في رياض السنة النبوية:العمل الذي يبتغى به وجه الله يزيد القائم به درجة ورفعة

في رياض السنة النبوية:العمل الذي يبتغى به وجه الله يزيد القائم به درجة ورفعة


عن أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي الزهري رضي الله عنه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم قال : جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت يا رسول الله إني قد بلغ بي الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلى ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال : لا، قلت : فالشطر يا رسول الله؟ فقال : لا، قلت : فالثلث يا رسول الله؟ قال : الثلث، والثلث كثير أو كبير“”انك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس وانك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك قال : فقلت: يا رسول الله أخلّف بعد أصحابي؟ قال : انك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت درجة ورفعة ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون. اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة" متفق عليه. هذا حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المليئة بالهدي القويم والتوجيه الرشيد للمؤمنين فيما تصلح به أحوالهم ويتقبل به منهم خالص أعمالهم. أورد هذا الحديث الإمام النووي في كتابه الجليل (رياض الصالحين) في باب الإخلاص وإحضار النية الذي افتتحه بحديث (إنما الأعمال بالنيات). وراوي هذا الحديث هو الصحابي الجليل أبو إسحاق سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه، كان من أوائل المهاجرين ومن السابقين إلى اعتناق الإسلام شهد بدرا وما بعدها كان يقال له: فارس الإسلام وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وقد بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وهو أحد الستة أصحاب الشورى وكان يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له عليه الصلاة والسلام فقال "فداك أبي وأمي أيها الغلام الحزور اللهم سدد رميته وأجب دعوته، وقال في حقه رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خالي فليأت كل رجل بخاله، وهو أول من أراق دما في الإسلام وأول من رمى بسهم في سبيل الله. كان رضي الله عنه شجاعا شديدا في دين الله متبعا للسنة زاهدا في الدنيا ورعا عن الحرام وكان مجاب الدعوة صادقا متواضعا توفي رضي الله عنه في قصره بالعقيق على سبعة أميال من المدينة وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة وصلى عليه والي المدينة مروان بن الحكم وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكان آخر المهاجرين موتا بالمدينة ولما حضرته الوفاة دعا بخرق جبة له فقال: كفنوني فيها فاني لقيت المشركين فاني كنت لقيت المشركين فيها يوم بدر وكنت أخبئها لهذا اليوم وكانت وفاته سنة ثمان أو خمس وخمسين (انظر دليل الصالحين الجزء الأول الصفحة 56). قال سعد بن أبي وقاص جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرشد إلى كل خير ويسبق إليه فقد جبّب ورغب في عيادة المريض ومواساته وروى عن ربه قوله (يا ابن آدم مرضت ولم تعدني يقول العبد كيف أعودك وأنت رب العالمين فيقول الله تبارك وتعالى : أما علمت أن عبدي فلان مرض أما انك لو عدته لوجدتني عنده) (أي وجدت رضاي وقبولي واستجابة دعائك عند رأس المريض) كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حق المسلم على أخيه المسلم أن يعوده إذا مرض ولا يخفى ما في ذلك من المواساة والرحمة والعطف الدافعة كلها إلى مزيد التحابب بين المؤمنين (مثل المؤمنين في تواددهم وتحاببهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى). فرسول الله صلى الله عليه وسلم على علو منزلته ورفعة قدره جاء يعود سعد بن أبي وقاص المريض الذي هو صاحبه وهو أيضا خاله وفي ذلك حث على صلة الأرحام وقد اشتد المرض بسعد بن أبي وقاص قال فيه (أشفيت منه على الموت) (إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى) وفي هذا دليل على جواز الشكوى من الألم والمصاب على أن لا يكون في ذلك ما يمكن أن يؤدي إلى سخط وعدم رضى بقضاء الله وقدره. (وأنا ذو مال) وفي ذلك إشارة من سعد إلى ما انعم به الله عليه وقد كان من أثرياء الصحابة وفي ذلك اعتراف بنعمة الله عليه والحديث بها (وأما بنعمة ربك فحدث) وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده). (ولا يرثني إلا ابنة) وذلك زمن المرض الذي زاره فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. سأل سعد بن أبي وقاص : (أفأتصدق بثلثي مالي؟) قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قال سعد: فالشطر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا قال سعد: فالثلث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الثلث، والثلث كثير). وفي رواية كبير والصدقة من أبواب البر والأجر والثواب وهي تطفئ غضب الرب وتقي مصارع السوء والمتصدق موعود بالإخلاف وبالثواب العظيم ولذلك تسابق في التصدق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج البعض منهم من ماله كيوم ولدته أمه ولم يترك لأهله شيئا كما فعل ذلك الصديق رضي الله عنه. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يأذن بالتصدق إلا بالثلث حفاظا على حقوق الورثة حيث جعل الوصية لا تتجاوز الثلث وجعل الوصية لا تكون لوارث حتى لا تتسبب في عداوة وبغضاء بسبب التمييز بينهم وقد علل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب عدم الزيادة على الثلث بقوله (انك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) فاليد العليا في الإسلام خير من اليد السفلى وسؤال الناس مذلة ومهانة وهو لا يليق بكرامة وعزة المؤمن المأمور بأن يسعى في الأرض ويبتغي من فضل الله، وسعيا إلى أن يبقى الأبناء بعد آبائهم في رغد عيش نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه سعد بن أبي وقاص عن أن يتصدق بأكثر من ثلث ماله. ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه وكل المؤمنين إلى أن المرء يؤجر ويثاب ليس فقط على الصدقة ولكن يثاب حتى على ما يعتبره مما لا يدخل فيه الثواب مما هو من قبيل الواجب أو التحبب إلى الأهل. فقال (وانك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك) لقد قيد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصول على الأجر أن يكون ذلك لوجه الله وحده لا يبتغي من وراء ذلك جزاء ولا شكورا فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبعد مدى حيث اعتبر حتى ما يجعل في فيء الزوجة مما هو من قبيل الواجب أو من قبيل التحبب المباح. وشكا سعد بن أبي وقاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب المرض الذي ألم به فطيب رسول الله خاطره ووسع عليه وبين له مجالات وأبواب الخير التي فتحها الله لعباده فقال : (انك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت درجة ورفعة ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون) فابتغاء وجه الله بالتخلف عن الهجرة يمكن أن ينتفع منه وبه خلق كثير من عباد الله كما يمكن أن يكون شجي في حلوق آخرين من الأشرار والكفار وفعلا فان سعدا نفع الله به كثيرا من عباد الله ونصر به دينه وسلطه على الكثير من أعداء الله، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاتمة هذا الحديث بأن يتم الله لأصحابه هجرتهم وأن لا يردهم على أعقابهم وبقيه الحديث من سعد بن أبي وقاص (لكن سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة) وسبب بؤسه هو عدم هجرته وشعوره بذلك عتابا لنفسه ومعتبرا أنه قد قصر وما قصر رضي الله ولكن المرض أقعده أما العمل الصالح فقد أبلى في ميادينه البلاء الحسن: جهادا في سبيل الله ونفعا للمسلمين وبذلا للغالي والنفيس خالصا لوجه الله وابتغاء للثواب والأجر من عند الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.