في رحاب القرآن:الوصايا العشر التي أوصى بها كل الرسل عليهم السلام وتضمنتها كل الكتب والصحف

في رحاب القرآن:الوصايا العشر التي أوصى بها كل الرسل عليهم السلام وتضمنتها كل الكتب والصحف


يقول الله تبارك وتعالى (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذّكّرون وإنّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) صدق الله العظيم الآيات 152-153-154 من سورة الأنعام سورة الأنعام وهي من السور المكية بدأها المولى سبحانه وتعالى بقوله جل من قائل (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا مسمى عنده ثم انتم تمترون وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) الآيات التي اخترت أن أبين معانيها وما فيها من هدي مبين هي من قبيل الوصايا، والوصايا القرآنية أو النبوية مما ينبغي التمسك به والعض عليه بالنواجذ لأنها الزبدة. وهذه الوصايا جمعت فأوعت فقد نهت عن الشرور بكل أنواعها وحذرت من مغبة الوقوع فيها. تبدأ هذه الوصايا بقوله جل من قائل (قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم) فالمكلف بان يبلغ للمؤمنين ما أوحى به الله إليه هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو من لا ينطق عن الهوى وهو من كلفه الله بتبيين ما نزل إلى المؤمنين من عند الله (لتبين للناس ما نزل إليهم) وهو عليه الصلاة والسلام من أمرنا الله سبحانه وتعالى بان نتبعه (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وهو عليه الصلاة والسلام من ينبغي علينا أن نستجيب له لأنه لا يدعونا إلا لما يحيينا وما فيه خير وصلاح وفلاح لنا. إن سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام يتلو عليهم ما انزل إليه من عند الله وما يتلوه في هذه الآيات هو من قبيل المحرمات والمحرمات هي قليلة إنها هي التي تحتاج إلى التنصيص عليها وتعدادها لان ما سواها وما وراءها وهو الأكثر والأغلب مما لا يمكن حصره هو المباح انه الأكثر وذلك مظهر من مظاهر رحمة الله بعباده هذه الرحمة التي تجلت أعظم وأكمل وأجمل تجل في دين الإسلام دين الرحمة الشاملة التي جاء بها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام (وما أرسلناك إلا رحمة العالمين) لقد جاء عليه الصلاة والسلام بدين التيسير والتبشير (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وعندما ينظر المسلم في قائمة المحرمات يجدها محدودة ولا يجد فيها فائدة وحتى إن وجدت هذه الفائدة فهي جزئية جانبية ومعها مضار وشرور ثم إن هذه المحرمات عوض الله عنها المؤمن بطيبات تغني عنها. إذ لم يغلق الله بابا من أبواب الشر إلا وفتح في مقابل ذلك أبوابا في الحلال الطيب تغني عن ذلك الحرام فالحمد لله على نعمة الإسلام وعلى رحمة الله بعباده المسلمين. والمسلم قبل ذلك وبعد ذلك يعتقد الاعتقاد الجازم بان في الانتهاء عما حرم الله واجتنابه لا ينفع إلا نفسه فالله سبحانه وتعالى الكامل لا تضره السيئات والمعاصي إذا ارتكبها عباده كما لا تنفعه الطاعات فهو القائل في الحديث القدسي (لو أن إنسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملك الله شيئا ولو أن إنسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملك الله شيئا). وموقف المؤمن هو الامتثال وتسليم الوجه لله لسان حاله يقول (سمعنا واطعنا) يعبر عن هذه الحلة من الطواعية والامتثال ما قاله الصحابة رضوان الله عليهم عندما نزل التحريم النهائي للخمر (فهل انتم منتهون)؟ بقولهم على لسان رجل واحد: انتهينا انتهينا. والمؤمن بعد الامتثال يمكنه أن يبحث عما يطمئن قلبه كما فعل نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام عندما طلب من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى وقال له ربه (أو لم تؤمن؟) قال إبراهيم (بلى ولكن ليطمئن قلبي) فمن حق المؤمن أن يبحث عما يطمئن قلبه والحمد لله فان الله سبحانه وتعالى وعد عباده بان يريهم آياته الدالة على قدرته (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق) فما من أمر أمرنا به المولى سبحانه وتعالى وما من محرم نهانا عنه ودعانا لاجتنابه إلا وأثبتت الأيام وأثبتت التجارب وأثبتت المعارف والعلوم في مختلف مجالاتها حكمة ذلك الأمر وذلك النهي فسبحانه من رب رحيم حكيم الخير كل الخير والصلاح كل الصلاح في التسليم لأوامره (أليس الله بأحكم الحاكمين)؟ وصدق الله العظيم القائل في كتابه العزيز (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) أردت أن أنقدم بهذه المقدمة قبل تبيين ما يفتح به الله من المعاني الواردة في هذه الآيات البينات وهذه الوصايا الصالحة لكل الناس في كل بيئاتهم وفي كل أزمنتهم ورد الأمر بها في كل الديانات السماوية وذلك أمر طبيعي لأن مصدر هذه الرسالات واحد، إنها كلها من عند الله الواحد الأحد ولذلك فلا يمكن أن تتناقض أو تتعارض. وجريا على العادة عند تفسير السور والآيات فإن البداية تكون باستعراض ما صح من الأحاديث الواردة في بيان فضيلة السور والآيات أو الموضحة لأسباب نزولها فذلك مما يساعد على استيعاب ما فيها من المعاني وبالنسبة إلى هذه الآيات من سورة الأنعام. * جاء في كتب التفسير أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمة فليقرأ هؤلاء الآيات (قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا إلى قوله لعلكم تتقون). * وقال ابن عباس رضي الله عنهما فيما أورده الحاكم في مستدركه في الأنعام (السورة) آيات محكمات هن أم الكتاب ثم قرأ (قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم( الآيات. * وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيكم يبايعني على ثلاث) ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم(قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم( حتى فرغ من الآيات فمن وفى فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته ومن آخر إلى الآخرة فأمره إلى الله أن شاء عذبه وان شاء عفا عنه. * أول ما تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مما حرمه الله على عباده هو أن لا يشركوا بالله شيئا فالشرك ظلم (إن الشرك لظلم عظيم) والشرك بالله لا يغفر وما دون الشرك بالله قابل للغفران (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك) وذلك أمر طبيعي ومنطقي لان كل شيء في الإنسان وفي ما يحيط بالإنسان شاهد هل وحدانية الله ومع ذلك فان الله سبحانه وتعالى أضاف إلى ذلك تفضلا وكرما ورحمة فأرسل الرسل والأنبياء عليهم السلام مبشرين ومنذرين وقال جل من قائل (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) فلا بد من بلوغ الدعوة وذلك من الله تبارك وتعالى منتهى الرحمة ومنتهى العدل وإلا فانه لا يسأل عما يفعل ولكن لطفه بعباده اقتضى أن يرسل الرسل وينزل الكتب إقامة للحجة فإذا أبى بعد ذلك بعض العباد إلا أن يشركوا به فهنالك وعند ذلك لا يغفر الله ذلك الذنب العظيم الذي هو أصل كل الذنوب والمعاصي، انه الكفران المبين وانه العناد الذي ليس بعده عناد وذلك ما كان فعلا من هذا الإنسان الظلوم الجهول الذي اتخذ لله ندا وعبده وقرب له القرابين. وقد قص لنا القرآن الكريم أخبار الأمم والأقوام الذين بغوا وطغوا أمهلهم ربهم ولكنه لم يهملهم لقد أخذهم اخذ عزيز مقتدر لم يظلمهم ربهم ولكنهم ظلموا أنفسهم فقد حذر الله عباده من الكفر والشرك بالله وقدم لهم الحجج والبراهين من أنفسهم ومما يحيط بهم وقص عليهم أخبار الأمم السابقة من كفر منها ومن آمن وبشرهم بما أعده للمؤمنين به وحده لا شريك له من جزاء. ففي الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتاني جبريل فبشرني انه من مات لا يشرك بالله شيئا من أمتك دخل الجنة قلت: وان زنى وان سرق؟ قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق؟ قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق؟ قال وان زنى وان سرق وان شرب الخمر) وفي بعض الروايات انه عليه الصلاة والسلام قال الثالثة (رغم انف أبي ذر) فكان أبو ذر يقول بعد تمام الحديث( وان رغم انف أبي ذر كما ورد في بعض المسانيد والسنن عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى (يا ابن آدم انك ما دعوتني ورجوتني فاني اغفر لك على ما كان منك ولا أبالي ولو أتيتني بقراب الأرض خطيئة أتيتك بقرابها مغفرة ما لم تشرك بي شيئا وان اخطأت حتى تبلغ خطاياك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك). فسبحان الله ما أكرمه من رب وما ارحمه وما ألطفه بعباده وما أغناه عنهم. ذنب فقط لا يغفره الله ولا يقبل ممن يتصف صرفا ولا عدلا ألا وهو الشرك بالله وما سوى ذلك وما دون ذلك فانه يغفر ويمحى كرما ورحمة من الله الذي يقول جل من قائل (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسكم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفير الرحيم). فالله الخالق البارئ المصور، الله المحيي المميت، الله الرزاق الله سبحانه وتعالى فاطر السماوات والأرض، الله الأول الآخر، الله الذي هو على كل شيء قدير من حقه على عباده الذين خلقهم وسواهم ووهبهم من الخيرات وسخر لهم مالا يمكن أن يعد أو يحصى من حقه عليهم أن يؤمنوا به ولا يشركوا به شيئا. ولقد كان دور الأنبياء والمرسلين عليهم السلام هو إخراج الناس من الشرك إلى الإيمان ومن عبادة الأوثان إلى عباد الله الواحد القهار كانت تلك هي مهمتهم الأساسية (أفضل ما قلت أنا والنبيون لا اله إلا الله). ولقد كرس الأنبياء والمرسلون حياتهم كلها لإبلاغ هذه الحقيقة والإقناع بها بالنقل وبالعقل وبالصبر والمصابرة والتحمل للأذى لم يغيروا ولم يبدلوا ولم يقبلوا التنازل عن هذه الحقيقة (قل يا أيها الكافرون لا اعبد ما تعبدون) لم ينفك رسول الله صلى الله عليه وسلم يردد على مسامع قريش كلمة واحدة (قولوا لا اله إلا الله تفلحوا) قضى كل سنوات الفترة المكية وهي الاطول من عمر الرسالة المحمدية يدعو الناس إلى التوحيد وعدم الشرك بالله، فالعقيدة السليمة الصحيحة هي حجر الزاوية وهي التي ينبغي البداية بها والتأكيد عليها لأنها أساس كل خير وبدونها لا يمكن أن يكون هناك خير، ولا يمكن أن ينتظر من يخالف عقيدة التوحيد وقد بلغت إليه ورفضها وأنكرها لا جزاء ولا ثوابا في الآخرة، فهناك الجزاء والثواب تابع كله للتسليم في الحياة الدنيا لله بالوحدانية ونفي الشريك له والند له مهما علا شانه وعظم قدره فالكل سيأتون الله يوم القيامة عبادا، انه سبحانه وتعالى (لم يلد ولم يولد) ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا وهو سبحانه وتعالى الغني القائم بذاته الذي لا تأخذه سنة ولا نوم. كل الأنفس البشرية في الأصل مجبولة مخلوقة على التسليم له بالوحدانية وقد سلمت هذه الأنفس لله بالوحدانية وهي لا تزال في عالم الأرواح لقد قالت لربها (بلى) عندما سألها (ألست بربكم( ولكن هنالك من الأنفس البشرية من لم يبق على العهد وكفرت بالذي خلقها وسواها بشرا وهؤلاء لا يلومون إلا أنفسهم فقد أقيمت عليهم الحجة ولله الحجة البالغة فكان من الطبيعي أن تكون الوصية الأولى التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بان يتلوها على عباد الله (ألا يشركوا به شيئا). بعد أن أمر المؤمنون بأن لا يشركوا بالله ولا يتخذوا له ندا إذ أن التسليم بوحدانية الله هو ما ينتهي إليه العقل السليم والتفكير القويم وما ينسجم ويتطابق مع الفطرة التي فطر الله عليها كل عباده على مختلف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم فالجميع يولدون على الفطرة التي هي النقاوة والسلامة والطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه طريق التوحيد بعد ذلك ثنى الله تبارك وتعالى بما حرمه على عباده المؤمنين وهو دعوتهم إلى الإحسان للوالدين والإحسان يقابل العقوق وعدم البر وقد تكرر الأمر بالإحسان إلى الوالدين وحسن معاشرتهما في عديد الآيات القرآنية وأكدت على أحاديث نبوية عديدة. * فالوالدان يأتيان في المرتبة الثانية مباشرة بعد الله في الإحسان إلى الإنسان وتطويقه بالمنن ولأجل ذلك ناسب أن يأتي الإحسان إلى الوالدين في المرتبة الثانية فعقوق الوالدين ومقابلة إحسانهما بالجحود من اكبر الكبائر وهو من علامات اللؤم والعياذ بالله ومن تنكر لوالديه وقابل معروفهما بالإساءة فهو بالنسبة لسواهما أعق وأنكر، إن عاق والديه لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ولا يزكيه ولا ينظر إليه، عاق والديه لا يفلح في الدنيا وهو في الآخرة من الخاسرين. * فالوالدان يحرمان نفسيهما في سبيل أن يعطيا ابنهما أو أبناءهما، يجوعان من اجل أن يأكل ويعريان من اجل أن يتغطى ويسهران من اجل أن ينام هذان الوالدان لا يمكن أن نكافئ معروفهما مهما فعلنا ولأجل ذلك جاء الأمر في كتاب الله العزيز بحسن معاشرتهما وحسن معاملتهما فلا يجوز في حقهما ما يجوز في حق غيرهما قال الله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) وقال جل من قائل (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) وقال سبحانه وتعالى (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا) فهذه الآيات وغيرها كثير دعوة صريحة لحسن معاشرة الوالدين وقد بينت آيات أخر كيفية التعامل معهما (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) (وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) ما ابلغه من إرشاد وما أوضحه من هدي لا يمكن للمؤمن إلا أن يهتدي به في معاملة والديه، فالمحسن لوالديه والمعاشر لهما معاشرة حسنة حتى وان اخطأ أو أساءا أو حتى لو كانا على غير دين الإسلام موعود بجزيل الأجر والثواب، إن الأبواب كلها مفتوحة أمام البار بوالديه فللوالدين دعوة مستجابة ليس بينهما وبين الله حجاب (دعوة الوالد لولده) الوالدان والأم بالخصوص أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن صحابتها حين قال عليه الصلاة والسلام (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك) لقد دعا عليه الصلاة والسلام على من أحيا الله له أبويه أو احدهما ولم يدخل الجنة دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (بعدا عن الجنة وامن على هذا الدعاء جبريل الأمين عليه السلام) إن ذلك كان يطوف بالكعبة وهو حامل والدته على عنقه وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أديتها حقها يا رسول الله فأجابه عليه الصلاة والسلام (لا ولا طلقة وأنت في بطنها) ومثل ذلك ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ذلك الذي اشتكى به أبوه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذهب أنت ومالك لأبيك). إن في الإحسان إلى الوالدين الاعتراف بالجميل وفي حسن معاشرتهما تامين لان يعامل بالمثل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم) وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء مبينا لما ورد في كتاب الله العزيز أكثر من أن نأتي عليه وإنما هو التذكير وعملا بقوله جل من قائل (وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين) وما أحوجنا جميعا في هذا الزمان إلى التذكير بحقوق الآباء والأمهات وواجباتنا نحوهم فهنالك اليوم تقصير كبير من طرف الأبناء والبنات نحو آبائهم وأمهاتهم خصوصا عندما تتقدم بهم السن ويصبحون في حالة ضعف ففي هذه المرحلة من أعمار الآباء والأمهات، في مرحلة الضعف والحاجة إلى الرعاية والعناية ونلاحظ مع الأسف الشديد زهدا وعزوفا من طرف الأبناء في الوقوف بجانب والديهم وقد يصل الأمر بالبعض إلى اخذ آبائهم وأمهاتهم إلى مأوى العجز وقد لا يزورونهم الأسابيع والأشهر وهذا والعياذ بالله عقوق ونكران للجميل والانشغال بالأبناء والزوجة وبالدنيا على الآباء والأمهات مما تأباه الأخلاق الحميدة والقيم الدينية والإنسانية ولأجل ذلك ناسب أن يكون الأمر بالإحسان إلى الوالدين في المرتبة الثانية مباشرة بعد الأمر بعدم الشرك بالله الذي هو ظلم عظيم وظلم كبير وفي الدرجة الثانية مباشرة إن عقوق الوالدين ظلم كبير. إن بر الوالدين هو أفضل الأعمال فعن ابن مسعود رضي الله عنه انه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قلت ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله قال ابن مسعود حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني. تحريم قتل الأولاد خشية الإملاق * الوصية الموالية التي وردت في هذه الآيات من سورة الأنعام هي عدم قتل الأولاد قال تعالى (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم) والنهي عن قتل الأولاد إما بالوأد بالنسبة للبنات (وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت) (أيمسكه على هون أم يدسه في التراب) أو قتل الأولاد خشية الفقر (الإملاق) وقد كان سائدا في الجاهلية ورد النهي عنه وتحريمه في آيات عديدة من ذلك قوله جل من قائل (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم) وهو من أعظم الكبائر وهو من علامات ضعف اليقين والثقة في الله الذي برزق كل من خلق وما خلق (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) وقد اعتبر الله تبارك وتعالى قتل الولد من أعظم الذنوب ومن اكبر الكبائر وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه انه سال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي الذنب أعظم؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت ثم أي؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت ثم أي؟ قال أن تزاني حليلة جارك ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذين لا يدعون مع الله إلها آخرا ولا يقتلون النفس التي حرم الله بالحق ولا يزنون). تحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن * الوصية الموالية التي ورد الأمر بها في سورة الأنعام هي الاقتراب من الفواحش وإتيانها قال جل من قائل (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) والفواحش جمع فاحشة وهي المنكر من الفعل المشين المنافي للقيم الأخلاقية والدينية التي يأباها العقل السليم والفطرة النقية الطاهرة وقد ورد في كتاب الله العزيز النهي الشديد والوعيد والنكير على من يأتون الفواحش ويقربونها ويضربون عرض الحائط بالقيم الأخلاقية والدينية ويأتون الموبقات ويفقدون الحياء فهؤلاء هم من لا يعفوا الله عنهم لأنهم يعصون الله ولا يستترون ويأتون الذنوب ولا يتوبون ويستغفرون، انه الفسوق والفجور المؤذن بحلول غضب الله واستحقاقه يقول جل من قائل في سياق الوعيد الشديد (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) وقد قص علينا القرآن الكريم أخبار أمم وقبائل انحدرت إلى هذا الحضيض فأخذهم الله اخذ عزيز مقتدر فأصبحوا أثرا بعد عين لقد مسخهم الله مسخا وزلزل بهم الأرض زلزالا وما ظلمهم ربهم ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم لأجل ذلك أمر الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح والارشاد كل ذلك بحكمة ورفق لعل الله يهدي من زلت بهم القدم فيتوبون وينيبون فيجدون الله توابا غفورا رحيما. وهذه الفواحش التي حرمها الله على عباده في إتيانها وارتكابها عين الهلاك والمضرة في النفس أو العرض والأخلاق وقد بدت اليوم جلية الآثار السلبية المدمرة للفواحش وغير بعيد عنا تلك الإحصائيات المرعبة المفزعة عن أوبئة السبب الأصلي والأساسي لها هو إتيان الفواحش من زنا ولواط وشذوذ وغير ذلك بينما يكون في مأمن منها وفي حصانة من مخاطرها من يبتعدون ولا يقتربون من الفواحش الظاهرة. إن الله تبارك وتعالى ينهانا عن الاقتراب والإتيان للفواحش الباطنة التي هي من قبيل الفواحش المعنوية كإضمار الشر والحقد والكراهية والحسد وغير ذلك فكل ذلك ينهى عنه الله عباده المؤمنين ويأمرهم أن يجتنبوه يقول جل من قائل (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق) ويقول جل من قائل (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا احد أغير من الله من اجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) وما أجمله وما أكمله وما أعمه التعبير في الآيات وفي الأحاديث عن الفواحش في الإطلاق والتحريم للفواحش ما ظهر منها وما بطن لان الله تبارك وتعالى يريد من المؤمن أن يكون ظاهره كباطنه وسره كعلانيته تطابق كامل وسلامة كاملة وطهارة ونقاوة شاملة مادية ومعنوية ذلك هو النموذج الأمثل وذلك هو ما يدعو الله إليه عباده إذ ببلوغهم إلى هذه المرتبة يستحقون الخلافة لله ويستحقون التكريم من الله ويستحقون التفضيل لهم على الملائكة تلك المخلوقات من نور والتي غذاؤها العبادة والذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ومع ذلك فالأتقياء الأنقياء الأطهار من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن تطابق فيهم الظاهر مع الباطن ومن هم ابعد ما يكونون عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن في منزلة رفيعة عند ربهم إنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. تحريم قتل النفس * الوصية الموالية من وصايا سورة الأنعام هي تحريم قتل النفس البشرية قال تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) قتل النفس البشرية عدوان عظيم وظلم كبير فالله تبارك وتعالى هو وحده المحي والمميت وقاتل نفس بشرية واحدة هو كقاتل الناس جميعا يقول جل من قائل (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) إن النفس البشرية عزيزة على ربها وخالقها أيا كانت هذه النفس البشرية، حرام قتلها مهما كان دينها مهما كان جنسها مهما كان لونها، إنها نفس بشرية إزهاقها ظلما وعدوانا جرم عظيم والله تبارك وتعالى يقول في الحديث القدسي (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراما فلا تظالموا) يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) وعن عائشة رضي الله عنها في حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خصال زان محض يرجم ورجل قتل متعمدا فيقتل ورجل يخرج من الإسلام وحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض). وروى البخاري عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله فقد اخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا) فهذه الأحاديث وغيرها كثير والتي منها تذكيره عليه الصلاة و السلام في حجة الوداع (ألا وان دماءكم وأعراضكم وأموالكم بينكم حرام كحرمة الشهر الحرام والبلد الحرام ألا هل بلغت اللهم فاشهد) كل هذه الأحاديث وقبلها الآيات القرآنية تعتبر قتل النفس البشرية ظلما وعدوانا من اكبر الكبائر ومن أعظم الذنوب ينبغي اجتنابها وعدم إتيانها ولا يخفى ما في هذا الوعيد الشديد من الأثر الفعال في جعل الأنفس البشرية معصومة لا تنتهك ولا تقتل ويختم الله تبارك وتعالى هذا الجزء من وصايا سورة الأنعام بقوله جل من قائل (ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أحدكم يجمع أربعين يوما نطفة وأربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة ثم يأتي ملك فينفخ فيه الروح ويكتب له رزقه وأجله). وفي الأثر أن الإنسان يطلبه رزقه كما يطلبه أجله. يقول ابن عطاء الله: إن الله كتب لنا الرزق ولم يكتب لنا الجنة ويا ليته كتب لنا الجنة ولم يكتب لنا الرزق. وما أجمله التقديم (نحن نرزقكم وإياهم) فالله تبارك وتعالى يضمن الرزق للجميع، لمن يخشى الفقر على نفسه وغيره. ها لقد بينت هذه الآيات الكريمة تحريم المولى جل وعلا للفواحش من الأقوال والأفعال ما ظهر منها وما بطن والفواحش هي كل هذه الشرور التي لا مصلحة فيها ولا منفعة فيها وفي تحريمه على المؤمنين عين الرشاد والفلاح والصلاح فالفواحش لا تخلو مضارها أن تكون جسدية أو روحية نفسية أو عقلية عاجلة أو آجلة للفرد أو للجماعة. وكذلك تضمنت الوصايا العشر، من سورة الأنعام تحريم قتل النفس البشرية فالمحي والمميت هو الله سبحانه وتعالى، في كل الأديان السماوية للنفس البشرية حرمة، إنها عزيزة على خالقها لذلك قال جل من قائل (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). وكان مما ذكر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع تحريم المولى سبحانه وتعالى لقتل النفس فقال عليه الصلاة والسلام (إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام كحرمة الشهر الحرام ألا هل بلغت اللهم فاشهد). وتذكيره عليه الصلاة والسلام بتحريم قتل النفس إنما هو تحذير مما عسى أن يقع فيه المسلمون من بعهد فينقلبوا كفارا بعد أن هداهم الله يضرب بعضهم أعناق بعض. (ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) فمن يعقل لا يمكن أن يخالف هذه أو يجانبها ففي ذلك عين الهلاك وفي ذلك غضب الله وفي ذلك استحقاق لشديد عذابه. أكل أموال اليتامى يقول جل من قائل (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) وصية أخرى من وصايا سورة الأنعام وصية أخرى من الوصايا العشر تتمثل في التحذير من أكل مال اليتيم أو الأيتام وهم ضعاف حذّر الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين من ظلمهم والاعتداء عليهم. وقد أمر الله تبارك وتعالى نبيه ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام بعدم قهر اليتيم (فأما اليتيم فلا تقهر) وقهر اليتيم لا يتصور من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن هم المعنيون بهذا الأمر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشرّ بيت في المسلمين فيه يتيم يساء إليه) والأحاديث الداعية إلى حسن معاملة الأيتام ورعايتهم والمحافظة على حقوقهم كثيرة جدّا. فالأيتام وهم ضعاف معرضون للتعدي على حقوقهم وبالخصوص الحقوق المالية وكثيرا ما يحصل ذلك بين الأقارب وذوي الأرحام الذين يستغل بعض ضعاف النفوس ممن لا يخافون الله صغر سنهم وعدم إدراكهم وفقدانهم للسند العائلي الأمين فيأكلون أموالهم بالباطل ويعيثون فيها فسادا وتلك خيانة عظمى وجناية كبرى وذنب عظيم. وهو لا يثمر وهؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى إنما يأكلون النار في بطونهم، فالتصرف في أموال اليتامى لا ينبغي أن يكون إلا بالتي هي أحسن. فالحفاظ على أموال اليتامى ينبغي أن يتواصل إلى أن يبلغ اليتيم سن الرشد والقدرة على التصرف الصحيح والحسن في أموالهم. الميزان بالقسط قال تعالى (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نعلف نفسا إلا وسعها). وصية أخرى في مجال المعاملات بين الناس وبالخصوص في المجال المادي والمالي إذ كثيرا ما يقع الحيف والظلم وكثيرا ما يسوّل الشيطان للنفس أكل أموال الناس بالباطل وضم ما ليس لهم وما ليس من حقهم كل ذلك جريا وراء الربح العاجل غافلين أو متجاهلين متناسين أن ذلك سحت وهو نار يأكلها هؤلاء. وأن هذا الحرام لا يثمر بل إن ضمه إلى المال الحلال إنما هو إتلاف له. وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين من المال الحرام وحقوق الآخرين فقال عليه الصلاة والسلام (إن لحما نبت من الحرام النار أولى به). وقال عليه الصلاة والسلام (إنّ أحدكم يلقي باللقمة الحرام في بطنه يبقى أربعين يوما غير مستجاب الدعوة) وذكر (الرجل الأشعث الأغبر يطيل السفر يرفع يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب أنى يستجاب له ومأكله من حرام ومشربه من حرام وقد غذي بالحرام) وقال عليه الصلاة والسلام: (فمن اقتطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما اقتطع له به قطعة من نار) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن سأله أريد أن أكون مستجاب الدعوة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة) والآيات القرآنية واضحة جلية في بيان مما أعده الله من عذاب شديد للمطففين (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك إنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين) فالمطلوب من المؤمن أن يبذل قصارى جهده في تحري الحلال والابتعاد عن الحرام فعليه أن يوفي الكيل والميزان بالقسط (لا نكلف نفسا إلاّ وسعها). رحمة من الله بعباده وفي ذلك مراعاة لضعفهم. الصدق والوفاء بالعهد يقول جل من قائل (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم له لعلكم تذكرون). يوصي الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بأن يكون ما يقولون وما تنطق به ألسنتهم موافقا ومتطابقا مع الحق والصواب فلا يقول الواحد منهم إلا الحق. واللسان هو أحد الأصغرين إذ (المرء بأصغريه قلبه ولسانه)، وتبيينا لأهمية ما تنطق به الألسنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الصحابي الذي هوّن من ما تنطق به الألسنة قال له (ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم) ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقول إلا خيرا أو يصمت والكلمة عمل إما صالح أو غير صالح. فكلمة الحق والشهادة بالحق عامة سواء كانت لقريب أو بعيد. ويدعو الله تبارك وتعالى عباده إلى أن يوفوا بالعهد (وبعهد الله أوفوا) ذلك أنه من علامات النفاق والعياذ بالله خيانة العهد وعدم الوفاء به (آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان). (إن العهد كان مسؤولا) يعقب الله جل وعلا على هذه الوصايا بقوله (ذلكم وصاّكم به لعلكم تذكرون). اتحاد الكلمة وعدم التنازع وتختم وصايا سورة الأنعام، وهي الوصايا العشر والتي جاءت في كل الكتب السماوية ووصى بها كل الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام بقوله جل من قائل (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلكم تتقون) هذا الصراط هو الذي هدى الله إليه عباده المؤمنين (إهدنا الصراط المستقيم) الذي هو المحجة البيضاء التي لا يختلف ليلها عن نهارها والتي لا يزيغ عنها إلا هالك. فسبيل الله واحد من سلكه نجا ومن حاد عنه هلك وضل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله سنتي) أمر الله عباده بأن يكونوا على قلب رجل واحد ودعاهم إلى الاعتصام بحبل الله (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ونهاهم عن التنازع والاختلاف (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) فأمة الإسلام واحدة (وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) وقد ذكر الله تبارك وتعالى عباده بما كانوا عليه في الجاهلية (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) إن سبيل الله واحد والاختلاف والتنازع والتشرذم فيه الضعف وفيه غضب الله الذي يريد من عباده المؤمنين (أن يكونوا في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى) كما شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين (بالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا) ذلك هو سبيل الله الذي يرشد إليه كتاب الله العزيز وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام أما غير هذا السبيل فهي سبل الشيطان لا تؤدي إلا إلى غضب الله ولا ينجر عنها وعن أتباعها إلا الضلال والضياع والهلاك والضعف. هذا ما حذّر الله منه عباده وهذا ما ذكرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نفى عنهم الإيمان كليا إذا لم يحب (الواحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه) فهم رحماء بينهم تلك هي صفتهم المميزة لهم (فالمؤمنون إخوة) وهم (يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم). ما أبلغها من وصايا وما أحوج الناس إليها في كل الأزمان وفي كل البيئات إنها وصايا الله لعباده بلغها لهم أنبياؤه ورسله عليهم الصلاة والسلام وانزلها الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فتضمنها كتاب الله العزيز القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وجاءت في سورة الأنعام نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا للعمل بما فيها إنه سبحانه وتعالى سميع مجيب.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.