هدي الإسلام في تجسيم قيم الأمن والسلام بين بني الإنسان

هدي الإسلام في تجسيم قيم الأمن والسلام بين بني الإنسان


  المحتويات   المسلم داعية سلام الإسلام لا يبرر التسلط والإكراه بالإيمان يندفع المؤمن لتجسيم (...) التحامل على الإسلام والمسلمين (...) السبيل الأقوم لمعالجة قضايا (...) لا يزال التقارب والتعايش والتعاون بين المجتمعات والشعوب والأمم التي تتكون منها المجموعة البشرية دون المستوى المطلوب. وما دامت الحروب والنزاعات تندلع ومادامت الخلافات قائمة ولا تحل في اغلب الأحيان بالوفاق والحسنى فان المخاطر التي تتهدد الجميع ستستمر وسيظل ركب التمدن والتقدم في مختلف الميادين يعتري مسيرته التعثر والتقهقر. ولا نقصد مما قلناه بث القنوط واليأس ولا التعبير عن الإحباط وإنما التشخيص للواقع الذي نحن فيه جميعا على مختلف أجناسنا وألواننا ولغاتنا وأدياننا. ذلك انه إذا سميت الأمور بمسمياتها يتعرف على مواطن الخلل وأسبابه ويتحمل كل طرف مسؤولياته. ورغم بروز العديد من المبادرات في شكل هياكل ومنظمات وندوات ومؤتمرات من اجل إرساء قواعد للتعاون والتكامل لمواجهة المصاعب والأتعاب والمخاطر التي تتهدد البشرية جمعاء فان النتائج مثلما قلنا آنفا هي دون المستوى المطلوب ودون الرهانات التي حددت. ومثلما نشطت الدول والحكومات في هذا الميدان فكذلك كانت للأفراد مساهمات تذكر فتشكر فقد حمل لواء الدفاع عن القيم الإنسانية الخالدة وتجسيمها في حيز الواقع المعيش مفكرون وفلاسفة وأدباء وشعراء وفنانون فضلا عن كبار الساسة والقادة وخاطب هؤلاء من خلال إبداعاتهم الضمير الإنساني ودعوه بإلحاح إلى اليقظة والاحتراس من المخاطر المحدقة بالإنسان في ذاته وكيانه وحياته وفي مستقبله. المسلمون أول من يتجاوب مع دعوات الأمن والسلام والتعاون وكان المسلمون –وهم يمثلون ثقلا بشريا وماديا لا يستهان به- في طليعة المتجاوبين مع النداءات والمبادرات المتخذة في السنوات الأخيرة من اجل نشر السلم والأمن والوئام والتعاون والتكامل بين بني الإنسان وليس ذلك لأنهم الأكثر تعرضا للمظالم والتعديات على شعوبهم وبلدانهم وممتلكاتهم ولكن أيضا وقبل ذلك لتأصل هذه القيم الخالدة وتجذرها فيهم فهم أتباع دين سماوي خالد وخاتم للرسالات قال الله تبارك وتعالى في حق النبي الذي شرفه بتبليغه للناس أجمعين: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). إن دين المسلمين ملزمون بأن يكونوا منحازين ايجابيا إلى الحق والخير والعدل والإنصاف، إن المسلم المؤمن له من إسمه نصيب وبينهما تطابق.  المسلم داعية سلام: فالسلام والإسلام والمسلم كلمات بينها اشتراك في الحروف المكونة، والسلام في دين الإسلام اسم من أسماء الذات الإلهية، والسلام تحية المسلمين فيما بينهم تستحب البداية بها عند اللقاء، وخير المسلمين من يبدأ صاحبه بالسلام، ورد السلام واجب على المسلم. ولهذه الكلمة: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) وقع لا يتصور عمق أبعاده في جبر الخواطر وإطفاء نيران الأحقاد وإحلال المحبة والتآخي محلها وبذلك اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: [أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم قالوا: بلى افشوا السلام بينكم]. والسلام هو اسم من أسماء الجنة التي هي مبتغى المسلم ومطلبه لذلك أمر المسلم بأن يدعو بالدعاء المأثور: [اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا بالسلام وأدخلنا الجنة دار السلام] فحياة المسلم لا يمكن أن يكون إلا سلاما. ولا يكون المسلم مسلما إلا إذا سلم الناس من لسانه ويده يقول عليه الصلاة والسلام: [المسلم من سلم الناس من لسانه ويده]. والمسلم مدعو إلى أن يدخل مع غيره في السلم [ادخلوا في السلم كافة] وكل ما من شأنه أن ينشر السلام ويعززه لا يتأخر المسلم في دعمه والمساهمة الايجابية فيه. وعكس السلام وهي الحرب والقتال لا يبررهما الإسلام ابتداء وعدوانا وإنما يبررهما دفاعا عن النفس وعن المستضعفين من النساء والشيوخ والأطفال وتصد لمن يحولون دون بلوغ دين الله للناس أجمعين وتلك هي خاصية الفتوحات الإسلامية إنها ليست بالحروب المقدسة ولا الغزوات والحملات الاستعمارية المريقة للدماء والمزهقة للأنفس البشرية والمنتهكة للأعراض والمفتكة لخيرات الغير.  الإسلام لا يبرر التسلط والإكراه: وكيف يتسلط المسلمون على غيرهم من الأمم والشعوب ودينهم يحرم عليهم الظلم والغدر والخيانة والغش وإلحاق الأذى بأي كائن حي. نعم إن دين الإسلام يأمر المسلمين بتبليغ دينهم لكل الناس ولكنه يحرم عليهم الإكراه والتسلط فآيات للقرآن التي تؤكد ذلك عديدة ولن نملّ ترديدها والتذكير بها حتى لا ينحرف عنها وعن هديها القويم جهلا وتعصبا المسلمون وحتى لا تذهب بعيدا في التحامل على الإسلام والمسلمين بعض الدوائر التي لا نعتقد إنها تجهل أن تصرفات بعض المسلمين لا يمكن أن تكون حجة على الإسلام المحفوظ في أصليه الثابتين القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة يقول جل من قائل (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ) ويقول: (انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) ويقول: (لكم دينكم ولي دين) والرسول عليه الصلاة والسلام هو منذر ومبشر وهو ليس بالمسيطر أو المتسلط. وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم راد ومردود عليه ولا يمكن أن يكون حجة على الإسلام وعلى الأمة الإسلامية وأول من يستنكر صنيع من ينحرف عن هدي الإسلام هي أصول الإسلام الواضحة المحكمة الصريحة ثم أمة الإسلام جمعاء وفي طليعتها علماؤها وأهل الذكر لا تأخذهم في ذلك لومة لائم. ولم يبلغنا في يوم من الأيام من عالم عارف انحيازا إلى ما يمكن أن يخل بالسلام من قول أو فعل أو أدنى تصرف والشاذ دائما يحفظ ولا يقاس عليه والحق دائما هو ما كان محل إجماع وقد عصم الله امة محمد إذا أجمعت أن تقع في الخطأ أو عكس الأمر الحسن حيث قال عليه الصلاة والسلام: [لا تجتمع أمتي على ضلالة] وقال: [ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن]. وقد أجمعت أمة الإسلام على أن السلام هو الحق وأن السلام هو الحسن لأجل ذلك فان المسلمين لا يمكن إلا أن يكونوا دعاة سلام مجسمين لهذه القيمة النبيلة بكل ما أوتوا أولا فيما بينهم ثم فيما بينهم وبين غيرهم من الأمم والشعوب.  بالإيمان يندفع المؤمن لتجسيم الأمن: وبين كلمات الإيمان والمؤمن والأمن أكثر من حرف تشترك فيه ولهذا فان مقياس قوة إيمان المؤمن إنما يتجلى في مقدار شعور من يحيطون به ويتعايش معهم بالأمان والاطمئنان إليه. وهو لا يكون مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وهو لا يكون مؤمنا حقا إذا جمع في قلبه بين الإيمان وكراهية الآخرين وإضمار الشر لهم. ولا يكون مؤمنا حقا إذا لم يأمن من يحيط به ممن أجوار وغيرهم بوائقه وشروره. ولا يكون مؤمنا حقا إذا لم يكترث بما يجري حوله ولا يتحرك له ساكن إذا ما أصيب غيره بمكروه وفي هذا السياق يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم [لا يكون أحدكم مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه] ويقول [من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منا] ويقول: [لا يؤمن بي من بات شبعانا وجاره إلى جانبه جائع] ويقول: [من غش فليس منا] ويقول: (لا يؤمن بي من لا يأمن جاره بوائقه) إلى غير ذلك من النصوص العامة والخاصة المتضافرة في سبيل تجسيم قيم السلام والأمن والتعايش والتعاون والتحابب بين المسلمين خصوصا وبين بني الإنسان عموما.  التحامل على الإسلام والمسلمين غير مبرر ولا داعي له: إن هذا الرصيد الزاخر الذي لم نذكر إلا بعضه وهذه السمات الواضحة التي لم نبين إلا بعض معالمها هي مع بعضها خير مدافع عن الإسلام والمسلمين وهي خير دافع للافتراءات والأباطيل والترهات التي يلقي بها هنا وهناك أدعياء الفكر والثقافة وحملة الأقلام والإعلاميين من ذلك إلصاق صفة الإرهاب والتطرف بالإسلام والمسلمين وإصدار الأعداد الخاصة في ذلك للمجلات والصحف وتخصيص الملفات الإذاعية والتلفزية للتشنيع بالإسلام والمسلمين انطلاقا من بعض اللقطات بالصوت وبالصورة يختارونها بدهاء ومكر لتزيد القراء والمستمعين والمشاهدين كراهية وحقدا على الإسلام والمسلمين وتظهرهم في مظهر الخطر القادم الذي سيأتي على الأخضر واليابس وسيقضي على كل المعالم والمكاسب العلمية والمادية والحضارية!!. فأين هي الموضوعية والعقلانية والتجرد؟ وأين هي النية الصادقة للوصول إلى تطويق يشترك فيه الجميع للظواهر الشاذة والمنحرفة؟ فهذه الظواهر لا يمكن إن نقصر فيها الاتهام على الإسلام والمسلمين فهناك اليوم في كل المجتمعات: شمالا وجنوبا وشرقا وغربا: بين المسلمين وبين المسيحيين، وبين اليهود وحتى بين اللادينيين دعوات متطرفة متعصبة متزمتة عنصرية تتخذ الإرهاب والقتل والتصفية الجسدية سبيلا لبلوغ مآربها وغاياتها الدنيئة. والموضوعية تقتضي تعميم الأحكام وعدم التبرير والسكوت على طرف والتشنيع بطرف آخر واتخاذ ذلك تعلة للتحريض والتحامل على دين وأمة وحضارة يشهد التاريخ والواقع أنها اقرب ما يكون إلى الكمال المنشود والمدن الفاضلة التي حلم بها كبار الفلاسفة والمفكرين.  السبيل الأقوم لمعالجة قضايا السلم والأمن: إن السبيل الأقوم والمنهج الأرشد في معالجة قضايا السلم والأمن في العالم الذي أصبح قرية كونية لا تحد بين إحيائها وشوارعها وأزقتها حدود هو في صدق النوايا وإخلاصها وحسن الظن والتطابق بين الشعارات والنداءات والتصريحات والبيانات من جهة وبين الواقع والممارسات الفعلية من جهة أخرى. وسبيل ذلك ينبغي أن يبرز في برامج مرحلية مضبوطة لتحديد المخاطر والوقوف جماعيا في وجهها ثم التعاون لاستئصال أسباب هذه المخاطر والتي هي الفقر والمرض والأمية فهذه الأدواء الثلاثة ستبقى البؤر التي يجد فيها دعاة التعصب والتطرف المرتع الخصب والمبرر الذي يتعللون به. والاتفاق اليوم حاصل بين الجميع بان الأسباب الرئيسية للتوترات والحروب والأزمات إنما تعود في أصلها إلى هذه الأدواء الثلاثة: الفقر والمرض والأمية وما لم يعجل: دوليا وإقليميا ومحليا ووطنيا في وضع البرامج القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى للقضاء بصفة نهائية على هذا الثلاثي الخبيث فان السلم والأمن والتعاون بين شعوب الكرة الأرضية ستظل مهددة. والحكمة تقتضي، وحسن النية تفرض على كل المجتمعات والبلدان إلى وضع خطة عملية لتحقيق الأمن والاستقرار والتقدم والرقي ينبغي مباركة تمشيها ومساعدتها على انجاز خطتها على الأقل بالتفهم لأوضاعها. والتسليم بأن أهل مكة أدرى بشعابها وعدم إرباك مسيرتها بمشاكل جانبية مفتعلة وما لم يعم الإدراك بالمخاطر جميع الأطراف شمالا وجنوبا فانه لا مأمن ولا حصانة مضمونة لأي كان.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.