في رياض السنة: كل صاحب عمل صالح يدخل الجنة من باب مخصوص والصديق رضي الله عنه يدخل منها جميعا

في رياض السنة: كل صاحب عمل صالح يدخل الجنة من باب مخصوص والصديق رضي الله عنه يدخل منها جميعا


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من انفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير. فمن كان مت أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان. ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، قال أبو بكر هل يدعى احد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم.رواه البخاري والنسائي في هذا الحديث الشريف يعدد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب البر فيذكر بعضها ترغيبا لأصحابه والمسلمين من ورائهم في القيام بها والتنافس عليها لنيل الأجر والثواب العظيم الذي أعده الله للذين يعملون الصالحات بإخلاص لا يبتغون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا. وهذا المنهج الذي يتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في دفع المسلمين لفعل الخير هو المنهج القويم لأن الأنفس البشرية تحرص على الجزاء وعندما يكون هذا الجزاء من عند الله فهو لاشك سيكون كبيرا وعظيما ذلك أن الله تبارك وتعالى غنيّ كريم ما عند العباد ينفد وما عند الله باق لا حد له ولا حصر. وهو سبحانه وتعالى تكفيه من عباده المؤمنين النوايا الحسنة الصادقة الخالصة التي لا تشوبها شائبة (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) وفي الحديث الشريف (إنما الأعمال بالنبات) و(يبلغ المرء بنيته ما يبلغه بعمله) و(نية المرء خير من عمله). فإذا اقترنت هذه النية الخالصة الصادقة بعمل مهما كان صغيرا قليلا متواضعا فإن الجزاء عليه من الله سبحانه وتعالى يكون كبيرا عظيما كرما وجودا من الله على عباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات. إن الخطاب النبوي خطاب ترغيب وتبشير وهذا الحديث يجسم هذه الحقيقة والخاصية المحمدية التي جاءت في هدي هذا الدين الحنيف. * يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيان ما أعده الله تبارك وتعالى من أجر وثواب لمن أنفق في الدار الآخرة التي هي المبتغى والمراد والتي إليها المصير والمعاد والتي هي الحياة الحقيقية والباقية ولا نعيم إلا نعيمها ولا جزاء أوفر وأعظم إلا الجزاء الذي هو فيها لأن ما سواها من مظاهر التنعيم والتكريم في الدنيا لا يدوم ولا يحلو. الإنفاق وما أدراك ما الإنفاق هو البذل والعطاء تحصيلا للأجر والثواب فهؤلاء الذين ينفقون في سبيل الله سرا وعلانية لا يبتغون من وراء ذلك جزاء ولا شكورا، هؤلاء المنفقون في السراء والضراء لا يضيع الله أجرهم، يخلف عليهم ما بذلوه وأنفقوه في هذه الحياة الدنيا ولكن الأجر العظيم والثواب الكبير الذي ينتظرهم هو ثواب الدار الآخرة التي لا ينفع فيها مال ولا بنون إلا ما قدمت يد العبد في هذه الحياة الدنيا من بذل وعطاء لوجه الله خالصا يفرج به كرب مكروب ويقضى به حاجة محتاج رحمة ورأفة وشفقة يستحق بها من جسمها بفعله أي ببذله وعطائه رحمة الله عندما يكون في أمس الحاجة إليها، لذلك فإن من ينفق زوجين من ماله الحلال في سبيل الله ابتغاء للأجر والثواب فإن جزاءه هو أن ينادى يوم القيامة من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير. * ويمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: (فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة). والصلاة هي عماد الدين وهي ما شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهر الجاري على باب احدنا يغتسل فيه في اليوم خمس مرات فإن هذا الاغتسال لا يبقي من الدرن شيئا. وصدق الله العظيم حين قال: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) والصلاة هي أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة فإذا صلحت صلح سائر عمله وإذا فسدت فسد سائر عمله، جعلها الله كتابا موقوتا وجعلها ركن الإسلام الذي لا يسقط إلا بذهاب العقل فإنها تصلى في السفر وفي الإقامة، في السلم وفي الحرب، تقام في كل أحوال المسلم وهي صلوات منها الصلوات الخمس وهناك صلوات أخرى حسب أحوال المسلم (حاجة واستخارة واستسقاء وجنازة) وهي نوافل لا يحصى لها عدد يناجي فيها المسلم ربه (فاسجد واقترب) و(اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) فمن كان على صلاته مواضبا ومن كان فيها حاضرا مع ربه يدعى يوم القيامة من باب الصلاة. * ويخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المجاهدين في سبيل الله يدعون من باب الجهاد، والجهاد سنام الإسلام وذروته لأنه إعلاء لكلمة الله ونشر لدين الله (لتكونوا شهداء على الناس) حتى تبرأ الذمة (لتكونوا شهداء على الناس) (ألا هل بلغت اللهم فاشهد؟) وجهاد المسلمين ليس فيه ظلم ولا عدوان يدعى المجاهد من باب الجهاد في الجنة. * ومن كان من أهل الصيام الذي هو جنة وهو عبادة الإخلاص لله رب العالمين (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا اجزي به) من كان صيامه لا رفث فيه خالصا لله سبحانه وتعالى يدع فيه قول الزور والعمل به ومن كان صواما لله عن الطعام والشراب وعن كل ما يغضب الله من قول أو فعل يدعى من باب الريّان. * ومن كان من أهل الصدقة، والصدقة تطفئ غضب الله وتقي مصارع السوء (صنائع المعروف تقي مصارع السوء) يدعى من باب الصدقة الذي هو احد أبواب الجنة. في خاتمة هذا الحديث المبشر للمؤمنين بما أعده الله لهم من اجر وثواب كلا حسب ما اندفع إلى فعله من الطاعات إذ طبائع الناس مختلفة وانصرافهم إلى بذل المعروف والقيام بأعمال الخير متنوع أيضا يسأل سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟) وليس غريبا أن يكون الصديق هو صاحب هذا السؤال وهو الذي لم يترك بابا من أبواب البر إلا واندفع إلى البذل والعطاء في مجاله رغبة منه في تحصيل الأجر والثواب وتصديقا وصديقية منه لصاحبه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال في حقه: (لو وزن إيمان هذه الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر) أول من آمن وهو من كان في الغار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)، وهو أيضا من ثبت على الإسلام عندما تزعزع وتزلزل كبار الصحابة فقال (من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت) وهو من حارب ما نعي الزكاة والمرتدين عن دين الإسلام بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وهو من انفق قبل الفتح وبعده وهو من خرج من ماله أكثر من مرة كيوم ولدته أمه صدقة منه على الفقراء المسلمين قائلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سأله (وماذا تركت لأهلك يا أبا بكر؟) قال: تركت لهم الله ورسوله) رضي الله عن الصديق فقد كان حريصا على أن لا يترك بابا من أبواب البر إلا ويكون من أهله ولأجل ذلك أجابه رسوله الله صلى الله عليه وسلم (نعم وأرجو أن تكون منهم) إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سيدعى يوم القيامة من باب الإنفاق ومن باب الصلاة ومن باب الجهاد ومن باب الريّان ومن باب الصدقة وكلها أبواب للجنة سيدخل منها أبو بكر رضي الله عنه.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.