القائد عبد الله عبعاب المغادر برصيد كبير من البذل والعطاء على الصعيدين الوطني والعربي
غادرنا الى دار البقاء يوم الخميس 19 فيفري 2015 القائد عبد الله عبعاب رحمه الله وأسكنه فراديس جنانه بعد عمر مديد كان مليئا بالبذل والعطاء في مختلف المجالات العسكرية والمدنية والاجتماعية والسياسية هو أصيل مدينة بن قردان المتاخمة للحدود التونسية الليبية في منطقة عُرفت بأصالتها وعراقتها وتمسكها الشديد بشخصيتها العربية الاسلامية وقد انعكس ذلك على شخصية عبد الله عبعاب رحمه الله التي تفاعلت مع محنة الأمة العربية الاسلامية المتمثلة في اغتصاب فلسطين من طرف الصهيونية وسقوطها بأيدي الاسرائليين مما حرك في أنفس الجيل الذي انتمى اليه عبد الله عبعاب الغيرة والحمية فكان من المتطوعين لإرجاع هذا الحق المغتصب في فلسطين ورحل منذ ذلك الزمن المبكر الى بلاد الشرق العربي ولما لم يتحقق له ولمن تطوع مثله من الشباب العربي ما من أجله غادروا الأهل والأوطان لم يعد عبد الله عبعاب رحمه الله الى تونس بل واصل الرحلة الى بغداد عاصمة العراق التي كانت مقصد طلبة العلم من كل البلدان العربية وهناك التحق بالكلية الحربية وكانت تونس لا تزال تحت ربقة الاستعمار الفرنسي وساعده التكوين العسكري على أن ينخرط في معركة التحرير بالخصوص في منطقة الجنوب التونسي التي منها ينحدر وفي ربوعها نشأ الأمر الذي هيأ له خبرة تميز بها عن سواه وكانت الحركة التحريرية في أمس الحاجة الى إضافة عبد الله عبعاب رحمه الله الميدانية والعسكرية في الجنوبين الغربي والشرقي في قفصة ورمادة التي قاد فيها معركة أبلى فيها البلاء الحسن وكان محل احترام وتقدير القيادة العسكرية والسياسية ومضى بعد الاستقلال في هذا الدرب يرتقي فيه درجة بعد درجة الى ان انتقل الى الحياة المدنية التي انخرط فيها بنفس الحيوية والحركية والانضباط والروح الوطنية فمارس عديد الأنشطة الحزبية والبلدية من ذلك ترؤسه لبلدية مرناق لدورات عديدة وعضويته للجنة المركزية ثم عضوية مجلس النواب لدورات متلاحقة عن دائرة بن عروس وكان رحمه الله في كل المسؤوليات التي تولاها قريبا من الناس مثالا للتواضع والخلق الكريم لا يكاد يذكر له أحد إساءة معنوية أو مادية، سعى الى فعل الخير والمساعدة عليه قدر طاقته ولم يتأخر عن الوقوف بجانب كل من استعان به لذلك احترمه الجميع، نأى بنفسه عن الدخول في الصراعات والنزاعات الفردية لذلك احترمه الجميع وكان واسطة للخير وإصلاح ذات البين • عرفت القائد عبد الله عبعاب رحمه الله وأسكنه فراديس جنانه عندما دخلت معترك الحياة وكان ذلك في جهة بن عروس فكان بالنسبة لي أخا أكبر وأبا عطوفا وكان يشفق علي شديد الإشفاق ولكنه ما كان يثنيني عن رأي صريح أبديه أو موقف أتخذه ولا يزيد عن ان يذكّر من كان يكون معنا في الجلسة بسيرة ومواقف الشيخ الوالد الحبيب المستاوي رحمه الله الذي عرفه من قرب وخبر صلابته وجرأته وكان يروي لنا كما يفعل الكثيرون مثله ما شهده مؤتمر المنستير الأول (1971) من مواقف جريئة وشجاعة وأصيلة قد تكون سابقة لأوانها للشيخ الوالد رحمه الله (وتلك صفحة من حياة الشيخ لم تأخذ بعد حقها من الدراسة والبحث) • تزاملت مع القائد عبد الله عبعاب في عضوية اللجنة المركزية ومجلس النواب عن دائرة بن عروس فكانت العلاقة بيننا وطيدة وتعددت اللقاءات بيننا في منزله بمرناق حيث ظل يجمعنا لسنوات طويلة على مآدب كانت مضرب المثل في الكرم والجود وزارنا في بيت الوالد بضاحية مقرين عديد المرات مع أصدقاء له وللوالد رحمهم الله وأسكنهم فراديس جنانه أذكر منهم الحاج الشاذلي بورقيبة والحاج قاسم بورقيبة رحمه الله والحاج الهادي الجاني رحمه الله وغيرهم من أهل الفضل والإحسان الذين كانوا يتعاونون عليه ابتغاء الأجر والثواب • كان القائد عبد الله عبعاب رحمه الله خزينة معطيات ومعلومات ذات صلة بالحياة الوطنية وكانت له مواقف شجاعة في عديد القضايا سواء كان ذلك أثناء خوض بلادنا لمعركة التحرير أو بعد نيلها الاستقلال وبناء الدولة في مختلف مراحلها وكانت للقائد عبد الله عبعاب رحمه الله شبكة علاقات واسعة جدا مع كل الأجيال التي تعاقبت على تحمل المسؤوليات ورغم علمي بمحاولاته تدوين مذكراته ولكنني على يقين أن الذي ذهب مع عبد الله عبعاب رحمه الله كثير جدا ومفيد جدا !! فعسى أن يقوم من عرفوه وعاشروه وزاملوه ببعض الواجب نحوه ونحو التاريخ التونسي الحديث، رحم الله عبد الله عبعاب رحمة واسعة وأسكنه فراديس جنانه وإنا لله وإليه راجعون