هذا هو الإسلام فما هي الطريقة المثلى للتعريف بحقائقه؟

هذا هو الإسلام فما هي الطريقة المثلى للتعريف بحقائقه؟


يتعرض الإسلام والمسلمون لحملات مسعورة يلاحظ فيها الخلط ويقوم العديد من العلماء وحملة الأقلام بجهود مكثفة الهدف من ورائها ان يقدّموا الإسلام على حقيقته: دين رحمة ورفق ودين سلام و أمن ووئام ودين تعاون وتكامل وتحاور ودين الإنسانية في أعمق وأوسع معانيها. تأتي هذه الجهود في إطار الردّ على الحملات المسعورة التي تشنّ على الإسلام والمسلمين بكل اللغات وبكل الوسائل المكتوبة والمسموعة والمرئية. وقد أذكى هذه الحملات ما جدّ في الفترة الأخيرة من أحداث داخل العالم الإسلامي وخارجه الأمر الذي استند عليه بعض المفكرين والساسة لإظهار الإسلام والمسلمين في مظهر الشبح المخيف و الخطر الداهم الذي سيأتي على الأخضر واليابس. ويكاد المتابع لهذه الحملات المسعورة يخيّل إليه ان الصدام حتمي ولا مفرّ منه في حين ان حقيقة الإسلام والمسلمين الذين يخشى منه ومنهم ليست كما يصورّون. ان قدر علماء الإسلام في هذا العصر هو أن يبذلوا مجهودا ضافيا متميزا ينفذ إلى الجوهر ويعرض عن المظاهر والشكليات، يتسلّح بالحكمة والموضوعية والعقلانية والبساطة والتيسير وهي كلها يقرّها الإسلام بل يدعو إلى توخيها من اجل الإقناع بحقائقه الناصعة الجلية. وللحقيقة التاريخية نذكر بأن بداية هذا المجهود المتمثل في التعريف بالإسلام ونفي الشبهات عنه انطلقت منذ أواخر القرن التاسع عشر في بواكير اليقظة وكان لها فرسانها في المشرق والمغرب وكان منهم العلماء والمفكرون والمصلحون والزعماء السياسيون، وكان منهم شيوخ الزيتونة والقرويين والأزهر وغيرها من الهيئات العلمية والدينية على امتداد العالم الإسلامي، إذ أنشئت النوادي والجمعيات وأصدرت المجلات والصحف، وكان الغالب عليها التعريف بخصائص الإسلام ومميزاته ونفي الشبهات عته، هذه الشبهات التي ألصقها به غير المسلمين من المستشرقين الحاقدين ورددها بعض تلاميذهم من أبناء المسلمين. وتكاد تتطابق شبهات اليوم بشبهات الأمس اللهم إلا في الشيء القليل الذي يمليه مفعول التطورّ الزمني وهذا لا يعني ان الخلف ليس عليهم سوى ان يكرروا أعمال أسلافهم في الرد على الشبهات التي ألصقت سابقا ظلما وبهتانا بالإسلام والمسلمين بل لا بدّ من الإضافة ولابدّ من الاستفادة من كل ما يستجد -في ما يتعلق بالشبهات أو الحجج- من تقدّم العلوم والمعارف وتطوّر المجتمع الإنساني مما يقوي من حجة المسلمين فلا نزال والحمد لله نرى من أمر الإسلام العجب العجاب وصدق الله العظيم الذي يقول في كتابه العزيز “سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم انه الحق” فالإسلام هو الحق لأنه منزل من عند الحق سبحانه وتعالى، انه الدين الكامل الذي رضيه الله لعباده وأكمله لهم ولن تزيد الأيام حقائقه إلا نصاعة وإشراقا وإشعاعا. لقد برعت في مجال التعريف بالإسلام أقلام عديدة وصدرت على امتداد القرن المنقضي كتب ومجلات لها من عناوينها نصيب من مثل جوهر الإسلام، ونور الإسلام، والوجه الحقيقي للإسلام، وروح الدين الإسلامي، وماذا خسر العالم بإنحطاط المسلمين؟ وحقائق الإسلام وأباطيل خصومه، ولماذا تأخر المسلمون وتقدّم غيرها؟ ورسالة التوحيد، وشبهات حول الإسلام، وغيرها كثير جدا واغلبه مع الأسف مكتوب باللغة العربية والمفروض ان تعمّ الفائدة منها الناطقين باللغات الأخرى من المسلمين وغير المسلمين الذين هم في الغالب المستهدف بهذه الشبهات والأكاذيب والافتراءات التي تلصق بالإسلام والمسلمين. ان المرحلة الحالية التي يعيشها المسلمون أشد حاجة إلى استئناف العطاء في مثل هذا الصنف من الكتابات والكتب والإصدارات ليس فقط باللغة العربية بل بكل اللغات العالمية الحية، وليس فقط في مجال المكتوب بل لا بدّ من تجاوزه إلى المسموع والمرئي والإعلامية والانترنات، فلا بدّ من إحداث المزيد من المواقع التي يمكن الدخول إليها والاطلاع على ما فيها من مادة علمية إسلامية موضوعية ورصينة، فذلك هو سلاح العصر الذي ينبغي علينا ان نستعمله لنعرّف بديننا وحضارتنا ونردّ على هجمات وشبهات الحاقدين على الإسلام الذين لا يمرّ يوم إلا ويصدرون كتابا بل كتبا وملفات وأعدادا خاصة في كبريات المجلات والجرائد والذين تحركهم بعض الأحداث والمواقف التي تصدر عن بعض المسلمين ممن ليسوا من أهل الذكر والإختصاص والذين لا تمثل تصرفاتهم إلا انعكاسا لظروف وملابسات عاشوها فانعكست على ما صدر عنهم. وإني لأذكر ان من الأسباب التي دفعت الشيخ الوالد الحبيب المستاوي رحمه الله إلى إصدار مجلة “جوهر الإسلام” سنة 1968 وتخصيص قسم منها باللغة الفرنسية هو ما لا حظه وانتهى إليه من الحاجة الماسة إلى بيان حقائق الإسلام وإزالة الشبهات ودحضها وتقديمه صافيا جميلا متكاملا ميسرا مبشرا جامعا غير مفرّق، فقد علق في أذهان غير المسلمين: ان الإسلام دين تخلف وتزمت وتعصب وتكاسل وخمول وفرقة وعصبية وتنازع ودين جمود ودماء ودموع وقتل وظلم وعدوان الأمر الذي يوجب سرعة التحرّك الميداني من قبل حملة الأقلام من العلماء والمفكرين كي يزيلوا كل هذه الشبهات ويقيموا الحجة والبرهان على ان الإسلام على العكس من ذلك هو دين السبيل لكل خير عاجل وآجل للإنسان، دين تتطابق فيه المصلحة مع الشرع فحيثما وجدت المصلحة فثمّ شرع الله والتف حول الشيخ الوالد رحمه الله صفوة من خيرة علماء تونس وعلماء العالم الإسلامي فانبروا يحبّرون المقالات ويكتبون الدراسات التي لا هدف لها إلا التعريف بالإسلام على حقيقته وكما انزله الله على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم وكما جسّمه في حيز الواقع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام الذين هم خير القرون. والذي يعود إلى افتتاحيات “جوهر الإسلام” التي جمعناها بعد وفاة الشيخ رحمه الله في كتاب يحمل عنوان “من وحي الإسلام” ونسأل الله ان ييسر سبيل إخراجه مترجما إلى الفرنسية في أقرب الآجال يجدها قد احتوت على تقديم رائع وجميل جدا للإسلام: دين السماحة والتيسير، دين الوسطية والاعتدال، دين التآخي والتحابب دين المدنية والتقدّم. وليست هذه الافتتاحيات إلا عيّنة للمنهج الذي كتب به تفسيره للقرآن الكريم الذي بثت اغلبه الإذاعة الوطنية لمدة تجاوزت عشر سنوات وكذلك أحاديثه الصباحية وما كان يلقيه من محاضرات ومسامرات على منابر اللجان الثقافية وفروع الجمعيات القرآنية والمنظمات الوطنية على طول البلاد وعرضها. فقد كان رحمه الله حريصا على تجلية حقائق الإسلام وتقديمه على الوجه الذي يرغب ولا يرهب ويحبّب ولا يكره وقد نجح في ذلك أيما نجاح بشهادة كل من تتلمذوا عليه وتلقوا على يديه سواء كان ذلك في فروع الزيتونة بتطاوين ومدنين وقفصة وقابس أو كان ذلك في الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين أو الأكاديمية العسكرية أو في المؤتمرات والندوات والملتقيات في تونس وخارجها (بالجزائر والمغرب وليبيا ومصر والمملكة العربية السعودية وفرنسا...) لقد كان الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله نموذجا للوطني الصادق والعالم العامل والداعية الناجح الذي يتطابق لديه القول بالفعل والمظهر بالمخبر لذلك كان حبيبا للناس جميعا. ومن باب توارد الخواطر وبالعودة إلى مجلدات مجلة “جوهر الإسلام” عثرنا للشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله على مقال يحمل عنوان: “هذا هو الإسلام” نشر في المجلد الأول سنة 1968 وهو نفس العنوان الذي اختاره الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر لسلسلة من المقالات نشرتها له تباعا جريدة “الأهرام”. كما ان (هذا هو الإسلام) كان موضوع ندوة دولية عقدت بالقاهرة في رحاب الأزهر الشريف حضرها عدد كبير من علماء المسلمين كان الغرض منها التوصل إلى منهج قويم يعرّف بالإسلام على حقيقته فسبحان الله الذي يختص بفضله و فتحه من يشاء. وتعميما للفائدة نورد هذا الفصل تحية لروح الشيخ رحمه الله. هذا هو الإسلام فأين منه من ينتسبون إليه؟ : يقول الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله: الإسلام عقيدة ونظام وعمل فلا خطّ يفصل بين الدين والدنيا، ولا بين الدين والدولة، ولا بين الإيمان والحياة العملية. *هو عقيدة حية “دافعة” نحو الحق بضمير يقظ وسعي دائب وقلب مفعم بالإيمان. وليست العقيدة الإسلامية مجرد تأملات ميتافيزيقية ولكنها حافز على درس الظواهر الطبيعية وسننها كدلائل على قدرة الخلاق ودعوة متجددة إلى العلم التجريبي يضفي على عبادة الله أسمى المعاني. وليس من باب الصدفة ان نجد من أركان العلم الطبيعي في العصور الذهبية للثقافة الإسلامية من هم من مشاهير المفسرين والفقهاء وأن نجد علماء الطبيعة من أشدّ الناس إيمانا بالله. *وهو نظام ضبط تصرفات الجماعات ورعي المصالح الكلية وقوانين العلاقات والمعاهدات الدولية وسن المبادئ العامة للتكافل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بما أحكم من بناء الأسرة وبما شرّع للفقراء والعجز والمرضى وبما وفر من ضمانات وبما سنّ من تشريعات تحول دون الاستغلال والاحتكار وسوء التصرف وبما دعا إليه من اتحاد وتضامن وتضحية في سبيل نصرة الحق والدفاع عن سلامة الدين والأمة. وناهيك بنظام صمد أمام قوى الشر حتى انتصر وأسس دولة عظيمة امتد سلطانها حتى انتشرت من ربوعها حضارة إنسانية راسخة. *وهو جعل من عبادة الله منطلقا للجهاد الأكبر في قوة عزم وعلّو همة واستقامة سلوك بل جعل العبادة كل علم أو عمل يرفع شأن الإنسان ويستفيد من ثمراته الفرد والمجتمع والإنسانية قاطبة. انه عمل يستمد طاقاته من ينابيع العقيدة ويسير في دروب الحياة المشرقة بنور الإيمان. وهكذا جمع الإسلام بين المادة والروح وبين الفكر والعاطفة وبين السياسة والتشريع في اتزان بديع و تناسق عجيب ثم هو مع هذا كله عنى عناية فائقة بمقاومة الشر والفساد في نطاق الفرد والجماعة إذ جعل من قواعده الأساسية تقديم درء المفسدة على جلب المصلحة وجعل من المفسدة والشر ما يمارسه الإنسان من أعمال شخصية تضربه في جسده أو في عقله أو في ماله أو في عرضه وليس من حقه ان يقول هذا مالي أو بدني أو عقلي لا يشاركني في شيء منها احد لأنه جزء من هيكل عام يعطله عطب اصغر دولاب منه فلا يبيح له الإسلام ان يبذر ماله أو يظلم به أحدا بل ان الإسلام يعتبره مذنبا إذ أحسّ بغير إحساس الجماعة أو حمل في قلبه غلاّ أو حسدا أو نفاقا لم تظهر آثارها للخارج. هذا هو الإسلام فأين منه من ينتسبون إليه؟ * سؤال وجيه ما أحوجنا ان نعيد طرحه على أنفسنا المرة تلو المرة. فعسى ان يكون في هذه الكلمات النابعة من صميم قلب مخلص رجل لدينه وأمته ما يدفع حملة الأقلام وعلماء الإسلام كي يتجندوا من اجل مزيد التعريف بحقيقة الإسلام والرّد بالحجة والبرهان على ما يلصق به من شبهات وافتراءات فإن هذا العمل يرتقي اليوم إلى درجة الفرض الواجب على كل مسلم قادر على القيام به.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.