في رحاب القرآن:رفع الحرج عن المسلم خاصية تعاليم الإسلام

في رحاب القرآن:رفع الحرج عن المسلم خاصية تعاليم الإسلام


يقول الله تبارك وتعالى: “يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء احد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون”.صدق الله العظيم-الآية 6 من سورة المائدة نلخص للقارئ بعض المسائل التي تجاوزت الثلاثين والتي أوردها الإمام القرطبي في تفسير الجامع لأحكام القرآن رحمه الله عند تفسيره لآية (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم إلى آخر الآية) وكعادته فإن الإمام القرطبي يبدأ بإيراد أسباب النزول، ولا يخفى ما في هذا المنهج القويم السليم من تجنب للوقوع في الأفهام الخاطئة، فالقول بالقرآن بالرأي لا يجوز. أورد القرطبي قول القشيري وابن عطية أن هذه الآية نزلت في قصة عائشة رضي الله عنها حين فقدت العقد في إحدى الغزوات وهي آية الوضوء قال ابن عطية: لكن من حيث كان الوضوء متقررا عندهم مستعملا فكان الآية لم تزدهم فيه إلا تلاوته وإنما أعطتهم الفائدة والرخصة في التيمم. وذهبت طائفة من العلماء إلى أن الخطاب خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم-نزلت هذه الآية رخصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان لا يعمل عملا إلا وهو على وضوء ولا يكلم أحدا ولا يرد سلاما إلى غير ذلك فاعلمه الله بهذه الآية أن الوضوء إنما هو القيام بالصلاة فقط دون سائر الأعمال. وذهبت طائفة من العلماء، إلى أن المراد بالآية الوضوء لكل صلاة طلبا للفضل وحملوا الأمر على الندب وكان كثير من الصحابة منهم ابن عمر يتوضؤون لكل صلاة طلبا للفضل وكان عليه السلام يفعل ذلك إلى أن جمع يوم الفتح بين الصلوات الخمس بوضوء واحد أراد البيان لامته صلى الله عليه وسلم ومسح عليه الصلاة والسلام على خفيه فقال عمر رضي الله عنه لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه فقال: (عمدا صنعته يا عمر) وروى الترمذي عن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يتوضأ لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر)، قال حميد قلت لأنس: وكيف كنتم تصنعون انتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءا واحدا. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الوضوء على الوضوء نور على نور) ومن تمام الأدب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان عليه السلام يتوضأ مجددا لكل صلاة، وقد سلم عليه رجل وهو يبول فلم يردّ عليه حتى تمم ثم ردّ السلام وقال: (إني كرهت أن اذكر الله إلا على طهر) رواه الدارقطني. والإتيان على الاثنين وثلاثين مسألة التي أوردها الإمام القرطبي عند تفسيره لهذه الآية الكريمة لا يتسع له المجال وحسبنا فقط أن نشير على القارئ المهتم الراغب في الاستزادة أن يعود إلى الجزء السادس من تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي في الصفحات الممتدة من 80 إلى109 فقد أشفى الغليل وجاء كالعادة بالمفيد الدقيق في أمانة علمية جعلته يورد مختلف الأقوال بدءا بأقوال الصحابة والتابعين وانتهاء بأقوال أئمة المذاهب وهو في الكثير من الأحيان يعقب ويختار ويصوب ولاشك أن في هذا الثراء ما يؤكد معنى التيسير الذي هو السمة البارزة في هدي الإسلام فاختلاف العلماء الأعلام الأئمة فيه رحمة بالأمة لأن اختلافهم ليس ناشئا عن إتباع هوى وإنما اختلاف ناشئ عما يقتضيه سياق النص الشرعي. وحتى لا نثقل على القارئ في إيراد دقائق المسائل الفقهية المستخرجة من هذه الآية الكريمة (التيمم) فهي في مضانها من كتب الفقه مبسوطة مضبوطة نقف عند بعض ما نعتبره محطات في الآية جديرة بأن يتدبر فيها مثل قوله تعالى (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء احد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) صدق الله العظيم. * فالسفر والمرض بسببهما تنزل الطهارة الحقيقية الفعلية والتي لا تكون إلا بالماء إلى الطهارة الحكمية وفي ذلك الرحمة من الله بعباده وفي ذلك التيسير على عباد الله، كيف لا وهو القائل لعباده (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) والأخذ بالتيسير كان شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أحواله فما خيره ربه بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن حراما، وقال عليه الصلاة والسلام (إن الله يحبّ أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه). * فالصلاة التي هي تطهير وتزكية روحية تسبقها في الإسلام طهارة حسية لا يخفى ما فيها من الإعداد والاستعداد النفسي والبدني وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب- ولذلك أوجب الإسلام على المسلم إذا قام إلى الصلاة أن يتطهر حسيا ومعنويا استعدادا للوقوف بين يدي ربه فهو سيكون -في صلاته- أقرب ما يكون من ربه وذلك حال سجوده (فاسجد واقترب) فإذا تعذرت الطهارة الحسية بسبب المرض إذ (لا ضرر ولا ضرار) و(الضرورة تبيح حتى المحضور) و(الحفاظ على الأبدان سليمة في حالة معافاة إحدى الكليات الخمسة) هنالك يجوز التيمم، وهو طهارة حكمية رمزية فيها الاستحضار لمعاني الطهر والنظافة الحسية وذلك عند فقدان الماء وخشية الضرر وخروج الوقت والصلاة كتاب موقوت (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) وجب على المسلم أن يقوم إلى الصلاة وأن يتيمم لفقدان الماء أو خوف الضرر ويؤدي صلاته وتختتم الآية الكريمة بحكم عام وخاصية كلية تخص الصلاة وتعم سواها من كل المجالات في هدي الإسلام قوله تعالى ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) صدق الله العظيم. ماذا عسانا أن نضيف على هذا الكلام البليغ سوى قولنا اللهم طهرنا وأتم نعمتك علينا واجعلنا من الشاكرين آمين.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.