في مواكبة وفد الله ضيوف الرحمان إلى بيت الله الحرام ومدينة سيد الانام عليه الصلاة والسلام(3)

في مواكبة وفد الله ضيوف الرحمان إلى بيت الله الحرام ومدينة سيد الانام عليه الصلاة والسلام(3)


ها هو ذا ركب الحج، ضيوف الرحمان إلى حرمه الآمن يتوجه إلى المشاعر المقدسة في عرفات ومزدلفة ومنى يوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية حيث تنطلق جموع الحجيج في شكل افواج متلاحقة في حركة مرورية تاخذ اتجاها واحدا، آلاف الحافلات تقل الحجيج في تفويج إما إلى منى لاحياء سنة المبيت بها ليلة التاسع أو إلى عرفات مباشرة تلافيا للزحام ومع توالي الساعات طيلة نهار يوم الثامن تصبح منى وعرفات بيضاء مكسوة بالحجيج الذين لبسوا ثياب الاحرام متجردين من المخيط والمحيط لا يحملون معهم إلا اخف الادباش حتى لا يثقلوا على انفسهم لانه امامهم جهد كبير ينبغي عليهم إن يبذلوه فيما يستقبلهم من ايام هي لب الحج وجوهره، امامهم إن يقفوا في ذلك الموقف العظيم الذي هو يوم عرفة يوم التاسع من ذي الحجة ذلك اليوم المشهود الذي هو اعظم ايام الله، والحج عرفة ومن لم يقف على عرفات يوم التاسع من ذي الحجة إلى ما بعد غروب شمسه فقد فاته الحج، وعرفة كلها موقف فحيثما حل بها الحاج وضع رحاله وتفرغ لاغتنام نفحات هذا اليوم المشهود، انه يوم يذكر بيوم الحشر والوقوف بين يدي الله للحساب فلا شيء في المظهر والشكل يفرق بين الحجيج، انها المساواة التامة والكاملة لا القاب ولا رتب ولا اي شيء يميز بين جميع الحاضرين، انه التجرد الكامل من الحول والطول والقوة والقدرة فالكل أمام الله وبين يدي الله سواء، الجميع مفتقرون إليه واقفون بين يديه متضرعون إليه في دعاء خاشع خالص ليس بينه وبين الله حجاب، يوم عرفة هو يوم الدعاء والدعاء مخ العبادة، يوم عرفة يوم يتفرغ فيه الحجيج للدعاء بكل صيغة، ودعاء الله والطلب منه والرجاء فيه وحسن الظن به، الم يقل جل من قائل (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) وقال (واذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعان) لاجل التفرع للدعاء والضراعة إلى الله فان صلاتي الظهر والعصر يصليهما الحجيج في عرفات جمع تقديم وتقصير ليتفرغوا بعد ذلك للذكر بمختلف صيغه: تكبيرا وتهليلا وتسبيحا واستغفارا وحمدا وصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكي يكون الحاج في نشاط وحيوية وقوة على القيام بذلك فان الحاج لا يسن له صوم يوم عرفة انما يصومه ابتغاء للاجر من لم يكتب لهم الحج. * والدعاء والتكبير والتهليل هي افضل اعمال يوم عرفة يحرص عليها الجميع وياتونها افرادا وجماعات فتراهم افواجا افواجا مستقبلين الكعبة في مشاهد خاشعة يلاحظ عليها الجد والاجتهاد والرغبة القوية الجادة في اغتنام هذه الفرصة الذهبية التي قد تكرر وقد لا تكرر وهي بحق نعمة ومنة الهية فيها التفضل والتكرم الالهي على الحاج بحيث يسر الله له القدوم على حرمه الآمن وما اكثرهم اولئك الذين تاقت انفسهم إلى نيل هذا الفضل ولم يتيسر لهم ذلك إما لقلة ذات اليد أو لعلة أو لاسباب اخرى. ويزداد نسق هذا التفرغ للدعاء والضراعة قبل غروب الشمس، انها لحظات لا يمكن وصفها بالقلم، مشهد عظيم يباهي الله به ملائكته الذين يامرهم بالنزول إلى السماء الدنيا إلى ارض عرفات حيث حجيج بيت الله الحرام من امة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام جاؤوا شعثا غبرا تاركين اهلهم ومالهم وكل ما عندهم ملبين لنداء الآذان بالحج. في هذه اللحظات من آخر يوم عرفات يقول الله للملائكة (ألا اشهدكم اني قد غفرت لهم) نعم انه الكرم الالهي (إن الله يغفر الذنوب جميعا) (إن الله لا يغفر أن يشرك ويغفر ما دون ذلك) ذلك هو قوله الحق ووعده الذي لا يتخلف، في ذلك اليوم بهذه العطية الالهية يخرج الحاج من ذنوبه كيوم ولدته امه، فالحج يجب ما قبله من الذنوب والخطايا. واذا كان هذا الحج مبرورا فليس له ثواب إلا الجنة إن كل ما وسوس به الشيطان وكل ما امر به وآتاه العبد قبل الحج يمحى ويطوى لاجل ذلك فان الشيطان لا يرى في يوم من الايام اضال منه واحقر منه مثلما يرى في يوم عرفة لما يرى من كرم الله وجوده وعفوه وتجاوزه واحسانه * إن يوم عرفه على عرفات يوم عظيم انه يوم التجلي الاعظم على عباد الله المؤمنين من حجيج بيت الله الحرام هؤلاء الذين يقفون على عرفات في كل عام ومنذ أن فرض الله الحج على المسلمين ومنذ أن ادى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وخطب في عرفات خطبته الخالدة التي اشتملت على معالم دين الاسلام الذي اتمه الله واكمله وارسل به إلى الناس كافة سيدنا محمدا خاتم الانبيئين وامام المرسلين وانزل عليه قوله جل من قائل (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) لقد كمل الدين وتم. بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الودداع للامة دينها فتركها على المحجة البيضاء وعلى الطريق المستقيم الذي لا يزيغ عنه إلا هالك ذكرهم عليه الصلاة والسلام بما ينبغي عليهم وحذرهم من أن ينقلبوا بعده كفارا يضرب بعضهم اعناق بعض حرم الله عليهم دماءهم واموالهم واعراضهم فهي حرام كحرمة الشهر الحرام والبلد الحرام ثم قال لهم: (ألا هل بلغت اللهم فاشهد؟ ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب) واوصاهم بالنساء خيرا واوصاهم ببعضهم خيرا. ولا يزال الخطباء والوعاظ والمرشدون خصوصا في ايام الحج يذكرون بما ورد في هذه الخطبة وبمضامينها التي لا تبلى ولا تنقضي. وينزل الحجيج بعد غروب شمس يوم التاسع من ذي الحجة من عرفات فرحين مستبشرين بما وفقهم الله إليه وما تكرم به عليهم من عفو وصفح وتجاوز ربهم العفو الرؤوف الرحيم وثم تبدا مرحلة اخرى من مراحل الحج حيث ينزل الحجيج ليلة العيد بمزدلفة ليصلوا المغرب والعشاء جمع تاخير وليجمعوا الحصيات وليبقوا في مزدلفة إلى صلاة صبح يوم العيد حيث يجتهدون في الدعاء يقضون ليلتهم هناك في الهواء الطلق والطقس والحمد لله ملائم وينسيهم جلال الموقف كل الاتعاب ويستانسون ببعضهم البعض في تواد وتعارف خالص لوجه الله، الكل يسالون من بعضهم البعض الدعاء. * وفي صبيحة يوم العيد يتوجه الحجيج إلى منى ليرموا جمرة العقبة بسبع حصيات ارضاء للرحمان واغضابا للشيطان مكبرين ومستحضرين لمشهد الخليل ابراهيم عليه السلام وما دار بينه وبين ابليس الذي حاول إن يثنيه عن تنفيذ امر ربه بذبح ابنه اسماعيل عليه السلام وعندما علم الهو من عبده ابراهيم الخليل عزمه واصراره على اتيان ما امر به هنالك فدي اسماعيل بكبش ذبحه ابراهيم واصبح سنة للمسلمين، معان يستحضرها الحاج وياخذ منها العبرة ليكون على نهج ابراهيم في الصمود امام المغريات وما يوسوس به الشيطان عدونا وعدو ابينا آدم. * وبعد رمي جمرة العقبة يتحلل الحاج التحلل الاصغر فيحلق أو يقصر ويلبس المخيط والمحيط ولا يبقى له إلا الطواف بالكعبة وهو طواف الافاضة ويسعى بين الصفا والمروة إن لم يكن قد سعى قبل ذلك مع طواف القدوم. ويعود الحجيج إلى منى ليقيموا يومي الحادي عشر والثاني عشر للمتعجلين ويرمون في هذين اليومين الجمرة الاولى والوسطى والعقبة كل واحدة منها سبع حصيات وبذلك يكتمل الحج وتنتهي شعائره. وهي شعائر تؤدى والحمد لله في اجواء من الامن والسكينة وفي تنظيم محكم تجندت له كل الاطراف المتدخلة في التنظيم والاشراف على الحج بتنسيق وباعداد مادي وبشري كبيرين قوامهما عشرات الآلاف من رجال الامن والحرس الوطني والحماية المدنية والهياكل الصحية التي اتخذت لها في كل ارجاء منى ومزدلفة مراكز فيها المعدات والادوية وكل وسائل التدخل الصحي السريع معززة بالهلال الاحمر وفرق الكشافة * إن ايام منى، ايام التشريق هي ايام ذكر وحمد وشكر لله ودعاء وايام اكل وشرب يؤدي فيها الحجيج صلواتهم إما في اماكن اقامتهم في المخيمات المكيفة والمجهزة أو في المساجد كمسجد الخيف ويؤدون شعيرة رمي الجمرات في امن وسلام لا خوف معه من الزحام فقد ولى الزحام بفضل الجسور العملاقة المنظمة لعملية الرمي. * إن ايام منى فريدة في روعتها واشراقها حيث تنطلق اصوات المؤذنين للصلوات والمذكرين والواعظين والمرشدين. * ايام وليالي منى المشرقة بالانوار والمزدانة بالحجيج الذاهبين والغادين على طول النهار والليل يشهد فيها الحجيج منافع الدين والدنيا فيتعارفون ويتحابون في الله ولوجه الله. * ما اجمل ايام منى التي اصبحت اليوم في حال يسر له كل مسلم حيث يرى يعينيه التحول الكبير والتطور في الاقامات داخل الخيام وفي الجسور المتعددة وفي كل وسائل السلامة والراحة من دورات النظافة وحنفيات الماء البارد واماكن الاستراحة والممرات المظللة الخاصة بالمشاة المتصلة من آخر منى إلى الحرم المكي في انفاق تشق الجبال في مئات الامتار اختصارا للطريق. * وتخفيفا على الحجاج يضاف إلى كل ذلك مشروع قطار المشاعر المؤدي إلى مكة والذي بدا تشغيله الجزئي ليمتد باذن الله فيربط مكة بالمدينة بجدة وصولا إلى المطار وهو باذن الله عند الانتهاء منه في القريب سيجعل من نقل الحجيج يشهد نقلة نوعية توفر الراحة والسرعة، انها انجازات عظيمة كبيرة لا يملك كل مسلم إلا أن يباركها ويشكر القائمين عليها: حكومة المملكة العربية السعودية ومختلف الاطراف المتدخلة باشراف وتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الامير سلمان بن عبد العزيز جازاهما الله عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.