في رحاب القرآن:التفكر في آيات الله في السماوات والأرض سبيل لترسيخ الإيمان

في رحاب القرآن:التفكر في آيات الله في السماوات والأرض سبيل لترسيخ الإيمان


يقول الله تبارك وتعالى: “وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمان الرحيم إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البكر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون”. صدق الله العظيم- الآيتين 163 و164 من سورة البقرة من يستعرض سور وآيات القرآن الكريم يجدها مليئة بالدعوة إلى التفكر والتدبر والتعقل فيما خلق الله تبارك وتعالى، فالعقل الذي كرم الله به بني آدم، وبه كلفهم (إذ كل تكليف بشرط العقل) هذا العقل دعي الإنسان إلى الاستفادة منه والنظر به في كل ما خلق الله بداية بذات الإنسان التي هي عالم مركب عجيب (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ثم يأتي النظر فيما يحيط بالإنسان وهو ملكوت الله الواسع ولذلك جاء الأمر بالسير في الأرض (قل سيروا في الأرض). ذلك هو منهج القرآن الكريم في الاستدلال بالمصنوع على الصانع وبالمخلوق على الخالق، وقد ورد في الحديث الشريف (تفكروا في آيات الله (أي ما خلق وصنع وأوجد) ولا تتفكروا في ذات الله) ذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن الإحاطة به إذ كل ما تتصور ببالك فالله بخلاف ذلك. وهذان الآيتان من سورة البقرة تندرجان ضمن هذا السياق من الآيات الني تلفت النظر إلى عظمة صنع الصانع، الخالق الموجد الذي يقول للشيء (كن فيكون)، الله جل جلاله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يكن له كفؤا احد. * قوله تعالى (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمان الرحيم) إنها الحقيقة التي يدل عليها كل شيء، لا إله إلا الله، لا إله إلا هو الرحمان الرحيم. قال ابن عباس رضي الله عنهما (قالت كفار قريش: يا محمد انسب لنا ربك فانزل الله تعالى سورة “الإخلاص” وهذه الآية (لا إله إلا هو) نفي واثبات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان آخر كلامه لا اله إلا الله دخل الجنة) خرجه مسلم. * قوله تعالى (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار..) قال عطاء: لما نزلت (وإلهكم إله واحد) قالت كفار قريش: كيف يسع الناس اله واحد؟ فنزلت (إن في خلق السماوات والأرض). فخلق السماوات ورفعها بغير عمد تشدها واتساع فضاءاتها ومجراتها والنجوم والكواكب التي تسبح في مجالاتها الرحبة في دقة لا توصف كل ذلك دليل وبرهان على قدرة الله، فهي لم تخلق نفسها ولم تنتظم في دوراتها وجريانها دون أن ترتطم ببعضها هكذا عفويا ومصادفة، فالمصادفة مستحيلة، إنما هو الانتظام والإحكام الذي وراءه قدرة الله الواحد الأحد الذي يقول للشيء (كن فيكون) فهذا البرهان والدليل مقنع اللهم إلا من عميت بصائرهم (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وهذا البرهان أي النظر في السماوات والنظر في الأرض الفسيحة الأرجاء الممتدة امتداد البصر وأوسع وابعد وما بث فيها (الأرض) من الخيرات المتمثلة فيما يخرج منها من أشجار وثمار وما في باطنها وما يتنزل من السماء من ماء يحيي الأرض كل ذلك مما لفت إليه الله أنظار عباده ليعرفوا ما انعم به إليهم مما لا يمكن عده ولا حصره فنعم الله لا تحصى (وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها). * قوله تعالى (واختلاف الليل والنهار) ففي تعاقبهما وما فيهما من الأوصاف: النور والظلمة والطول والقصر والنهار يقابل الليل زمنيا وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. * وقوله تعالى (والفلك التي تجري في البحر) أي تسخير الله إياها حتى تجري على وجه الماء ووقوفها فوقه مع ثقلها. وبعد أن أورد القرطبي مختلف الأقوال فيما يتعلق بركوب البحر قال: (فدل الكتاب والسنة والمعنى على إباحة ركوبه (البحر) للمعنيين جميعا: العبادة (لآداء فريضة الحج) والتجارة فهي الحجة وفيها الأسوة إلا أن الناس في ركوب البحر تختلف أحوالهم، فرب راكب يسهل عليه لا يشق وآخر يشق عليه ويضعف به كالمائد المفرط الميد ومن لم يقدر على أداء فرض الصلاة ونحوها من الفرائض، فالأول ذلك له جائز والثاني يحرم عليه ويمنع منه). * قوله تعالى (وما ينفع الناس) أي بما ينفعهم من تجارة تتحقق منها الأرباح. * قوله تعالى (وما انزل الله من السماء من ماء) وهي الأمطار التي هي اصل الحياة إذ بالماء يخرج النبات والزرع وتثمر الأشجار وكل ذلك بقدرة الله وعطائه سبحانه وتعالى. * قوله تعالى (وبث فيها من كل دابة) فالله تبارك وتعالى هو الذي أوجد كل الموجودات التي على وجه البسيطة (وتصريف الرياح) فالله تبارك وتعالى بقدرته التي لا حد لها هو من يصرف الرياح وهو تبارك وتعالى من يسخر السحاب. * قال جل من قائل (والسحاب المسخر بين السماء والأرض) وسخره بمعنى بعثه من مكان إلى آخر في كل ذلك أدلة قاطعة وبراهين مقنعة على قدرة الله سبحانه وتعالى ولذلك عقب الله تبارك وتعالى بقوله (لآيات لقوم يعقلون) فالذين يعقلون ويتفكرون ويتدبرون عندما ينظرون في كل ما ورد في هذين الآيتين وغيرهما من الآيات يدفعهم كل ذلك إلى التسليم والإيمان، الإيمان الراسخ الذي لا يتزعزع وهذا المنهج هو الذي نراه يتكرر في القرآن الكريم وهو الذي جاءت العلوم والمعارف على مر العصور لتجعله احد البراهين المقنعة والأدلة القاطعة على وجود الله سبحانه وتعالى وهو كذلك احد وجوه الإعجاز القرآني أي الإعجاز العلمي الذي لا تزال تكتب فيه البحوث والدراسات من طرف مسلمين وغير مسلمين مبينين جميعا سبق القرآن وصحة ما جاء فيه مما يزيد إيمان المؤمنين رسوخا.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.