قصة المولد لسماحة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : مولد الرسول صلى الله عليه وسلم

قصة المولد لسماحة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور : مولد الرسول صلى الله عليه وسلم


لا خلاف في أن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد في يوم الاثنين كما في صحيح مسلم. والمشهور انه ولد في اليوم الثاني عشر منه ، وأنه ولد عند الفجر وذلك من عام الفيل، وهو العام الذي دخل فيه جيش الحبشة مكة. فكان يوم المولد لخمسين أو خمسة وخمسين يوما من يوم دخول الفيل مكة، ويوافق يوم المولد اليوم العشرين من إبريل سنة إحدى وسبعين وخمسمائة من ميلاد المسيح. قيل كان ذلك عند طلوع منزلة الغفر من منازل القمر، وكان عند دخول الشمس في برج الحمل وهو أول البروج الربيعية. وقبلته الشفاء بكسر الشين وفتح الفاء مخففة، وهي بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة، قيل هي أم عبد الرحمان بن عوف.وكان موضع ولادته الذي لا اختلاف فيه بين أهل مكة بدار أبيه عبد الله، وهي عند الصفا في شعب بني عامر، الذي سمى بعد ذلك سوق الليل وقد كانت تلك الدار مسكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة إقامته بمكة قبل الهجرة. ولما هاجر احتازها عقيل بن أبي طالب، ثم باعها ولده من محمد بن يوسف الثقفي، فأدخلها في داره التي تعرف بالبيضاء. ولما حجت الخيزران زوج المهدي اشترتها، وفصلت الدار التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلتها مسجدا ، وأشرعت بابه الى الزقاق المعروف بزقاق المولد. وبنى السلطان محمد خان العثماني الثالث لذلك المسجد قبة ومئذنة في سنة 1009. وقد رأيت أن هذه الدار التي تسمى دار التبابعة (I) ولم أقف على وجه هذه التسمية. نشأته صلى الله عليه وسلم كفله جده عبد المطلب وسماه محمد. فقيل لعبد المطلب لم سميته باسم ليس لأحد من آبائك (I) القاموس في تبع قال: لأني أرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم. والصحيح أنه ختن يوم سابع ولادته، وأولهم لذلك عبد المطلب فنحر جزورا، ودعا رجالا من قريش فطعموا. وقد روى في بعض الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد مختونا، ورجح المحققون خلافه وأنه ولد كاملا. وأرضعته أمه ثم أرضعته معها ثوبية الأسلمية جارية عمه أبي لهب، وكان من عادة أهل مكة أن يسترضعوا أبنائهم في البادية لأن مكة كانت وخيمة، فيحبون أن ييفع أبنائهم في البادية. ولأن ذلك أجلد لأجسامهم، وأفصح لألسنتهم، فالتمست لمحمد صلى الله عليه وسلم المراضع. وردت نسوة من بني سعد بن بكر من هوازن قرب مكة حذو حنين جئن يلتمسن الرضعاء، فأخذته حليمة بنت أبي ذؤيب. وكان معها زوجها الحارث بن عبد العزى وابن لها مرضع اسمه عبد الله. وما وضعت رضيعها المبارك حتى رأت بوارق اليمن في ذاتها من حولها، فلما شعر بذلك زوجها قال لها: » تعلمي يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة « قال السهيلي: ذكر غير واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقبل من حليمة إلا أحد ثديها، فإذا عرضت عليه الثدي الأخر يأباه،كأنه قد ألهم أن معه شريكا في لبنها. فكان مفطورا على العدل مجلوبا على جميل المشاركة والفضل، وأرجعته مرضعته إلى أمه وهو ابن خمس سنين وشهر ، ولما بلغ ست سنين وكسرا توفي عبد المطلب فكفله عمه أبو طالب. وقد يفع عليه الصلاة والسلام على أجمل الصفات كان لا يشبهه خلقه خلق الصبيان فمن ذلك أنه كان إذ قرب إليه مع الصبيان تصبيحهم، وهو طعام الصباح، اختلس بقية الصبيان منه ، ويكف هو وعن أم أيمن حاضنته أنها قالت: ما رأيته يشكوا جوعا أو عطشا، لا صغيرا ولا كبيرا، وكان يكثر أن ينام ليلته دون أن يتعشى، وكذلك شأنه حين يشب وحسبنا حكاية لحاله هذه كلمتان: إحداهما ما رواه أبو الفضل في الشفاء، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين، كل تنيك يحول الله بيني وبين ما أريد، من ذلك قلت ليلة لغلام كان يرعى معه، لو أبصرت لي غنمي حتى أرحل إلى مكة فأسمر بها كما يسمر الشباب، فخرجت لذلك حتى جئت أول دار في مكة، سمعت عزفا بالدفوف والمزامير لعرس بعضهم، فجلست أنظر فضرب على آذني فنمت، فما أيقظتني إلا مس الشمس، فرجعت ولم أقض شيئا. ثم عراني مرة أخرى مثل ذلك، ثم لم أهم بعد ذلك بسوء. الثانية قول النضر بن الحارث لقريش » قد كان محمد فيكم غلاما حدثا، أرضلكم فيكم ، وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة، فلما رأيتم الشيب في صدغيه قلتم ساحرا، وقلتم شاعرا، وقلتم مجنونا والله ما هو بأولئكم « . ولما بلغ صلى الله الله عليه وسلم أربع عشرة سنة ثارت حرب الفجار، بين قريش ومن معهم من كنانة وبين قيس عيلان. لأن القتال في شهر الحرام من الفجور. فكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع أعمامه بني هاشم ينبل عليهم، أي يلتقط لهم النبال التي يرميهم بهم أعدائهم ليرموهم بها. وثبت أنه كان راكبا فرسا وأنه رمى بسهم. ولم يزل محمد صلى الله عليه وسلم يزداد على السن خيرا. وتتقدم به سوابق الهمم إلى الفضائل سيرا، فعرف في فتوته بصدق الحديث، وكرم الأخلاق والوفاء والأمانة ، والإعراض عن السفا سف. والإقبال على الجد. فلما بلغ خمسا وعشرين سنة من عمره بلغ خديجة بنت خويلد ما اشتهر به الأمانة، وكانت امراة ذات مال، وكانت تقارض رجالا من قريش يتجرون لها على من الربح تجعله لهم، فرامت أن تقارضه، وأرسلت إليه بذلك ليخرج إلى الشام في تجارة كانت الشام متجر قريش في رحلة الصيف، فخرج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الشام في تجارتها ومعه ميسرة غلام خديجة. وبعد قفوله من رحلته هذه توج خديجة رضى الله عنها. وعمره خمس وعشرون سنة، وكانت خديجة أيما توفي زوجها أبو هالة التميمي حليف بني عبد الدار من قريش. وغلب عليه لقب الأمين قريش وربما لقبوه بالمأومون ولما بلغ خمسا وثلاثين سنة تهدمت الكعبة فشرع قريش في بنائها، وكان سيدنا محمد يومئذ معهم فكان ينقل الحجارة فقال له عمه العباس: اجعل إزارك حمل الحجارة ، فلما رفع إزاره خر مغشيا عليه، فقال له عمه العباس لا حرج عليك شد عليك إزارك. ولما ارتفع بناء ركن الكعبة موضع الحجر الأسود وأرادوا وضع الحجر موضعه، وتنافسوا في الفوز بهذه المنقبة، وبلغ بهم لا التنازع إلى أن هموا بالقتال فقال لهم أبو أمية بن المغيرة المخزومي- وكان أنهم يومئذ- اجعلوا بينكم فيما تختلفون أول داخل من باب بني شيبة، فكان رسول الله عليه وسلم أول داخل منه فقالوا : هذا محمد ، هذا الأمين رضيناه. فحكموه، فقال: هلم إلى ثوبا، فأتوه بثوب، فاخذ الحجر فوضعه فيه، ثم قال لتأخذ كل قبيل، اى كل سيد لها بناحية من الثوب ، ثم أرفعوه جمعا، فلما رفعوه أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ووضعه في موضعه المعروف من جدار البيت، وبنى هنالك. فكانت صرفة قريش عن المنافسة في واضع الحجر في موضعه معجزة خفية لرسول الله صلى عليه وسلم، جعله الله حجة له، إذ كان هو ثاني من وضع الحجر في موضعه بعد أن وضعه إبراهيم عليه السلام. واللهم الله سبحانه سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم إلهاما صادقا، الى أن يجاوز كل سنة شهرا فحبب إليه الخلاء. فكان يخرج إلى غار في جبل حراء، وهو على ثلاثة أميال من مكة، يجاوز به كل سنة ) الاعتكاف أى خلوة للعبادة، فكان يتحنث به، والتحنث التعبد ويقال التحنف بالفاء، والظن أن الله تعالى ألهمه ما يتعبد به مما كان من دين إبراهيم، مثل النظر في دلائل الوحدانية، والسجود لله تعالى، والصيام والذكر، وما الله أعلم به منا. وثبت أنه كان في تلك المدة يطعم المساكين. ولم أر من ضبط عد السنين التي دام فيها على ذلك الجوار(.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.