تجربة الرسوم المسترسلة في تصوير القصص القرآني: تقويم تجربة في الكتابة للأطفال

تجربة الرسوم المسترسلة في تصوير القصص القرآني: تقويم تجربة في الكتابة للأطفال


الكتابة للأطفال فن واختصاص يحتاج إلى خبرة وتجربة وفطنة وذكاء وتقدير ومراعاة لكل ما في عالم الطفل من خصوصيات لا بد من اعتبارها للوصول إلى الغاية التي هي إيصال المعلومة المراد تبليغها وضمان استيعابها ولذلك لم يتجاسر على الكتابة للأطفال إلا القليل من الكتاب ولم يلق بعض ما كتب للأطفال الرواج والقبول في عالم الأطفال الذي هو عالم رحب وفسيح يلتهم بطاقة عجيبة كل ما يصادف لديه قبولا واستحسانا. ولا بد من الاعتراف أننا في البلاد العربية لا نزال في بداية الطريق في مجال الكتابة للأطفال خصوصا بالأساليب العصرية والمتطورة ولا تزال الكتب الدينية الموجهة للأطفال قليلة في عدد عناوينها رغم أن نسب الأطفال والشبان في شعوبنا العربية والإسلامية عالية بالمقارنة مع بقية الفئات. ولقد دفع الإحساس بهذا الفراغ بعض الكتاب إلى اقتحام هذه الساحة والقيام بمبادرات تفاوتت في جدتها وتطور أساليبها وعند إحدى زياراتي لفرنسا وأثناء تجولي في أرجاء معرض الكتاب الذي يقام سنويا في صحن جامع باريس الكبير الواقع في المنطقة الخامسة عثرت على ثلاثة أجزاء من كتاب موجه للأطفال كانت هي النسخ الأخيرة الباقية في الجناح المعروضة فيه وقد سبق أن بلغني عن طريق بعض الصحف خبر صدور هذه السلسلة من الكتب الدينية الموجهة للأطفال والتي تحمل عنوان: (نحن نقص عليك أحسن القصص) وكاتب هذه القصص هو يوسف الصديق وما إن وقعت على هذه الأجزاء الثلاثة من هذه السلسلة حتى عادت بي الذاكرة إلى أوائل التسعينات عندما عرض هذا المشروع على الهيئات الدينية في الدول الإسلامية والتي منها المجلس الإسلامي الأعلى بتونس وقد انقسمت آنذاك الآراء حول جواز وعدم جواز صياغة قصص القرآن بالأسلوب الذي عرض به المؤلف نماذج له وقد رأى حينذاك أننا في البلاد العربية متأخرون في مواكبة نسق الكتابة للأطفال وذلك باستعمال الصور التي تختزل وتعبر أدق تعبير عن مشاهد يكتفي فيها بالكلمة المكتوبة في حين أن تصويرها من شأنه أن يشوق القارئ ويدفعه إلى المزيد من الإطلاع وهذا لدى الأطفال ملحوظ وقد واكبته دور النشر في البلدان المتقدمة واستطاعت أن تبسط كل المعارف وتقربها من الطفل الذي لا يزال في بداية تصوره للأمور وفي بداية استيعابها. هذه الحاجة الماسة لم تصادف القبول الكامل في البداية عملا بقاعدة سد الذرائع التي أغلق بها الكثير من الفقهاء -لعل ذلك عن حسن نية- الأبواب أمام المبدعين والمجتهدين في مختلف المجالات والميادين وكان الأجدر أن تقابل هذه القاعدة عند الأخذ بها بقاعدة أخرى جليلة تفتح أمام المسلم الآفاق واسعة وعريضة وهي قاعدة المصلحة المرسلة أي المصلحة المسكوت عنها غير المرعية ولا الملغاة وبواسطة هذه القاعدة التي استنبطها الإمام مالك يصبح الدين سبيلا للمزيد من الإبداع والاجتهاد. وتخوف الفقهاء والشيوخ من مثل هذه الصياغة العصرية للقصص القرآني مرده الخشية من تصوير وتشكيل بعض رموز العقيدة والدين كالأنبياء والرسل والملائكة وغيرهم ممن لا يرتقي خيال فنان أو قلم كاتب إلى تصور ذواتهم كما هي. وقد وقع التعهد بعدم المس بالنص القرآني في شكله ومضمونه من حيث الرواية وحتى شكل الكتابة بالإضافة إلى عدم تصوير الأنبياء والرسل والملائكة وكل الرموز الدينية لما حصل في عالم النشر للأطفال وبالاعتماد على المصادر العلمية والدينية الموثوقة وبأسلوب مشوق هو أن يستقرئ ويستنطق ما يزيد القصة حيوية وتشويقا دون أن يخالف مضمون النص القرآني أو يتعارض معه. وكتب التفسير والتاريخ والحوادث مليئة بالمعطيات المثرية للقصة القرآنية والسائرة في نسقها. قدم في هذه السلسلة هو الصياغة العربية بالكلمة وبالصورة المسترسلة للأحداث الواردة في القصص القرآني لا أكثر ولا أقل. وكل ذلك وقعت الإشارة في مقدمة أحد أجزاء هذه السلسلة حيث عبر المؤلف في البداية عن الحالة التي عاشها في طفولته ويعيشها كل واحد منا مع أطفاله وهي تلك الأسئلة المحرجة التي يلقيها علينا أطفالنا حول أحداث وأسماء وأعلام يكثر ترددها في سور القرآن والتي يحفظها الأطفال عن ظهر قلب وتظل طلاسم غير قابلة للفهم والتصور لربما إلى آخر الأعمار وكثيرا ما يتسبب ذلك في نفورهم من الدين والحال أن هذا النفور لا مبرر له ولا يمكن اتهام أطفالنا بالانسلاخ والتحلل بل على العكس فهم شديدو الاعتزاز بموروثهم وثقافتهم ولكنهم لم يخاطبوا على قدر عقولهم وإمكاناتهم الذهنية ونجاح هذه المحاولة دليل على صحة ما نذهب إليه. وبعد أن يورد المؤلف في المقدمة نصوصا موثقة عن خلفيات الموقف الديني من التصوير والتشخيص للأنبياء والرسل والملائكة يقول (لذلك نزهنا في هذا العمل الأنبياء والرسل والملائكة تنزيها مطلقا عن كل تشخيص وجعلنا الأنبياء الذين هم محاور القصص القرآني حاضرين ذاتا وذكرا غائبين رسما وهيئة) ص4 طريقة الرسوم المسترسلة طريقة تكاد تكون جديدة في المكتبة العربية الإسلامية وهذا الفن لم يحصل عندنا بعد على تقاليده وقواعد أحكامه التي تفرض دقة النسيج بين الرسم والتلوين والنص ومنطق استرسال الرسوم داخل اللوحة ثم تعاقب اللوحات واستتباعها حتى نهاية القصة... ولهذا الفن اليوم شعب وكليات ويتلقى أصوله مئات وآلاف الطلبة وقد ازدهر نتاج هذا الفن في اووروبا وأمريكا وآسيا ويصدر الناشرون ملايين النسخ للعنوان الواحد عديد المرات في الشهر... والقارئ العربي يعرف أبطال وشخصيات ميكي واسبرتكيس وتانتان وغير هؤلاء... ويعود المؤلف بذاكرته إلى الوراء وكيف كان يكرر ما حفظه من السور بمعية والده وكيف كلن والده يحاول بصعوبة ومشقة أن يجيب على تساؤلاته ويقرب له المعاني الواردة في القصص القرآني وما كان يجد في ذلك من متعة وراحة نفسية وآفاق واسعة تتفتح أمام مخيلته. وظلت تلك المشاهد القرآنية لا تغادر مخيلته وتدفعه إلى انجاز مشروع يمتع الفتيان والفتيات بهذه النصوص المقدسة “من أحسن القصص” إلى أن التقى بفريق من المحترفين في فن “الرسوم المسترسلة” حيث مدهم بسرد قصصي يجمع بين آي القرآن الكريم التي تعرضت اقتضابا واسهابا للأنبياء أو لحادثة من أخبار الأولين وبين ما انتقاه من نصوص توضيحية أو تعاليق لم ترد في الكتاب العزيز والتي جمعها من أمهات كتب التفسير والحديث والتاريخ... وراقب عمل الرسامين مراقبة صارمة حتى لا يحيدوا عن الدقة وحتى ينزهوا الكتاب المبين عن كل شائبة وعن كل ما يمكن أن يحدث اللبس أو أن يمس بقداسة التنزيل... بهذه الضمانات قدم يوسف الصديق عمله في الكتابة الدينية للأطفال فالتناسق واضح بين الرسوم والأشكال حتى من ناحية الوانها وبينها وبين النص المكتوب والمصاغ اتماما واكمالا لما ورد مجملا في النص القرآني المكتوب بدقة وبلون خاص وفي مكان معين من صفحات الكتاب، كل ذلك يجعل هذه السلسلة من الكتاب الديني الموجه عادة إلى الأطفال -لكن لا غنى عنه حتى للكبار- سلسلة تشهد إقبالا وقبولا.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.