أيهما أولى صلاة النافلة أم الإنصات للإمام في خطبة الجمعة؟!

أيهما أولى صلاة النافلة أم الإنصات للإمام في خطبة الجمعة؟!


صلاة الجمعة من شعائر الإسلام لها أحكام وحكم ومغاز ليس هذا مجال التوسع فيها وبيانها فهي مبسوطة في كتب الفقه بمختلف مذاهبها. الذي أردت التعرض إليه في هذا الحيز من الصالون هو ما أصبحنا نلاحظه في مساجد وجوامع الجمعة من فسيفساء عجيبة ليست بحال من الأحوال من مظاهر الثراء والتنوع المحمود لان مجالها هو الجانب التعبدي الذي الشأن فيه الإتباع لا الابتداع عملا بقوله عليه الصلاة والسلام ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وقوله ( خذوا عني مناسككم فلعلكم لا تلقوني بعد عامكم هذا ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ولو كان هذا التنوع في هيئات أداء الشعائر والمناسك حيث لا يتصور إلا الثراء والتنوع اعني حيث يجتمع المسلمون بمختلف مذاهبهم وفرقهم في البقاع المقدسة حيث لا يتصور هناك في مكة المكرمة والمدينة المنورة أن يكون أداء المسلمين شعائرهم ومناسكهم على هيئة واحدة لهان، فهم أتباع مذاهب فقهية عدة ليست اقل من ثمانية ( المذاهب الأربعة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي ) يضاف إليها مذاهب الزيدية والاباضية والامامية والجعفرية) فهؤلاء وغيرهم إذا اجتمعوا في الحج أو العمرة من الطبيعي جدا أن تختلف هيآت قيامهم بشعائرهم باعتبار أن الأئمة الذين يتبعونهم قد ذهبوا مذاهب عدة، وهذا مشروع ومباح بل ومحمود وفيه من التيسير على الأمة ما يتحقق به زوال الحرج على الناس ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) ورحم الله الإمام مالكا الذي رفض أن يلزم الناس في الأمصار بكتابه الجليل القدر ( الموطأ ) باعتبار أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم من نقلوا هديه قد انتشروا في الأمصار. * الذي لا يستساغ ولا يعتبر مظهرا ايجابيا هو ان يكون الناس في بلد من البلدان بفضل الله ومن مننه عليهم على دين واحد كلهم وعلى عقيدة واحدة كلهم وعلى مذهب فقهي واحد تقريبا ثم تدخل المساجد والجوامع فتجد كيفية أداء أهل ذلك البلد للشعائر مختلفة، هذا يقبض وهذا يسدل، وهذا يبسمل وذاك لا يبسمل وهذا يرفع يديه عند كل تكبيرة في الركوع وفي الرفع من الركوع والآخر لا يفعل، وهذا يستريح عند الرفع من السجود الثاني والآخر لا يفعل وغير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره ولو وقف الأمر عند هذا الحد لهان نسبيا وبعض الشيء أما وانه قد يتجاوز ذلك إلى الاختلاف والتنازع الذي يصل إلى درجة التدابر والتباغض فتلك هي الطامة الكبرى، ويصبح حينئذ هذا التنوع والاختلاف المتزايد يوما بعد يوم أمرا غير محمود بل قد يأتي على المراد الخروج به من أداء الشعائر والعبادات ونعني به التزكية للأرواح والتسامي بها في مجال المناجاة والتقرب إلى الله إذ اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ( فاسجد واقترب ) عند ذلك تكون الأهداف والغايات البعيدة المدى قد ذهبت سدى!! * لقد كان علماؤنا الأعلام يحرصون كل الحرص على احترام التجانس والانسجام ويعملون جاهدين على تكريسه فكان الواحد منهم وهو المقتنع بما انتهى إليه مثلا من أن حجة القبض في الصلاة هي الأقوى فإنه يؤثر إذا صلى بالناس ومع الناس أن لا يقبض بل يسدل مراعاة للخلاف وحرصا على الانسجام مع السائد والأكثر انتشارا بين الناس حتى إذا صلى لنفسه في بيته بعيدا عن الأعين قبض. * وكان البعض منهم يبسمل في الفريضة لأن حجة القول بالبسملة أقوى لديه ولكنه يسر البسملة إذا صلى بالناس مراعاة للخلاف وحرصا على الانسجام العام وهو مقصد معتبر في الدين ولان المراد الاجتماع لا التفرق والمقصود هو النفاذ إلى الجوهر واللب وهو التزود من الصلاة بخير زاد روحي يكون خير دافع لفعل الخير واجتناب الشر بعد أداء واجب العبودية لله القائل ( وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون ). * لم استطرد وقد اختصرت القول أيما اختصار لأنفذ إلى ما أردته في هذه المصارحة ألا وهو تعمد البعض، -وفي بعض الأحيان - بإصرار وعناد ويا للأسف الشديد!! وما كان ينبغي أن يكون ذلك في هذا المجال بالذات اعني أداء الشعائر والتقرب بها إلى الله، إذ يأتي احدهم إلى صلاة الجمعة التي يجب السعي لها على كل مسلم مكلف مقيم معافى عملا بقوله تعالى ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) هذا الساعي إلى الجمعة قد يأتيها متأخرا وقد يكون له عذر في ذلك ولكن الذي هو غير محمود ولا مقبول هو أن يتخطى هذا الذي يسعى إلى صلاة الجمعة الرقاب وهو أمر منهي عنه فقد ورد في الحديث الشريف الذي أورده أبو داود والنسائي أن رجلا تخطى رقاب الناس والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: اجلس فقد آذيت ) وفي حديث آخر دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المتخطي المفرق بين الجالسين!! * ولا يكتفي هذا المتخطي بذلك فانه يبادر إلى صلاة تحية المسجد والإمام قد شرع في الخطبة والقاعدة تقول إن ( كلام الإمام يقطع الكلام ) والذي يصلي تحية المسجد متكلم بما يقرا ويسبح ويدعو، وحجة هؤلاء أنهم يتمسكون –في كل الأحوال بأداء ركعتي تحية المسجد حتى ولو كان الإمام يخطب بالحديث الوارد في صحيحي البخاري ومسلم ( انه صلى الله عليه وسلم أمر سليْكا الغطفاني بالركوع لما دخل ). * وهذا الحديث لا نقاش في صحته وإنما الاختلاف حول فقهه فالإمام مالك اعتبر أن هذا الأمر يخص ذلك الصحابي بذاته ولا يتجاوزه إلى سواه فقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرف الحاضرين هذا الشخص ليحسنوا إليه وهو الغريب والمحتاج. * أما القاعدة فهي أن كل كلام والإمام يخطب لا يجوز. لان خطبتي الإمام في الجمعة هما في مكان الركعتين من صلاة الظهر التي تقوم مقامها صلاة الجمعة يوم الجمعة ومن هنا فانه يجب الإنصات للإمام عندما يخطب تماما مثلما يجب الإنصات إليه وعدم القراءة معه إذا نزل من المنبر لأداء الركعتين وإمامة الناس بهما. * ثم إن النص الآخر الصحيح الذي جرت العادة على التذكير به في المساجد والجوامع يوم الجمعة يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت...). * والقائم لصلاة تحية المسجد وهي نافلة لا يمكنه أن يجمع بين الصلاة والإنصات ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) والفرض مقدم على النافلة اللهم إلا أن يكون هذا المصلي يصلي فائتة (صلاة الصبح مثلا) وهنا فهو مقصر وليس المكان ولا الزمان مناسبين لأدائه هذه الفائتة بالنسبة إليه!! * دعاني إلى هذه المصارحة وتوضيح هذه المسألة ما يشاهد في المساجد والجوامع وقد سبقني إلى تفصيل القول فيها علماؤنا الإعلام فاشفوا الغليل وبرهنوا عن بعد نظر وتحقيق لمقاصد الشريعة فرحمهم الله وأجزل مثوبتهم.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.