مدّ جسور التّواصل وضرورة إفساح المجال لخطاب المرحلة

مدّ جسور التّواصل وضرورة إفساح المجال لخطاب المرحلة


رحلة البابا بنوا السادس عشر Benoit XVI إلى تركيا هي أول زيارة أداها إلى بلد إسلامي بعد محاضرته في الجامعة الألمانية التي تضمنت إساءة في الصميم للإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام. وقد صاحبتها تغطية إعلامية منها المسموع والمرئي بواسطة المحطات الإذاعية والتلفزية ومنها ما هو مكتوب على أعمدة الصحف والمجلات على مختلف اتجاهاتها السياسية والفكرية وأنا اعني هنا المادة المكتوبة باللغة الفرنسية التي أمكنني الإطلاع عليها وقراءتها ولا شك أن الأمر كذلك باللغات الايطالية والألمانية والإنقليزية والإنسانية وغيرها... فمجلة الفيقارو ماقازين Le figaro magazine نشرت ملفا تضمن معلومات ضافية عن حياة البابا بنوا السادس عشر ومسيرة حياته العلمية والدينية فهو جامعي عميق التكوين يمثل في الكنيسة الكاثوليكية مدرسة تعمل جاهدة للحفاظ على ما تعتبره جوهر المسيحية الكاثوليكية وفي هذا الملف تعريف برجال الفاتيكان: أصولهم والمسؤوليات التي يتحملونها في حضيرة الفاتيكان وفي الملف مقال حول الأتراك المسيحيين تحت عنوان: أقلية مهددة!! Minorité menacée فضلا عن نقد الاختلافات في الساحة المسيحية وفي كيفية ممارسة شعائرها والتخبط الذي يلاحظ عليها. والصحافة: جرائد ومجلات في الغرب ومنها فرنسا تسمح لنفسها بأن تنقد وتكتب في كل المواضيع بما فيها المواضيع الدينية فيدلي فيها الكتاب المختصون وغير المختصين بآرائهم المتناقضة والمتعارضة ولأجل ذلك وفي هذا السياق تكاثرت في السنوات الأخيرة الكتابات التي تنقد الإسلام!! وتتعرض إليه بما لا يستسيغه المسلمون وبما لا يتحملونه فتختلف ردود أفعال المسلمين التي تصل إلى درجة التشنج ورد الفعل السلبي الذي لا يزيد تلك الأفهام الخاطئة للإسلام وتلك الشبهات الملقاة عليه إلا تكريسا في أذهان الرأي العام الغربي ولعل هذا هو المراد والمقصود في النهاية من بعض الحاقدين المتعصبين المعادين للإسلام! وهؤلاء موجودون ولا شك ولكنهم لا يمثلون الأكثرية، الأكثرية يمكن أن نقول إنها على الفطرة وعلى أتم الاستعداد للتفهم والإنصاف إذا ما عرض عليها الإسلام لا كما هو اليوم في ديار الإسلام وفي تصرفات المسلمين. فصورة الإسلام بهذه الكيفية وعلى هذه الحال لن تزيدها الشبهات والافتراءات إلا تكريسا في أذهان الغالبية العظمى من الغربيين ما دام المسلمون وأهل الذكر وحملة الأقلام ممن يجيدون اللغات الأوروبية ويعرفون عقليات الأوروبيين وأساليب تفكيرهم (وينبغي علينا أن نعترف أن هؤلاء بين صفوف المسلمين قلة) لا تتهيأ لهم فرص مخاطبة الغربيين والتحاور معهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن، إن الحاجة ماسة لفئة من علماء الإسلام ومفكريه المستنيرين كي تتبوأ هذه المكانة وتتحمل أعباء هذه المهمة الحساسة. ويشهد الله أن هذه الفكرة التي كثر اليوم بين المسلمين من اقتنع بضرورتها عبرت عنها شخصيا في مقالات ومذكرات وفي تدخلات في ندوات وملتقيات عقدت هنا في تونس والجزائر وطرابلس والرياض والرباط وعممتها في أكثر من صحيفة ومجلة في تونس وخارجها وخاطبت في شأنها أكثر من هيئة ومنظمة إسلامية كبرى (رابطة العالم الإسلامي، جمعية الدعوة الإسلامية، الأزهر وغيرها من الجامعات الإسلامية...) وأبلغتها لأكثر من شخصية إسلامية هامة...) ولكن التجاوب لم يصبح فعليا إلا بعد أحداث 11 سبتمبر وما تبعها منن ردود فعل تجلى فيها الخلط والتعميم في التصرف والممارسة الفعلية مما دفع بالجانب الإسلامي إلا التنادي بالقيام بالمبادرات التي تكاثرت وتوالت إلى حد الزخم الذي تكاد تنعدم معه الفائدة، انه اهتمام على مستوى الشكل والمظهر وحتى المماراة!! ولكن أين الجدوى والفعل وتصحيح المفاهيم!!؟ والتقدم في الخطى من ناحية مد الجسور وكسب المواقع: مواقع الإنصاف والتجرد وهذا هو ما ينبغي علينا أن نطالب به الآخر. ينبغي أن نقنع الغربي وأن يقتنع بذلك. أننا لا نريد منه إلا أن ينصت إلينا وأن يتخلى عن الأحكام المسبقة عن ديننا وثقافتنا وحضارتنا وعن نبينا وكتابنا. لا نريد أن نكتسح بلاده ونفتكها منه بأي طريقة حتى لو كانت طريقة التكاثر بالتوالد بحكم وجود ملايين من المسلمين يعيشون بين ظهرانيه. فحتى وإن ازدادت أعدادهم فهم ينبغي أن يكونوا مواطنين صالحين منسجمين مع بيئتهم ومحيطهم مندمجين في واقعهم. وما الذي يمنع من ذلك؟ طالما أنهم يعيشون في مجتمعات تسودها القوانين التي تعطي كل ذي حق حقه بما في ذلك ممارسة شعائر دينهم والحفاظ على هويتهم. * إن محاولات خيّرة وجيدة لفك الحصار المضروب على الواقعية والعقلانية والتجرد والوسطية والاعتدال والتسامح أصبحت تجد طريقها هناك في الغرب يقوم بها أفراد لهم مواقع رفيعة في الجامعات ومراكز البحث وحتى في ميادين الإعلام المكتوب والمسموع. فهؤلاء هم أهل مكة وأهل مكة أدرى بشعابها وهؤلاء هم طليعة ونخبة نيرة لم تجد بعد مكانها بين عموم المسلمين في أوروبا والذين هم بالملايين (في فرنسا أكثر من خمس ملايين) ونكتفي في هذا السياق بالإشارة إلى تجربتين ذكيتين في التنوير وفي الحوار التي لو كتب لها أن تتدعم وتسند لأتت بالخير العميم سواء كان ذلك للإسلام والمسلمين ككل أو للإسلام والمسلمين في الغرب الذين هم في أمس الحاجة إلى المضي في مثل هذا الخط القويم السليم الحكيم والنافذ إلى الأعماق سواء أعماق المسلمين أو أعماق الغربيين في أرفع وأوسع مستوياتها. * إذاعة السلام في مدينة ليون هذه إذاعة يديرها الأستاذ علي عابد وهو تونسي أصيل، ورغم انه غير متفرغ لهذه الإذاعة إلا أنها تبث على مدار الساعة بالعربية والفرنسية تضم نخبة من المنشطين والمنتجين من أصول مغاربية وحتى شرقية-وهي الإذاعة العربية الوحيدة التي يمتد إرسالها ليعم كل أرجاء مدينة ليون وما يحيط بها ويبلغ تعداد المستمعين لها الأربعمائة ألف، وهي إذاعة تتفاعل مع أوضاع الجالية ايجابيا وتبعد بها عن كل ما يمكن أن يجعلها تعيش منعزلة في “قتو” أو تذوب وتفقد كل ذاتيتها. إنها معادلة صعبة ورغم ذلك فإن إذاعة السلام في ليون تحاول حسب ما تقتضيه القوانين الفرنسية أن تؤدي دورها وقد نجحت في ذلك أيما نجاح. وفي سبيل تكريس قيم السماحة والوسطية والاعتدال والتسامح والتعريف بحقائق الإسلام سجلت لهذه الإذاعة مجموعة من الحصص حول هذه القيم ووفرت لها مادة تولت بثها. علما وانه في باريس توجد إذاعة أخرى يديرها تونسي هو الأستاذ طارق مامي “فرانس ماقاراب” وهي تسير في نفس الخط الرصين الهادف تقوم بنفس العمل في صفوف الجالية. إنها مبادرات في هذا المجال الهام تستحق كل التشجيع. ما الذي دار بين الدكتور مصطفى الشريف و البابا؟ * استطاعت مجلة نوفال ابسرفاتور le Nouvel Observateur أن تجري حوارا مطولا مع الأستاذ الدكتور مصطفى الشريف الجامعي الجزائري والوزير والسفير السابق الذي ألف كتابا عن الإسلام المتسامح وأهدى منه نسخة لقداسة البابا تمنى في إهدائه أن تتوفر له فرصة لقاء الباب، فما كان من هذا الأخير خصوصا بعدما أثارته محاضرته التي ألقاها في الجامعة الألمانية من ردود فعل في العالم الإسلامي وبين المسلمين وقبل أن يؤدي أول زيارة لبلد إسلامي (تركيا) دعا البابا لمقابلته والحديث معه حول الإسلام الأستاذ الدكتور مصطفى الشريف وينبغي أن يسجل له هذا السبق وهذه الجسارة وتحمل المسؤولية. فمن منطلق مسؤوليته كمثقف مسلم رأى أنه يستطيع أن يقوم بمبادرة ولو فردية لاقت القبول والترحاب من حسن الحظ بقطع النظر عن النوايا -واغتنمها الدكتور مصطفى الشريف وجلس إلى البابا الذي أنصت إليه إنصات العالم وسمع منه كل ما أراد أن يوضحه عن الإسلام وثقافته وحضارته فأزال شبهات من ذهن البابا أو على الأقل حاول ذلك- وبلغ ما ينبغي عليه أن يبلغه ذلك هو سبيل المسلمين الأوحد: التعريف بحقائق دينهم بالحكمة والموضوعية والرصانة والسماحة وبالحجة البالغة والبليغة بلغات من يراد إبلاغهم وبأساليبها وبمراعاة عقلياتهم وطرق تفكيرهم وطالما أن المسلمين لم يتوخوا هذه الطريقة وهذا الأسلوب وطالما أن المسلمين يخاطبون الآخر بما يخاطبون به بعضهم البعض بل بما تخاطب به بعض البيئات التي لا تزال في أدنى سلم الحياة المادية والاجتماعية طالما أن الأمر على هذه الحال فحتى وإن كان الوعاء المبلغ لهذا الأسلوب هو فضائيات رقمية وانترنات فإن النتيجة واحدة ألا وهي تكريس المزيد من القطيعة وسوء الفهم بين المسلمين وبين الآخر، وينبغي أن تعطي القوس إلى باريها فلكل حلبة فرسانها ولكل بيئة خطابها فذلك عين الحكمة ولأجل ذلك فإن الكل (أوروبيين ومسلمين) كانوا في شوق إلى معرفة ما دار بين الباب والدكتور مصطفى الشريف وكانت مجلة “لونافال ابسيرفاتور”* هي المبادرة إلى ذلك في عدد جعلت صفحته الخارجية تحمل صورتين كتب تحتهما عيسى ومحمد 15 قرنا من المواجهة: Jésus et Mohamet : 15 siècles de confrontations. * ينظر ملخص ما دار في هذا اللقاء في موضع آخر من هذا الموقع.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.