من توجيهات الإسلام في إصلاح الفرد والمجتمع (الحلقة العشرون): سعى الإسلام لتركيز فضيلة الحياء والاحتشام

من توجيهات الإسلام في إصلاح الفرد والمجتمع (الحلقة العشرون): سعى الإسلام لتركيز فضيلة الحياء والاحتشام


يقول الله تبارك وتعال بعد أعوذ بالله من الشيطان الرحيم بسم الله الرحمان الرحيم: “يا أيها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين اناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث أن ذلكم كان يؤذى النبي فيستحى منكم والله لا يستحى من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسالهون من وراء حجاب ذلكم اطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما أن تبدوا شيئا أوتخفوه فان الله كان بكل شئ عليما” ( 53-54 الأحزاب) صدق الله العظيم. الحياء والاحتشام من خلق الإسلام وهديه، اعتنى يهما غاية العناية وحض عليهما المسلمين ذكورا وإناثا. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوإليهما بفعله وسلوكه قبل أمره وقوله. ولا عجب ولا غرابة في الأمر فقد كان يتحلى عليه الصلاة والسلام يتحلى بمكارم الأخلاق وفضائل الأعمال، لقد بلغ عليه الصلاة والسلام من ذلك درجة لا يطمع أن يدركها ويصل إليها مخلوق من بعده كما لم يبلغها احد من قبله. وحق لنبينا ورسولنا الكريم أن يستقر في هذا المقام الشامخ وهو الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه وبراه من كل عيب ثم بعثه في الناس مرشدا وإماما وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه الكرام ما سجد للرحمن ساجد . فكتاب السير سواء مسلمين أو غير مسلمين ورواة التاريخ يذكرون بإجلال ما كان عليه نبينا وحبيبنا سيدنا محمد من مكارم الأخلاق لقد حاز قصب السبق في حلبة التنافس. وإذا نحن تعرضنا إلى موضوع الحياء والاحتشام فلا يجوز لنا أن ننطلق من غير سيرته التي أوردتها الكتب الصحاح فقد كان عليه الصلاة والسلام اشد حياء من العذراء في خدرها، يرى اثر الاحتشام على وجهه الكريم. ولقد كان الحياء خلق أفاضل الناس وأشرافهم وهوشعور داخلي قوى يمنع صاحبه من أن يرتكب مخالفة معروفا وخلقا تعارف عليه الناس وألفوه. فالحيي المحتشم هو الذي يحرص على أن لا تراه الأعين متلبسا بمنكر أو دني من الأخلاق الذميمة . فالحيي المحتشم لا يصخب ولا يعبث ولا يصدر عنه كل ما لا يليق نحو الأفراد أو نحو الجماعات أو نحو الأقارب أو الأباعد أو نحو الضعاف أو الأقوياء نحو العجائز أو الأطفال نحو الذكور أو الإناث. إن الحيي المحتشم هو الذي يحترم مشاعر الناس وعاداتهم الحسنة وأخلاقهم الكريمة وأعرافهم العتيدة، الحيي المحتشم هو الذي يحرص على الوقار والهيبة والرصانة في قوله وفعله ، في مشيه وسائر تصرفاته في مأكله وملبسه والحيي المحتشم هو الذي يتمثل فيه اصدق تمثل قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم “المسلم من سلم الناس من يده ولسانه” يسلمون في أنفسهم وفي أموالهم وفي أعراضهم وأخلاقهم . لا عجب ولا غرابة أن يعتبر الإسلام الحياء والاحتشام من علامات الإيمان وأركانه فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهويعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “دعه فان الحياء من الإيمان” رواه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجه. فهذا الرجل من الأنصار ينصح أخاه بترك الحياء والاحتشام كان فيهما منقصة يذم عليها الإنسان فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له اتركه على خلقه ، اتركه على حيائه واحتشامه فان الحياء من الإيمان، من علاماته وأركانه وشروطه أن الحياء ضد الوقاحة والغلظة والفجور والفحش وهي أخلاق ذميمة وأعمال مكروهة حذر الله ورسوله منها واعتبرها مهلكة حالقة أكلة للحسنات والطاعات كما تأكل النار الحطب. فلا يمكن للمسلم أن يكون متصفا بها أومتحليا بها. على العكس من ذلك فان المسلم هين لين حليم كريم عفو، المسلم ليس بالسباب ولا اللعان ولا الفاحش، إن المسلم من عباد الرحمان وعباد الرحمان إذا مروا بالغو مروا كراما، وعباد الرحمان يدفعون بالتي هي احسن وحتى إذا مشوا على الأرض فأنهم يمشون عليها هونا ، الرفق سمتهم والحلم خصلتهم وحتى أصواتهم فإنهم لا يرفعونها أكثر من الحاجة والضرورة لأنهم سمعوا قول ربهم “إن أنكر الأصوات لصوت الحمير” لا يختالون ولا يتعالون ولا يتكبرون ولا يصعرون خدودهم للناس من فعل كل ذلك والتزم به في حله وترحاله كان حييا محتشما. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال “الحياء لا يأتي إلا بخير” البخاري ومسلم . وكيف لا يكون كذلك وهولا يجلب لصاحبه إلا التقدير واحترام الناس، القريب والبعيد منهم، من يعرفه ومن لا يعرفه. لقد كان الحياء والاحتشام دائما ومهما قل المتصفون به صفة يحمد عليها صاحبها ويصبح بها مضرب المثل في مكارم الأخلاق. والمؤمن الحيي المحتشم يفرض احترامه على كل من يلاقيه ويخالطه أويشاركه أويجاوره أويعمل معه أويستعمله ومهما جلب لأصحابه من بعض السفهاء من التهكم والسخرية والاستهزاء بدعوى انه نفس مؤمنة!! ، كما يقال مسكين!!، ولكن هؤلاء أنفسهم في قرارة أنفسهم لا يملكون إلا احترامه والإعجاب به والثناء عليه لأنه الزم نفسه بما لم يستطيعوه واقدرها على ما لم يقدروا عليه . إن الإيمان درجات ، بضع وسبعون درجة أوبضع وستون درجة أفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان" البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وابن ماجة. إن جزاء الحيي في الآخرة أعظم إن مأواه الجنة فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار” رواه احمد. فهذه بشرى للحيي المحتشم من الرسول صلى الله عليه وسلم بسكنى الجنة يتبعه تحذير ووعيد لمن يخالف الحياء والاحتشام فيكون بذيئا فيه جفاء بدخول النار والعياذ بالله. وإن استحقاقه دخول النار لهوعين العدل والإنصاف لأنه جانب الفضيلة وارتكب الرذيلة، خالف الشرع واتبع الهوى ونزل عن مرتبة الإنسانية المكرمة إلى درجة الحيوانية البشعة فلم يختلف عنها في شئ في القول والفعل والتصرف. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الحياء والعي من الإيمان وهما يقربان من الجنة ويباعدان من النار والفحش والبذاء من الشيطان وهما يقربان من النار ويباعدان من الجنة” فقال اعرابى لأبى امامة: إنا لنقول في الشعر: العرى من الحمق فقال: انى أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجيئني بشعرك المنتن ". فالحياء معروف والعي: قلة الكلام وهذا خلق اسلامى كريم وكيف لا يكون كذلك والرسول صلى الله عليه وسلم يقول “من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيرا أو ليسكت” فالحياء وقلة الكلام في غير معروف بقربان من الجنة ويباعدان من النار وعكس ذلك الفحشاء والكلام البذئ إنهما من الشيطان، من صنيعه وإيحائه إنهما بقربان من النار ويباعدان من الجنة هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى أما ما سواه من قول شاعر أو حكيم ففيه الخطأ والصواب ولا يمكن أن تكون قلة الكلام منقصة بل إن كثرة الكلام والثرثرة في غير معروف وذكر الله وإصلاح بين الناس هي المنقصة وهي الحالقة القاضية على الطاعات والحسنات وقديما قبل : احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك انه ثعبان . وعن قرة ابن إياس رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلهم فذكر عنده الحياء فقال: يا رسول الله الحياء من الدين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو الدين كله ثم قال صلى الله عليه وسلم “إن الحياء والعفاف والعي عي اللسان لا عي القلب والعفة من الإيمان وإنهن يزدن في الآخرة وينقصن من الدنيا وما يزدن في الذاخرة أكثر مما ينقصن من الدنيا وأن الشح والعجز والبذاء من النفاق وإنهن يزدن في الدنيا وينقصن من الآخرة وما ينقصن من الآخرة أكثر مما يزدن من الدنيا” رواه الطبراني اعتبر رسول صلى الله عليه وسلم الحياء هو الدين كله ، وأن الحياء كما ورد في حديث أخر هوخلق الإسلام فعن زيد بن طلحة بن ركانة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن لكن دين خلقا وخلق الإسلام الحياء” رواه مالك وفي حديث أخر “ما كان الحياء في شئ إلا زانه” رواه ابن ماجة والترمذي وللحياء أبواب وجوانب عديدة قد يظن عدم اتصالها بها ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يجعلها من صميم الحياء فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “استحيوا من الله حق الحياء قال : قلنا يا نبي الله : أنا لنستحي والحمد لله قال ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء : أن تحفظ الرأس وما وعى وأن تحفظ البطن وما حوى وتذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء” رواه الترمذي. فحفظ الرأس وما وعى بان بفكر الإنسان بعقله الذي في رأسه ، فلا يفكر إلا في ما يرضى الله سبحانه وتعالى ويقرب منه وحفظ الفم فلا يأكل حراما ولا يتلفظ اللسان بما يغضب الله من كذب وغيبة ونميمة ووقيعة ويغض البصر ويصون السمع. وحفظ البطن وما حوى فلا يدخل في البطن إلا حلالا وحفظ الفرج من الوقوع في الحرام من الحياء ذكر الموت والبلى وأن إلى ربك الرجعى وإليه المنتهى . ويختم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله أن الذي يريد الآخرة فليترك زينة الدنيا وليكتنف فيها بما يسد الرمق والحاجة وليعلم أنها ضرة الدنيا وأنها فتنة تشغل عن طاعة الله وذكر الرحيل وتدعوإلى الغفلة. فمن فعل كل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء. والحياء خلق رضي من أخلاق الله ورسله وملائكته فقد ورد في الحديث الشريف أن الله يستحى أن يعذب رجلا علاه الشيب وهو مسلم والكيس العاقل الفطن من قدر نعم الله عليه وإكرامه وإحسانه الظاهر والخفي فيستحى من خالقه ولا بعصيه في ملكه بما سخر له وأعطاه ولكن إنها لا تعمى الإبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. لقد غفل الإنسان الظلوم فذهب منه الحياء من الخالق فتنكر لعهد طاعته وعبادته وادعى بعد ذلك بأنه مؤمن به محب له. وكيف يكون مؤمنا مطيعا محبا وقد ساء خلقه وتعرى جسمه واستهجن كلامه وأصبح الفتى يشبه الفتاة وتعرت النساء وأتى الجميع كل لأصناف الموبقات على قارعة الطريق في الشوارع والإدارات ووسائل النقل والشواطئ وهكذا بارزوا الله بالمحاربة أيطمعون بعد ذلك في عفوه وغفرانه؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل امتى معافى إلا المجاهرين وأن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله ، فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه) رواه البخاري ومسلم. والمعصية شئ بشرى يمكن للإنسان لضعفه أن يقع فيها ولكن المطلوب منه أن يستتر “فإذا عصيتم فاستتروا”. إننا والمتجاهر بالمعصية نركب سفينة واحدة هي المجتمع إذا وقع في جزء منه انحراف تضرر كل المجتمع وغرقت السفينة ولذلك دعانا الإسلام إلى منع ظهور مثل هذه المنكرات حفظا لمجتمعنا وأنفسنا . وعندما ينعدم الحياء من الناس وترفع البركة فلينظر الناس الساعة التي تأتيهم بغتة “فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون”.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.