخ ايمانهم ونظير هذا وقع في مسألة الجهاد فقد الزم المولى سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بادئ الأمر في ان يثبت الواحد منهم أمام العشرة ولا يوليهم الادبار (ان يكون منهم عشرون صابرون يغلب مائتين) ثم ان المولى رأفة بعباده المؤمنين ابدل الحكم فجعل الثبات واجبا امام الضعفين فقط الا اذا بلغ عدد المسلمين اثني عشر الفا فما فوق فانه يحرم عليهم الفرار الا متحرفين لقتال أو متحيزين الى فئة ولقد أدى معنى التخفيف هذا قوله سبحانه وتعالى (الان خفف الله عنكم وعلم ان فيكم ضعفا) الى اخر الاية ومثل هذا يلمح في آياتنا هذه اذا قد أصبح بها قيام الليل امرا تطوعيا بالنسة للمسلمين يخضع لظروفهم وامكانياتهم وأوقاتهم أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد بقي الى ان التحق بربه يقوم من ليله الثلث فما فوق وليس بدعا ان نقول هذا في حقه صلى الله عليه وسلم لأنه كان يقوم الليل كله فهو اما قائم بجسده أو قائم بقلبه يديم التفكر والنظر لان قلبه صلى الله عليه وسلم لا ينام ولله در البوصيري حيث قال في ميميته المشهورة

                   لا تنكر الوحي من رؤياه ان له           قلبا اذا نامت العينان لم ينم

         ويقول في همزيته:

         سيد ضحكة التبسم والمشي              الهوينا ونومه الاغفاء

         وان رأفة الله سبحانه وتعالى بالمؤمنين تشملهم من كل ناحية ولذلك نراه يرضى بقيام ما تيسر من الليل في عبادة حسية او في عبادة تأملية او في قراءة ما تيسر من القرآن (الله يقدر الليل والنهار علم ان لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن) وهذه القراءة التي عنتها الاية هنا انما هي قراءة التعبد والتهجد التي جاءت تعويضا عن قيام الليل وتخفيفا عن المؤمنين وليست قراءة التعليم التي هي حتمية على كل مسلم يريد ان يفهم حقيقة دينه ويتأدب بآداب كتابه المبين ذلك الكتاب الذي هو عماد الاسلام والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي لن يضل المسلمون ما دام يتلى بين ظهرانيهم ويترنم به في نواديهم والذي لا يفهم أسراره ولا ينطق بألفاظه نطقا صحيحا الا من تعلمه ويمر سياق الايات موضحا للمسلمين ظروفهم التي يعيشون عليها والتي استوجبت هذا التخفيف فيقول (علم ان سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله واخرون يقاتلون في سبيل الله فاقراوا ما تيسر منه واقيموا الصلاة واتوا الزكاة) نعم جاء الاسلام لرفع المستوى المادي والمستوى المعنوي للانسان جاء ليسمو بروحه ويؤهله الى الحياة الكريمة فمن المسلمين ضعاف أقعدهم المرض عن كثير من الواجبات ومنهم المشمرون عن سواعدهم الذين يضربون في أرض الله الواسعة يغترفون من خيراته لهم وللأمة جمعاء يقول الرب الاعلى فاقرؤوا ما تيسر منه واقيموا الصلاة واتوا الزكاة) يصل التخفيف الى ما يصل وتبلغ الرحمة الى ما تبلغ فانهما لا يتساهلان في الاركان الاساسية للاسلام هذه الاركان التي لا بد منها لتزكية النفس وتطهير المكاسب ونشر الاخاء والرحمة فلا بد من الايمان الوطيد ولا بد من الصلاة الخاشعة ولا بد من الصوم المطهر ولا بد من الزكاة المحببة والمباركة ولا بد من الحج لمشاهدة المنافع ولذكر الله في أيام معلومات وبدون هذه الاركان ينهد الكيان وينهار أما ما زاد عليها من اعمال التطوع والبر فهو خير وسوف يجازى الله سبحانه وتعالى عنه باضعافه مما هو خير منه وأبقى والى كل هذه المعاني يشير الله تعالى بقوله

(وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله ان الله غفور رحيم)

صدق الله العظيم



الكلمات الشائعة

 

الشيخ الحبيب المستاوي

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.