الأَخْلَاقُ فِي الإِسْلَام
( الأَخْلَاق ): حِسِيَّة أو مَعْنَوِيَّة، تَعْنِي ( الأَفْعَال وَالأَقْوَال ) الصَّادِرَة عنْ عَبْدِ رَبِّه، حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ سَيِّئَة. فَمَنْ رُزِقَ ( الصِّنْفَ الأَوَّل ) فَهُوَ ذُو حَظٍّ عَظِيم؛ وَمَنْ رُزِقَ ( الصِّنْفَ الثَّانِي ) فَهُوَ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِين، وَهَالِكٌ لا مَحَالَة، عِيَاذًا بِاللهِ رَبِّ العَالَمِين. وَ( الأَخْلَاقُ ) سِمَةٌ بَارِزَةٌ فِي الإِنْسَان، وَعُنْوَانٌ كَاشِفٌ عَلَى شَخْصِيَتِه: بِهَا يُرْفَع أَوْ يُوضَع، وبِهَا يُكْرَم وَيُحْتَرَم، أَوْ يُهَان. والبَشَرِيَّةُ في عُصُورِها الخَالِيَة، كَانَتْ عَلَى سَنَنِ الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالإِسْلَام: ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّم، آتَاهَا أَخْلَاقًا رَاقِيَة، وَقُدْوَةً صَالِحَةً بَاقِيَة، تَمَثَّلَتْ فِي القرآنِ العَظِيم: كِتَابُ اللهِ الخَالِد، والأَثَرُ البَاقِي في القَارَّاتِ الخَمْس؛ وبعْثَةِ مُحَمَّد ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ): خَاتَمِ النَّبِيِّين وَإِمَامِ المُرْسَلِين؛ فَتَبَدَّلَتِ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْض، وَتَحَوَّلَتْ مُعَامَلَاتُ البَشَر مِنْ قَسْوَة الحَجَر، حِينَ تَجَلَّى فِيهِم إِيمَانٌ رَاسِخ، وتَحَلَّى الغَالِبِيَّةُ العُظْمَى بِالفَضَائِل والشَّمَائِل؛ حَتَّى صَارُوا مِنْ « عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِين ». قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهَم الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ إلى آخر الآيات. (سورة الفرقان) و( الأَخْلَاقُ ) الكَرِيمَةُ مِنْحَةٌ مِنَ الخَالِقِ جَلَّ جَلَالُهُ، جُبِلَ عَلَيْهَا رَسُولُه مُحَمَّد ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) بَادِئَ ذِي بَدْء، وَهُوَ الّذِي وَصَفَهُ بِقَوْلِه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكَمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ﴾. (سورة الأحزاب) ثُمَّ صَحَابَتُهُ الكِرَام رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وأَرْضَاهُم، فَكَانُوا ( الأَنْمُوذَجَ ) الأَوَّلَ في الاهْتِدَاء، و ( المَثَلَ ) الأَوْحَدَ في الاقْتِدَاء، حَتَّى أَصْبَحُوا كَنُجُوم السَّمَاء في اللَّيْلَةِ الظلماء. قال جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) يصف حالَه وحال الصحابة، كيف كانت أخلاقهم في الجاهلية وبعدها: « كنّا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيء الجوار، ويأكل القويُّ منا الضعيف، فكنّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منّا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه. فدعانا إلى الله – عزّ وجلّ – لِنُوَحِّده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان؛ وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصِلَة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء؛ ونهانا عن الفواحش، وشهادة الزور، وأكل مال اليتيم، وقذْف المُحْصَنَة؛ وأمرنا أن نعبد الله، لا نشرك به شيئًا، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة». أَمَّا التَّابِعُونَ لَهُمْ بِالرِّضَا والرِّضْوَان، فَغَدَوْا أَهْلًا لِلاصْطِفَاء، وَمِرْآةَ الصَّفَاء، تَعْكِسُ خِصَالَهُم البَارَّة، وَخِلَالَهُم السَّارَّة، في عُقُولِ ونُفُوسِ مَنْ جَاءَ أَوْ يَجِيءُ مِنْ أَجْيَال القُرُون اللَّاحِقَة: ﴿ وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾. (سورة الحشر) ثمَّ اِقْتَفَى أَثَرَهُم مَدَى الدَّهر: العُلَمَاءُ الرَّاسِخُون.. والدُّعَاةُ المُخْلِصُون.. والأَوْلِيَاءُ الصَّادِقُون.. فَتَحَلَّوْا بِأَخْلَاقِهِم وَسُلُوكِهِم؛ كَاٌَ نَهَضُوا إِلَى نَشْرِ مَكَارِمِهِم، والتّعْريف بِمَحَاسِنِهم، وَرَحِمَ اللهُ القَائِل : إِنْ كُنْتَ تَرْغَبُ فِي شَأْوِ الكِرامِ فَسِرْ في النَّاسِ بِالفَضْلِ والدِّينِ الّذِي شَرَعُوا