الحياة الروحية في الإسلام: ثراؤها وخصائصها محور أشغال الملتقى الحادي والعشرين للفكر الإسلامي (معسكر الجزائر 1408هـ/1987م)

الحياة الروحية في الإسلام: ثراؤها وخصائصها محور أشغال الملتقى الحادي والعشرين للفكر الإسلامي (معسكر الجزائر 1408هـ/1987م)


[درجت وزارة الشؤون الدينية في الجزائر طيلة سنوات عديدة على تنظيم ملتقى للفكر الإسلامي تعقده كل صائفة في ولاية من الولايات الجزائرية وتدعو إليه ثلة من العلماء والمفكرين والمستشرقين من مختلف البلدان وعلى امتداد ما يزيد على أسبوع تلقى البحوث والمحاضرات في محاور مختلفة تكون متبوعة بتعقيبات ونقاشات تزيد المواضيع المطروقة عمقا ويتم توثيق كل ذلك بالكلمة والصورة لينشر بعد ذلك ويبث ويذاع. وحرصا من وزارة الشؤون الدينية على الاستفادة من العلماء والمفكرين والشيوخ المشاركين في هذه الملتقيات تدعوهم لإلقاء دروس ومحاضرات في المساجد وعلى منابر النوادي وفي مبيتات الطلبة الذين يحضرون بكثافة أشغال هذه الملتقيات. وقد واكبت مجلة (جوهر الإسلام) في حياة مؤسسها فضيلة الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله أشغال هذه الملتقيات وذلك بالحضور والمساهمة في أشغال هذه الملتقيات وبإلقاء الدروس والمحاضرات وبتخصيص أعداد من جوهر الإسلام لنشر بعض البحوث والدراسات واستمر هذا الحضور وذلك التفاعل الايجابي مع ملتقيات الفكر الإسلامي بعد وفاة المؤسس سنة 1975 فقد ظلت مجلة (جوهر الإسلام) على هذه السنة الحميدة فتنشر بحوث ملتقيات الفكر الإسلامي وهي بحق بحوث هامة وفي قضايا حساسة وتنشر عروضا تعطى فكرة شاملة على ما يدور في هذه الملتقيات ومنها هذا الملتقى الواحد والعشرين 1408هـ/1987م الحياة الروحية في الإسلام) والذي احتضنته مدينة معسكر الواقعة في الغرب الجزائري ننشر هذا العرض تعميما للفائدة بعد أن كان نشر على صفحات مجلة (جوهر الإسلام) ومجلة (البلاغ) الكويتية وجريدة (الصباح) التونسية. وقد أحسنت وزارة الشؤون الدينية صنعا حين أعادت نشر كل أعمال الملتقى العلمي الهام الحياة الروحية في الإسلام نظرا لأهمية القضية التي تطرق إليها ولقيمة من شاركوا فيه من العلماء والمفكرين والشيوخ] *********** * من بين المحاضرات التي ألقيت وأثارت جدلا كبيرا محاضرة الأستاذ مولود قاسم رحمه الله وزير الشؤون الدينية الأسبق وعضو الأمانة الدائمة المكلف بالمجلس الأعلى للغة الوطنية وكانت بعنوان: إسلام أم استسلام أو الحياة الروحية هي السفينة الروحية والأستاذ مولود قاسم صاحب ثقافة موسوعية يتقن عديد اللغات الأجنبية ومتبحر في التاريخ الجزائري بالخصوص يكسو مشاركاته في الملتقيات بجو من المرح الخفيف فينتقي عباراته ويرجعها إلى أصولها العربية ولو بدت في ظاهرها غريبة عن الذوق السليم ومما جاء في المحاضرة بعد مقدمة شعرية اقتبسها الأستاذ مولود قاسم من الياذة الجزائر للشاعر مفدي زكرياء وتتعلق هذه النتف الشعرية بتاريخ المنطقة التي انعقد فيها الملتقى وهي معسكر حيث يقول مفدي: معسكـر فجر عزم الشبـاب * فطـاول عمـلاقها الانجمـا وبـويع شاعرها الهاشمـي * فكابدهـا القـائـد الملهمـا يصوغ النظام ويبري الحسام * فيقطـر ذاك، وهـذا دمــا ومما جاء في المحاضرة (جاء الإسلام جامعا بين الحسنيين والعنصريين المتكاملين المترابطين: الروح والمادة، الروح والجسم بل حتى في مجال النشاط الإنساني البحت، المجهود الفكري المحض الفلسفي الخالص نجد أن اكبر فيلسوف في العصر الحديث الألماني ايمانوال كانط أقام فلسفته النقدية في نظرية المعرفة على هذا الجمع بين الروح والمادة بين العقل والمحسوسات أي الماديات فقال في مقدمة الطبعة الأولى من كتابه الشهير: نقد العقل المحض: (إن كل إدراك قائم على عنصرين اثنين ضروريين متكاملين أي لا يتم بدونهما ولا معنى لأحدهما بدون الآخر: التصورات أو المفاهيم أو القوالب الذهنية والإحساسات أي المدركات الحسية للحواس.. ومن هنا نرى أن ضرورة الجمع بين الروح والمادة، بين الروح والجسم ليست جديدة، فماذا يكون الجسم بدون روح؟ فنحن لسنا ملائكة، كائنات نورانية أرواحا بلا أجسام ولكن لسنا أيضا أجساما فقط جثثا هامدة جيفا بلا أرواح بل انه حتى الحيوانات فهي تشاركنا في توقف الحياة أي الموت عند توقف نبض القلب. ومع هذا الارتباط الواضح الجلي بين الروح والمادة كان من الضروري ومن المفيد جدا لمن يطرق مثل هذا الموضوع في بداية القرن الخامس عشر الهجري وعلى أعتاب القرن الواحد والعشرين والمادة أطغى ما تكون على الجميع وبلبلة الأفكار على أشدها في العالم وخاصة في عالمنا الإسلامي الذي بعد أن فقد القوة المادية وتضاءلت لديه القوة الروحية إلى حد الزوال أصبح يتساءل بحق عن مصيره: فماذا سيكون بعد أمد قصير فضلا عن البعيد؟ فللخروج من هذه الوضعية المهرودة (الهردة كلمة عربية فصحى انظروا في لسان العرب عند ابن منظور: هرده يهرده هردا، فهو مهرود وهي مهرودة، أهلكه وقطعه ومزقه وخرقه). أقول إذن: للخروج من هذه الوضعية المهرودة المخرقة الممزقة المقطعة المهلكة، للانتعاش من جديد من سرداب الهمود والجمود والخمود وللخلاص من مستنقع التذبذب والاختلال والانحلال الذي يعقبه الاحتلال بمختلف معانيه وأبعاده ولإيجاد التوازن من جديد بين موجة الشك والإلحاد والمروق من جهة ودهاليز الدروشة والتزييف والتحريف والتخريف من جو الوعدة والقعدة والزردة والهردة (الزردة هي الولائم الدينية الكبرى التي يختلط فيها الحابل بالنابل أحيانا كثيرة حتى الرجال والنساء وهي أيضا كلمة عربية فصحى: زرد وازدرد: ابتلع بدون مضغ من شدة الشره والنهم!) فلا بد من أن نلقي نظرة نقدية فاحصة نظرة ناقدة غير حاقدة ولا راقدة على وضعنا وعلى ضياعنا وضعتنا لنصلح من شأننا (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وفعلا فهناك موجة الحاد ومروق من جهة وهناك من جهة أخرى موجة دروشة وتضليل ووثنية وإشراك عباد الله لله باسم الدين وهو براء من ذلك). واستعرض الأستاذ مولود قاسم نماذج من رجالات الإسلام الذين يجمعون بين العلم والعمل والجهاد من اجل عزة وقوة المسلمين التفت إلى من اعتبرهم تنكبوا الجادة وحادوا عن الطريق المستقيم من أمثال الحلاج والرومي والمرسي والقونوي وابن الفارض والسهروردي ومحي الدين بن عربي وابن سبعين والصيادي والكتاني وكل من أتى بعدهم من أهل الحلول والاتحاد!! ممن يقولون بسقوط التكليف عنهم!! من أهل القعدة والوعدة والزردة والهردة والجمود والخمود والهمود فضلا عن السلبية بالنسبة إلى قضايا بلادهم أو التعاون مع العدو المحتل!!). وقد أثارت هذه المحاضرة جدلا كبيرا وكان موقف الأستاذ مولود قاسم حازما جازما مستندا إلى وقائع تاريخية ومدعوما بنقول لكبار العلماء والمصلحين من أمثال ابن تيمية والأفغاني وشكيب أرسلان. * وألقى المحامي السويسري المسلم روجي دي باسكي محاضرة بعنوان: نماذج من حياة روحية إسلامية بعض الملاحظات والشهادات. واستعرض كل الحركات التحررية والإصلاحية في العالم الإسلامي وحيثما وجد مسلمون وانتهى إلى التأكيد أن اغلب القيادات والزعامات في العالم الإسلامي تستند إلى طرق صوفية وتجارب روحية تجعلها تمحض أعمالها وجهادها لوجه الله وعلى العكس من ذلك فان الأطراف التي آثرت أن تتعامل مع ظاهر الشريعة ونصوصها أخفقت في بلوغ غاياتها وشهدت انقسامات في صفوفها وانتقادات وجهت إليها. ودعا المحاضر المسلمين إلى الاهتمام بالجانب الروحي الخالد وتقديمه على الجانب المادي الزائل. وقد كانت آراؤه هذه غير مسلمة من طرف البعض ممن رأوا فيها دعوة للمسلمين كي يتخلوا عن واجبهم في الأخذ بأسباب العزة المادية والحضارية فإذا كان يحق للمجتمعات الغربية أن تلتفت إلى الروحانيات بعد أن أشبعت إلى حد التخمة غرائزها وحاجاتها المادية فان المسلمين إذا ما استجابوا لمثل هذه الدعوة فسيزدادون تخلفا وضعفا وهم بذلك سيبتعدون أكثر عن جوهر الإسلام وروحه. * أما الدكتور محمود حمدي زقزوق عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف فقد حاضر عن التصوف الإسلامي معناه-أهم التعريفات-نشأته-واعتبر الدكتور زقزوق إن التصوف ظاهرة إنسانية عامة في كل المجتمعات وليست خاصة بالمجتمع الإسلامي واستعرض أهم التعريفات ذاكرا أن أول من عرف التصوف هو معروف الكرخي المتوفى سنة 200هـ حيث يقول (التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما بأيدي الخلائق). واستعرض أهم اتجاهات التصوف كالاتجاه الأخلاقي والاتجاه الزهدي وبين الفرق بين الصوفي والعابد فالصوفي كثير العبادة ولكن ليس كل عابد صوفيا فالصوفي يعبد الله لأنه مستحق للعبادة لا طمعا في جنة أو خوفا من نار وانتهى المحاضر إلى أن التصوف الإسلامي قد نشأ نشأة إسلامية صرفة فالقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة فيهما من الإشارات العديدة والتوجيهات الكثيرة ما ساعد على تنمية هذا الشعور الفطري بين كثير من المسلمين. * وحاضر الدكتور جمعة شيخة الأستاذ بكلية الآداب بتونس عن دور بعض علماء الجزائر وتونس في إثراء الحياة الروحية بافريقية وقد اختار نموذجا لهذا الضرب من التأليف كتابين مازالا مخطوطين لمؤلف جزائري تونسي عاش في خضم القرن التاسع هجري، الخامس عشر ميلادي وهو أبو عبد الله (عبيد الله) محمد بن القاسم الأنصاري نسبة، التلمساني ومولدا وتعلما، التونسي مستقرا ومنزلا، الرصاع شهرة، وبعد أن ترجم للمؤلف واستعرض حياته ذاكرا أهم أطوارها ومن عاصره من العلماء والأمراء ذكر تأليفه ما طبع منها وما لا يزال مخطوطا. تطرق إلى موضوع الكتاب الأول: تحفة الأخيار في الصلاة على النبي المختار وهو يحتوي على اثني عشر بابا. أما الكتاب الثاني فهو تذكرة المحبين في أسماء سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وقد جعل الرصاع كتاب التذكرة في جزئين الجزء الأول عدد فيه أسماء للرسول وذكر في الجزء الثاني أسماء له أخرى عليه الصلاة والسلام وقد استشهد المؤلف في إثبات أسماء الرسول عليه الصلاة والسلام بالقرآن والسنة وآثار الصحابة والتابعين وكبار العلماء والشعراء الذين نظموا في مدحه عليه السلام غرر القصائد. وقد انتهى الدكتور جمعة شيخة إلى أن مما ساعد على انتشار التصوف في صفوف العامة أن النوع الذي استقر بربوع المغرب العربي هو التصوف السني المقيد بالقرآن في نطاق ما يسمح به المذهب المالكي. * وقدم الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة دراسة قيمة في ما يقارب الستين صفحة تحمل عنوان: الأساس الصحيح المشترك لاتجاهات التصوف الإسلامي والفرق بين الصوفية وغيرهم-اشتملت هذه الدراسة القيمة على تمهيد حيث اعتبر الدكتور أبو ريدة أن التصوف هو أهم مظاهر الحياة الروحية في الإسلام وبين أن التصوف يستند على وجود تلك الحقيقة التي تسمى الروح ووجود مميزات أودعها الله في الروح التي لها وظائف متعددة ولكنها موحدة. ونبه الأستاذ أبو ريدة إلى وجوب دراسة تصوف المسلمين في ذاته كما انبثق وتطور من الإسلام نفسه دون نيل من أصالته بالتماس أصل أجنبي له أو التقليل من شأنه بالمقارنة بينه وبين غيره ودراسة الأستاذ أبو ريدة علمية وجادة وجديرة بالنشر الواسع لأنها تصحح كثيرا من الأفهام الخاطئة وتصوب كثيرا من التأويلات المتعسفة وهي جهد علمي كبير بذله الدكتور أبو ريدة المعروف بثقافته الإسلامية والفلسفية الواسعة فهو مدرس الفلسفة منذ عدة سنوات في جامعة الكويت وقبلها في القاهرة وفي تونس بالكلية الزيتونية حيث سبق أن دعاه المرحوم العلامة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور لإلقاء محاضرات على طلبة الكلية وقد استفاد منه الطلاب آنذاك أيما استفادة كما أن الأوساط الجامعية والعلمية بتونس تعرفه منن خلال أبحاثه الجادة المنشورة بعضها من تأليفه والبعض الآخر من ترجمته وتقديمه وتعليقه ككتاب تاريخ الحضارة الإسلامية في القرنين الرابع والخامس لآدم متز كما شارك في الملتقيات التي دعا إليها في السنوات الأخيرة مركز الدراسات الاجتماعية والاقتصادية حول الحوار المسيحي الإسلامي. * وحاضر سماحة الشيخ محمد الشاذلي النيفر رحمه الله عميد الكلية الزيتونية السابق والعضو بمجلس النواب عن إمام التصوف أبو القاسم الجنيد حيث قال: (إن ابرز شخصية في هذه الطائفة الصوفية أبي القاسم الجنيد شيخ التصوف النقي المتماشي مع العصور الذهبية في الإسلام وذكر نسبه وبلده وشيوخه وأساتذته وهم خاله سري السقطي ومعروف الكرخي والقصاب وأبو ثور وأبو عبيد وتحدث عن ابتداء تصوفه واستعرض تعريف أبي نعيم للجنيد في كتاب الحلية وتحدث عن طريقة الجنيد المرتكزة على التوحيد وانبنائها على القرآن والسنة حيث يشير الجنيد بقوله (من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الأمر لان علمنا مقيد بالكتاب والسنة) وقوله (الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى اثر الرسول واتبع سنته ولزم طريقته فان طرق الخير كلها مفتوحة عليه). أما الركيزة الثالثة من ركائز طريقة الجنيد فهي الصحو بحيث لا يخرج الإنسان عن الصحو وكونه مكلفا. والركيزة الرابعة وهي تقريبه للمعرفة حيث قرب الجنيد بين الخاصة والعامة. والخلاصة أن الجنيد هو سيد الصوفية وإمامهم وذلك لأنه كان من علماء الظاهر والباطن وعد من علماء الظاهر لأنه كان من علماء الشافعية إذ روى عن الشافعي مذهبه القديم . والحقيقة أن هذه الترجمة التي أعدها سماحة الشيخ محمد الشاذلي النيفر ضافية جامعة ومعرفة بكل جوانب شخصية هذا العالم الزاهد والإمام العارف الذي ظلت حياته مبعثرة هنا وهناك إلى أن كتب سماحة الشيخ النيفر هذه الدراسة القيمة الجديرة بالإخراج والطبع في كتاب مستقل يوضع بين يدي القراء حتى يستفيدوا منه في اقرب الآجال على غرار ما فعل سماحته مع الإمام المازري والشيخ علي النوري والشيخ عظوم وغيرهم من العلماء الذين ترجم لهم سماحة الشيخ محمد الشاذلي النيفر. * وقدم الدكتور عبد العظيم الديب بحثا عن الإمام الغزالي بين العقل والمكاشفة وبعد مقدمة ونبذة زمنية عن الإمام الغزالي الذي اعتبر بحق بحر مغدق ورد على الشبهة التي لا دليل عليها القائلة: بان الغزالي عدو للعقل وعدو للفكر الحر ولكن الباحثين المنصفين والجادين انتهوا إلى عكس هذا القول وثبت أن الغزالي يمجد العقل ويثق به ويجعله ميزان الحق ثم استعرض بعد ذلك العمل الذي قام به الغزالي وهو تجربة عاشها وقد استطاع الدكتور الديب بما أوتيه من أسلوب أدبي رائع أن يقدم الغزالي كعملاق من عمالقة الفكر الإنساني والإسلامي وقد أخذه بعض المشاركين على غياب النقد في دراسته للغزالي فهي حسب رأي القائل دراسة محب. * ومن المحاضرات التي أثارت جدلا كبيرا محاضرة الأستاذ الفرنسي المسلم ميشال شود كيفيتز وهو مدير عام دار ساي Seuil الفرنسية وصاحب تأليف عديدة خصوصا عن الأمير عبد القادر وكتابه المواقف ومن المعروف أن الأمير عبد القادر يعتبر تلميذ ابن عربي ومريده حيث قضى أخريات حياته في بلاد الشام منفيا من طرف فرنسا بعد جهاده المرير ومواجهته للاستعمار الفرنسي. وميشال شود كيفيتز يقوم هو ومجموعة من المفكرين الغربيين المسلمين بترجمة كتابات كبار المتصوفة خصوصا مؤلفات ابن عربي، كالفتوحات والفصوص. وبمثل ما أثار محيي الدين بن عربي في حياته جدلا عميقا وكبيرا في القديم فلا يزال الدارسون منقسمين حول شخصه وأفكاره فبينما يعتبره البعض شيخا اكبر يذهب البعض الآخر إلى تفسيقه وتكفيره!! وهكذا كانت محاضرة ميشال شود كيفيتز سببا في جدل خصوصا بينه وبين الأستاذ مولود قاسم الذي رفض بحدة أن يقبل المسلمون من إخوانهم المهتدين الجدد مثل هذا التركيز على الجانب الروحي الباطني فلهم هم أن يعيشوا هذه التجارب الروحية أما العرب والمسلمون فإنهم ليسوا في حاجة إلى الانقطاع عن الحياة المادية الدنيوية فيخسرون بذلك الجانبين الروحي والمادي. وكان رد السيد ميشال شود كيفيتز معتدلا متسامحا إلى ابعد الحدود. * وحاضر الدكتور محمد كمال جعفر أستاذ الفلسفة الإسلامية في كلية دار العلوم عن التراث الصوفي والمصطلحات الصوفية ومدى أصالتها واثبت بالحجج النقلية الثابتة وغير القابلة للتأويل أن التصوف الإسلامي ليس دخيلا ولا غريبا عن الثقافة الإسلامية بل هو من صميمها وجوهرها. * وحاضر الدكتور روجي غارودي عن التصوف والغرب فاعتبر أن كل نهضة روحية في الإسلام تمر بالتصوف واستعرض غارودي في محاضرته بعض أعمال مفكرين غربيين كبار انتهى بهم تعرفهم على التصوف الإسلامي إلى الدخول في الإسلام ومن هؤلاء المفكر الفرنسي رينيه قنون الذي اسلم وتسمى باسم عبد الواحد يحي وقضى بقية أيام حياته في مصر. وغارودي مهتم بتآليف محي الدين ابن عربي وغيره من كبار الصوفية المسلمين. * وقدم الدكتور الشيخ بوعمران أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر بحثا عن الحياة الروحية الإسلامية من خلال معجم الأديان وهو معجم صدر في باريس وموجه لجميع القراء وقد اعتنى بتأليفه بعض المتخصصين الفرنسيين في مختلف الأديان وفي القسم الأخير من هذه المحاضرة قدم الدكتور بوعمران بعض التحفظات حول هذا المعجم الذي تبنت كتابته مراكز وجامعات مسيحية كاثوليكية وانتدبت بعض الرهبان والقساوسة لتحريره. * وقدم الأستاذ يوسف السيد هاشم الرفاعي من الكويت دراسة قيمة تحت عنوان: كيف نربي النشء تربية روحية صحيحة؟ فبين المقصود بالتربية الروحية في الإسلام فهي تزكية النفس وتخليتها من الصفات المحمودة وهذه المهمة كانت جزءا من رسالة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وبين المحاضر أهمية التربية الروحية والعلاقة بين التربية الروحية والتزكية والتصوف ومهمة المربي والطريق القويم في التربية من سن التمييز إلى سن المراهقة إلى سن البلوغ وبين وسائل وأساليب التربية الروحية عند الإمام الغزالي وخصوصا كتابه الإحياء والتربية عند الحارث المحاسبي صاحب كتاب الرعاية لحقوق الله. * وقدم الأستاذ الأمين نياس من السنغال نظرة على التصوف في إفريقيا حيث اظهر الجانب المشرق من تاريخ وواقع الطرق الصوفية في إفريقيا حيث تقوم بالدعوة إلى الله فتدخل الوثنيين إلى الإسلام وتقوم بدور الرعاية الاجتماعية للضعفاء والفقراء والمحرومين وتقوم بدور التثقيف والتعليم وتواجه زحف التنصير الذي يقف وراءه الغرب بقوته المادية العظيمة. * وحاضر الدكتور سعيد رمضان البوطي من كلية الشريعة بدمشق عن التصوف السليم هو جوهر الإسلام ولبه وابن تيمية من ابرز المنافحين عنه والداعين إليه. وقد اثبت الدكتور البوطي في هذه الدراسة أن ابن تيمية المعروف بمعاداته للتصوف ومحاربته له وللبدع هو من كبار المتصوفة وكذلك تلميذه ابن قيم الجوزية وفي فتاوي ابن تيمية الجزء الحادي عشر (مجلد بأكمله) خصصه للحديث عن التصوف الذي هو الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. وكذلك ابن قيم فله عدة كتب في الإحسان أو التصوف الصحيح مثل مدارج السالكين. لقد أراد الدكتور البوطي أن يقرب الشقة بين دعاة السلفية ودعاة التصوف وعليه فان الخلاف شكلي وظاهري فلا يقبل من متصوف مخالفة ظاهر الشريعة ولا يحق لسلفي أن ينكر ما لا يخالف الشريعة. إن عمل الدكتور البوطي توفيقي فعسى أن يستفيد منه الطرفان فيأتيان إلى كلمة سواء هي الحق والخير للطرفين وهي المحجة البيضاء والطريق المستقيم وهي مسلك سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ولاشك أن كل مخلص من الطرفين سيستجيب لهذه المحاولة التوفيقية ولن يرفضها إلا من لم يخلص لله عمله. هذه بعض المحاضرات والدراسات التي ألقيت في الملتقى الواحد والعشرين للفكر الإسلامي حول الحياة الروحية في الإسلام استعرضنا أهمها وقد عقدت على هامش الملتقى ندوات ومكن من التعقيب على المحاضرات كل من طلب من الأساتذة المشاركين. وقد استفادت وزارة الشؤون الدينية ووسائل الأعلام من وجود الحاضرين بأرض الجزائر فدعت العديد منهم إلى ندوات تلفزية وأحاديث إذاعية وصحفية كما دعت البعض الآخر إلى إلقاء محاضرات ودروس في مساجد بوحنيفية ومعسكر والسيق وغيرها من المدن. وكان لكل من الشيخ محمد الشاذلي النيفر والشيخ حسن الورغي الدكتور جمعة شيخة مشاركة في هذا النشاط وقد دعيت (محمد صلاح الدين المستاوي) إلى إلقاء عدة دروس وكان ذلك قبل صلاة الجمعة حيث ألقيت درسا عن الهجرة النبوية في مسجد عروة بن الزبير بحضور عدد كبير من الأساتذة المشاركين في الملتقى والطلاب والطالبات ثم ألقيت درسا في الجامع الكبير بمعسكر وقد خصصته عن حديث جبريل وركزته على أركان الإيمان ومظاهره وألقيت درسا ثالثا عن علامات التقوى في حياة المسلم. وكان التجاوب كبيرا من الحاضرين الذين تكتظ بهم المساجد ويحضرون مثل هذه الدروس بلهفة كبيرة وتعطش لا يخفى ويلمس من تتهيأ له مثل هذه المناسبات المباركة فيلتقي بإخوانه في مختلف مدن وقرى البلد الشقيق (الجزائر) التعلق الشديد بالأخوة المغربية والمحبة الصادقة لتونس والاعتراف لها بالفضل وخصوصا لجامع الزيتونة بحيث لا تكاد تجد إطارا في الدولة والحزب محليا وجهويا ومركزيا لم يتعلم في الزيتونة إما مباشرة في تونس أو في احد فروعها بالجزائر أو على يدي من تعلم في جامع الزيتونة أو الكلية الزيتونية وهو رصيد نعتز به شديد الاعتزاز ونتمنى أن يتواصل أداؤه تجاه إخواننا في الجزائر وغير الجزائر خدمة للإسلام والعربية. وخلاصة القول إن ملتقيات الفكر الإسلامي المتواصلة والمتجددة هي فرصة لإثراء الفكر الإسلامي الحديث يشد لها الرحال كل عام علماء العالم الإسلامي لا يدفعهم لذلك إلا الاستفادة والإفادة فعسى أن نرى أعمال هذه الملتقيات مطبوعة موثقة خصوصا وان وزارة الشؤون الدينية سبق أن بادرت إلى نشر أعمال بعض الدورات الأولى (وقد تم ذلك والحمد لله بالنسبة لملتقى الحياة الروحية في الإسلام وملتقيات أخرى حول القرآن والسنة والاجتهاد) وقد حاولت شخصيا في مجلة (جوهر الإسلام) انتقاء بعض المحاضرات وتخصيص عدد من المجلة كل عام عن ملتقى الفكر الإسلامي وذلك إشاعة للفكر الإسلامي وخدمة له ولكن ذلك غير كاف فأعمال الملتقيات لا تتسع لها مجلة محدودة الإمكانات والصفحات.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.