من اجل أن تكون التعددية المذهبية عامل إثراء وتكامل وتآخ وتسامح

من اجل أن تكون التعددية المذهبية عامل إثراء وتكامل وتآخ وتسامح


إذا كان الحوار بين الحضارات والأديان قد قطع أشواطا لا بأس بها بحكم ما جد من أحداث مؤلمة وحوادث إرهابية تسارعت وتيرتها جعلت الاقتناع حاصلا بضرورة الحوار تجنبا للصدام الذي تنبأت بحتميته بعض الأطراف فان حوارا آخر لا بد منه ولعله المقدمة التي ينبغي الانطلاق منها. هذا الحوار تدعو إليه بإلحاح مبادئ الدين الحنيف ويفرضه الواقع، انه الحوار بين المذاهب والفرق الإسلامية. لا ينبغي إن ننكر حقائق نعيشها على امتداد الساحة الإسلامية ومنذ القرن الأول للهجرة وهي أننا امة الإسلام وان كان ربنا واحدا ونبينا واحدا وكتابنا واحدا وقبلتنا واحدة فإننا مع ذلك نتوزع إلى مذاهب وفرق: فمنا السني ومنا الأباضي ومنا الشيعي وفي الشيعة مذاهب شتى ومنا داخل السنة: المالكي والحنفي والشافعي والحنبلي وفينا السلفي وفينا الصوفي والطرقي، إنها فسيفساء ولو مضينا في تتبع فروع الفرق والمذاهب والطرق لبلغ العدد إلى المئات دون مبالغة وقد برع في التاريخ والتتبع لهذا التشعب والاختلاف المستشرقون والدارسون الغربيون للإسلام والمسلمين حتى أصبحنا في معرفتنا لبعضنا البعض عالة على هؤلاء المستشرقين وعلى دراساتهم العلمية الموثقة. ومع هذا الاختلاف والتنوع الذي ليس كله مذموما إذ فيه الثراء والإضافة وفيه توسع الآفاق والفرص الأكثر لإيجاد الحلول والأجوبة على بعض الأسئلة الحادة التي لا تقبل التأجيل. وقد أثبتت بعض التجارب المتواضعة فوائد هذا التلاقي والتعاون والتكامل حتى مع وجود بعض الاختلافات فمجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي والذي يتخذ من مدينة جدة مقرا له والذي تولى أمانته العامة فضيلة الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة توصل إلى صيغة من التعاون والتكامل بين علماء الأمة الإسلامية على مختلف مذاهبهم حيث عرضت عليهم في دورات المجمع المتلاحقة والتي استضافتها عديد الدول الإسلامية قضايا مستحدثة تشغل الضمير الإسلامي حيثما كان في ديار الإسلام وخارج ديار الإسلام ليدلوا فيها بآرائهم ويقدموا الإجابات المقنعة والحلول الواقعية التي تجسم في حيز الواقع مقولة (الإسلام صالح لكل زمان ولكل مكان) وباجتهاد جماعي يتسامى عن الفوارق المذهبية اصدر المجمع قرارات جريئة يمكن أن يعاد النظر فيها كلما جد في مجالها جديد مفيد ولكنها تبقى إجابات عملية لا تدعي الكمال وتلك طبيعة كل عمل بشري. هذه التجربة الناجعة في المجال الفقهي العملي لا ينبغي الوقوف عندها بل لابد أن تكون دافعة لنا كي ننزل بها إلى المسلمين حيثما كانوا ونجعلها عنوانا للتمشي الصحيح الذي ينبغي علينا أن نسلكه ونزيد الوعي به بين الناس ونقيم على صحته وسلامته الحجج والبراهين التي لا تعوزنا من كتاب الله الداعي إلى الوحدة واجتماع الكلمة ونبذ التنازع والاختلاف (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، (وان هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (إنما المؤمنون أخوة) (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته نصوص تشبه المسلمين بالجسد الواحد وبالبنيان المرصوص وبراكبي السفينة الواحدة والمتوعدة لمن يكون سببا في الفرقة والفتنة والاختلاف بين المسلمين بالعذاب الشديد. إن النجاح في المجال العلمي والفقهي بالخصوص والمتمثل فيما اعد من أعمال علمية جادة وما اصدر من فتاوى وقرارات هامة كانت سببا في إزالة الكثير من الضيق والحرج على المسلمين (ما جعل عليكم في الدين من حرج) هذا النجاح يحتاج إلى المزيد من التعريف به وإشاعته وإذاعته بين الناس إذ هو خطاب المرحلة التي تعيشها الأمة اليوم، هذا النجاح ينبغي المضي فيه إلى آخر مداه أي ينبغي أن نمس به المسلم أينما كان ومهما كان مذهبه ومهما كانت فرقته ولابد أن يحل التفتح والتكامل والتسامح محل الانغلاق والتزمت والتعصب وادعاء امتلاك الحقيقة، ينبغي أن تزول إلى غير رجعة ولو كان ذلك شيئا فشيئا نبرات التشنج والاشمئزاز من الآخر وتحقيره والتشنيع به ورميه بشتى أوصاف الزيغ والضلال والتكفير. إن العالم اليوم حول المسلمين في سعي جاد إلى رؤى كونية ونظرات شمولية تجاوزت في حيز الواقع المادي كل الحدود والقيود والمسلمون هم فقط الذين تفرق بينهم المذهبية الضيقة والفرقة المتعصبة جاعلة منهم أديانا داخل الدين الواحد الذي يجمع بينهم. حرام على امة الإسلام أن تتخلف عن ركب البشرية وحرام عليها أن تضرب عرض الحائط بدعوات ربها ونداءاته المتكررة في الكتاب العزيز إلى اجتماع الكلمة ووحدة الصف. ولا يفهم مما أقوله أنني أدعو إلى اللامذهبية وكلا وألف كلا إنما الذي أتمناه هو أن يستفيد المسلمون من تاريخهم الطويل وما عانوه من الانقسامات والفتن وان يوظفوا ما توفر للإنسانية جمعاء من أسباب التواصل والتقارب وما وفرته ثورة المعلومات من فتوحات علمية تفوق الخيال فوظفوا ذلك لجعل الاختلافات الاجتهادية عوامل إثراء وإغناء يجد فيها المسلمون الحلول لما يعيشونه في كل ديارهم وحيثما كانوا من تحديات وصعوبات في التوفيق بين ما يدعوهم إليه دينهم وما يقتضيه واقع حياتهم من التزامات إن بوادر عمل من هذا القبيل برزت في الآونة الأخيرة هنا وهناك تمثلت في عقد ندوات ومؤتمرات للتقريب بين المذاهب الإسلامية وجعلها تتعاون فيما تتفق فيه وهو كثير وكثير جدا وفي تجنب إثارة ما يمكن أن يتسبب في فرقتهم واختلافهم وتنازعهم وهو قليل وقليل جدا وهو في الغالب مما يدخل في طي التاريخ والماضي الذي ليس كله مجيدا وليس كله مشرقا. والذي لا يجوز ولا يمكن أن يقر عليه الشرع الحنيف في مقاصده وأبعاده العميقة هو توظيف اختلافات وانقسامات الماضي لتعكير صفو الحاضر وتسميمه وعرقلة فرص الاجتماع والتوحد، لابد أن يلتفت كل طرف إلى ما حوله وما وراءه فينقيه من كل أسباب بث الفرقة والنزاع والفتنة والتعصب المقيت وليكن الحاضر والمستقبل: تصاف وتآخ وتعاون على البر والتقوى وتكامل في الجهود. قد تكون البلدان الإسلامية التي يعيش على أرضها أتباع مذاهب متعددة هي الأحوج إلى مثل هذا التمشي ولكن الحدود والقيود هي في حكم الزوال والاندثار وعدوى وسريان عقلية التعصب والتزمت ;hv$, دائما فان أمر المساهمة من قبل كل البلدان الإسلامية ودون استثناء في إشاعة قيم التآخي والتكامل والتسامح والتعايش بين المسلمين هي فرض عيني غير كفائي ولعل بلدا يجمع بين كل أفراد شعبه الدين الواحد (الإسلام) والعقيدة الواحدة (السنة) والمذهب الواحد (المالكية) مثل تونس وغيرها من بقية البلدان الإسلامية مهيأة أكثر من سواها لتقديم الصورة المشرقة لإسلام الوسطية والاعتدال، إسلام التسامح وإسلام الاجتهاد، الإسلام المستجيب لتحديات العصر ومقتضيات التعايش بين الإنسان في سلام وأمن ووئام وهذا الطرح للإسلام المستنير المتمسك بالثوابت والأصول والمعتز بها والذي يرنو إلى أن يكون للمسلمين دور في بداية هذه الألفية الثالثة وهو طرح وراءه تاريخ مجيد وعطاء حضاري وعلمي ثري جذرته مؤسسة عريقة (الزيتونة) بمن تخرج منها من العلماء الأعلام الذين مثلوا دائما الريادة.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.