خطبة جمعية(1): الحب في الله ألقاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي بالحامع الكبير بمقرين العليا

خطبة جمعية(1): الحب في الله ألقاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي بالحامع الكبير بمقرين العليا


الحمد لله الذي شرفنا برسالة الإسلام وبعث فينا سيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العلام أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أدى الأمانة وبلغ الرسالة ولقي ربه كريما مصانا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين. أما بعد أيها المسلمون، نأتي اليوم على الجزء الثالث من الحديث النبوي الشريف الذي بدأناه والذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: ان يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره ان يقذف في النار) *أن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار ما أعظمه من تشبيه أتى به صلى الله عليه وسلم ليُمحّص به إسلام المرء فعلى المسلم إذا أراد أن يتذوق حلاوة الإيمان: أن يعتقد أن الله أخرجه بالايمان من الظلام إلى النور، من المشقة إلى الراحة ومن العسر والاصر والأغلال إلى الراحة والتيسير. فلقد أراد لنا ربنا سبحانه وتعالى هذا الدين رحمة ونورا وراحة فقال جل من قائل (كنتم خير أمة أخرجت للناس) بهذا الدين الحنيف وبهذا التشريف العظيم الذي نال أمة العرب وكل من يقبل على دعوة لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نعمة جليلة لا يدرك معناها وقيمتها إلا من انار الله بصيرتهم وعرفهم بنعمه الكثيرة فقبل مجيء الإسلام كان الناس وحوشا ضارية وسوائم عاتية تاتي على الأخضر واليابس لا تستحي وتصنع ما تشاء فجاء الإسلام وأخرجها من ظلماتها وشركها وكفرها وعرفها ببارئها وخالقها عرفها بمنشئها من عدم المنعم الأوحد سبحانه وتعالى جاء الإسلام وكل الأديان من قبله لتركيز هذه الحقيقة في القلوب وإعادة التوازن إلى الأنفس البشرية عرفها بخالقها سبحانه الكريم الجواد الرحيم الغفور من يتجاوز عن السيئات ويغفر الزلات ويقيل العثرات ويقضي الحاجات ويكفي المؤمن شر الكائنات. وبعد إن يعرفه بربه يأمره الإسلام بأوامر وينهاه عن أشياء في الإتيان بما يأمر المولى إصلاح الحال وفي الانتهاء عما ينهى نجاح الأعمال في هذه الدار وفي الدار الآخرة جاء الإسلام ليركز هذه الحقائق وليعطي لحياة الانسان قيمة ويحدد لها هدفا. كانت الدنيا قبل مجيئه لعبا ولهوا وتفاخرا واعتداءا وظلما ومظالم فجعلها معبرا للآخرة التي يحاسب فيها الانسان عن كل أعماله وأقواله عن كل حركاته وسكناته وبذلك يلتزم الجد في حياته الدنيا ويزن أقواله وأعماله بموازين دقيقة وصدق ربنا حين قال (أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) نعم كل شيء بقدر والكل يجري بمشيئة رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور الذي يعلم ما كان وما يكون سبحانه وتعالى ولكن هذه الدنيا وان كانت معبرا فيجب ان نعيش فيها تحت لواء الإيمان وبمباركة ورعاية رب السماء سبحانه وتعالى لذلك فان الرسالة الإسلامية على خلاف الرسالات السابقة لم تأت لتزهد الناس في الدنيا ولا لتميتهم قبل موتهم الحقيقي فيختل بذلك التوازن وتنعدم الوسطية التي أرادها الإسلام وجعلها ميزة هذه الأمة حين قال (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) صدق الله العظيم جاء الإسلام لينظم حياة الناس وفق منهج رباني سام يقول للمسلم (لا رهبانية في الإسلام) وليقول له (المسلم القوي خير من المسلم الضعيف) وهكذا أقبلت الأنفس الطاهرة والفطر النقية على الإسلام وعرفت انه الشفاء لكل عللهما وأمراضهما فارتوت أرواحهما الضامئة من معين الإسلام الطاهر وأقبلت على الإسلام بلهف وشغف وأدركت العقول ان في هذا الدين النجاة والفلاح. في هذا الدين، في اتباعه والسير على نهجه القويم الصلاح والفلاح التقدم والازدهار والعزة والغلبة وقبل كل ذلك الإحراز على رضوان الله سبحانه وتعالى وفي الشعور برضوانه سبحانه وتعالى طمأنينة تسكن سويداء القلب فتقضي على الهواجس والاضطرابات والأمراض. إن الإيمان بالله بلسم وشفاء لكل الأمراض النفسية، علاج لكل الأمراض والمؤمن بالله يتغلب بايمانه على كل انواع الهواجس والمشاكل وكيف لا يتحقق له ذلك وهو يستشعر انه بين يدي ربه سبحانه وتعالى بارئه ومصوره فإليه يلجأ ويحتمي ولجنابه ينتسب ومن يطلب تحقيق رغباته وغاياته مع اليقين انه سبحانه وتعالى لا يرد عبدا ناداه وقال يا رباه. والمؤمن بالله لا يحزن إذا حزن الناس ولا يخاف إذا خاف الناس بل ولا يضطرب إذا اضطرب الناس لأنه متوكل على الله معتمد عليه (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) إن المؤمن يستشعر دائما حتى في لحظات الشدة ان نصر الله قريب وان عونه لا يحرم منه أو ييأس منه مؤمن صادق بل هو آت لا محالة (إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) إن المؤمن الحقيقي يستشعر دائما انه في كنف الله وفي رعايته فما من شوكة يشاكها أو لطمة يلطمها أو كلمة يسمعها في سبيل الله إلا وله بها أجر ويكفر بها عنه سيئات وزلات حتى يغادر هذه الدنيا وهو أبيض الصفحات مغفور الزلات كثير الحسنات والقربات إن المؤمن الحقيقي يستشعر في كل حين انه في نعم الله وكرمه يتقلب فهو الذي أنشأه من عدم ورعاه وهو لا يزال في بطن أمه ثم أنزله إلى هذا العالم وهو لا يكاد لا يفقه شيئا وعلمه ما لم يكن يعلم ثم أنقذه برسله من الشرك والكفر والضلال وجعله من أمة خير ولد عدنان عليه الصلاة والسلام ثم سيدخله إن شاء الله الجنة دار السلام. أليس هذا هو الخير كله؟ وصدق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام حين قال (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد غيره إذا أعطي شكر فله أجر وإذا منع وأصيب صبر فله بذلك أجر )فقط على المؤمن إن يخلص النية والعبودية لرب البرية ولقد ذكرنا من أعلى هذا المنبر المرار العديدة ان من كرم ربنا سبحانه وتعالى ومن ألطافه الظاهرة والخفية ورعايته وكرمه على هذه الأمة أن جعل من كل جوانب حياتها عبادة إذا نوت بذلك العبادة وذلك هو معنى قوله تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ولا تتحقق هذه العبودية إلا باستشعار مراقبة المولى لحركاتنا وسكانتنا، لأقوالنا وأفعالنا فنبتعد عن الازدواجية المقيتة التي أصبحت تميز حياتنا مع الأسف الشديد !! إن المؤمن الحقيقي ينوي بكل أعماله وأقواله العبادة لله سبحانه وتعالى فلا يقول إلا حقا وصدقا ولا يعمل إلا خيرا ونفعا ولا يكون إلا معول بناء وتشييد. وهكذا فهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام وعاشوه: أقوالا وأفعالا وتصرفات ولم يعتبروا الإسلام مصيبة حلت بهم بل نعمة أكرمهم ربهم بها وأدخلهم فيها واجتباهم لها فأقبلوا على الإسلام وصدق إسلامهم وحسن ولم يبغوا عنه بديلا لأنهم وجدوا فيه كل خير، وجدوا فيه فلاحهم وعزتهم ونجاتهم وقوتهم في الدنيا وفوزهم يوم الفزع الأكبر فتحملوا في سبيل المحافظة على عقيدتهم الأذى وصبروا وصابروا وتحملوا كل ذلك بايمان واحتساب لله رب العالمين. فكان بلال يعذب بالحديد والنار وهو يقول أحد أحد أحد، كان وهو يردد هذه الكلمات القلائل يشعر بحلاوة لا تماثلها حلاوة حلاوة الإيمان فتحمل من أجلها كل أذى ظاهري وكل نصب وتعب بدني وقبل أن يموت على الإيمان على ان يعيش عيشة ذل وكفر وردة وقبله استشهد آل ياسر الذين كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر بهم صباحا مساء مرددا قوله ( صبرا آل ياسر موعدكم الجنة) ولا شك أنهم وأرواحهم تغادر هذه الدار رأت مقاماتها العالية في جنان الخلد حيث لا عذاب ولا نصب، حيث الجزاء الأوفى والنعيم المقيم ففضلوا رضي الله عنهم ان يبقوا على الإيمان إلى آخر لحظة من حياتهم لاعتقادهم أنهم على المحجة البيضاء والحقيقة التي لا تقبل الجدل والأخذ والرد فلا يساومون ولا يدهنون ولا ينافقون بل يبقى الواحد منهم على مبدئه لأنه آمن به فقال قائلهم وهو يقدم للصلب ولست أبالي حين أقتل مسلما **** على أي جنب كان في الله مصرعي نعم بهذه الروح قال الآخر الحمد لله ان لم يأتني أجلي **** حتى اكتسبت من الإسلام سربالا نعم إنها نعمة الإسلام نعمة لا توازيها أي نعمة فالحمد لله على نعمة الإسلام لقد أخرجنا ربنا بالإسلام من الظلمات إلى النور ومن جور الأديان وتشديدها إلى عدل الإسلام وسهولته ويسره تشرفنا بهذه الرسالة التي ما جعل لنا فيها من حرج ولم يكلفنا فيها ما لا طاقة لنا به وأكمل لنا ربنا ديننا واتم علينا نعمته ورضي لنا الإسلام دينا أفلا نرضاه نحن دينا لنا ومنهجا نعيش وفق تعاليمه ومبادئه إذا أدركنا عباد الله المسلمين هذه النعمة حق الإدراك ولم نضيعها ولم نخلف الميعاد فإننا سننال رضوان ربنا وكرمه وإحسانه. وأما إذا تولينا وأعرضنا عن نهجه واستبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير فإن الله متم ولا شك نوره ومبلغ كلمته ولو كره الكافرون وصدق الله العظيم (و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) فعلينا عباد الله ان لا نرضى بغير الإسلام الحنيف بديلا ولا عديلا ولنشبث به ولنتحمل من أجله ومن أجل طريقه ومنهجه غير مبالين بكل أذى يلحقنا في سبيله. وبذلك نكتب في عداد المجاهدين الذين كتب عليهم ربهم ان يكونوا حماة للحق جنودا للدين يدفعون عنه الغوائل والمصائب ويقبلون الموت بل ويفضلون الاستشهاد على حياة الذل والكفر والمهانة إذ لا حياة حقيقية إلا في ظل الإيمان برسالة الإسلام وكل حياة سواها الموت والقذف في النار أهون على المؤمن منها وصدق ربنا حين قال (ألم أحسب الناس أن يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون) نعم إن ثمن الإيمان ان يتحمل المسلم كل أذى ويصبر ويصابر فله الأجر ومن قبله عذب وشرد وقتل الأنبياء صفوة خلق الله عليهم الصلاة والسلام. وهكذا عباد الله المسلمين ندرك ان المؤمن الحقيقي الذي يتذوق حلاوة الإيمان يكره ان يعود إلى الكفر كما يكره إن يقذف في النار هذا وخير ما يختم به الكلام كلام مولانا العزيز العلام أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) صدق الله العظيم



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.