نص خطبة الجمعة بالمسجد الكبير بسان دني St Denis فرنسا ليوم 27 رمضان 1435 25/7/2014

نص خطبة الجمعة بالمسجد الكبير بسان دني St Denis فرنسا ليوم 27 رمضان 1435 25/7/2014


مسجد سان دني وضع حجر أساسه قبل سنوات وها هو ذا اليوم في لمساته الأخيرة صرح شامخ يضم قاعات الصلاة الفسيحة للرجال والنساء وقاعات التدريس والمكتبة وكذلك مآوي للسيارات فضلا عن صومعة وقبة. لقد جاء هذا الصرح ثمرة لجهود مضنية مخلصة كانت وراءها ثلة من الرجال العاملين بصمت وتجرد وإخلاص عرفناهم وتعاونا معهم في مسجد بلال القديم والذي كان في الأصل كنيسة من خلال دروس وخطب جمعية كان التفاعل معها تلقائيا فالحمد لله على توفيقه. وتأتي هذه الخطبة في إطار سلسلة دروس رمضانية في مساجد عديدة: مسجد بلال ومسجد عمر ومسجد علي والمسجد الكبير بالمنطقة الخامسة ومسجد كراي ومسجد افري ومسجد سفران غيرها وكان ذلك في كل مرة أزور فيها باريس يتم التواصل مع روادها منذ سنوات عديدة بفضل من الله وتوفيق منه والحمد لله على ذلك الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد أيها المسلمون: ها هو ذا شهر رمضان المبارك يأذن بالرحيل تاركا في أنفسنا حسرة على ما كان في أيامه ولياليه من أسرار وبركات ورحمات غمرتنا فكنا فيها و بها مقبلين على ربنا الذي كتب علينا صيام هذا الشهر كما كتبه على الذين من قبلنا مبينا لنا الحكمة التي من أجلها فرض علينا الصيام حيث قال جل من قائل (لعلكم تتقون) والتقوى أيها الأخوة المؤمنون هي زاد المسلم في رحلته في هذه الحياة الدنيا التي منتهاها وغايتها الوقوف بين يدي رب العالمين في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. لقد أمرنا ربنا في كتابه العزيز بالتزود لذلك اليوم الذي تشيب لهوله الولدان الصغار فقال جل من قائل (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) والتقوى هي اجتناب النواهي وإتيان الأوامر التقوى هي أن لا يفقدك ربك حيث أمرك أن تكون وأن لا يجدك حيث نهاك أن تكون وقد أمرك أن تكون في المساجد تعمرها بذكر الله وتلاوة القرآن أمرك إن تكون في عملك تسعى من أجل تحصيل قوتك وقوت عيالك، أمرك ان تكون على مقاعد الدراسة تحصل العلوم والمعارف، أمرك ان تكون في خدمة أهلك تصل رحمك، أمرك أمرك ان تكون في عون اخوانك تصلح ذات بينهم وتعود مرضاهم وتعين محتاجهم، أمرك أن تكون سالكا لكل سبل الخير لنفسك ولإخوانك وللناس أجمعين ونهاك ان تكون في مواطن الشر وارتكاب المعاصي واتيان المنكرات ونهاك عن الإثم والعدوان. *التقوى أيها المؤمنون التي فرض الله علينا صيام شهر رمضان من أجل تحصيلها محلها القلب، منه تنطلق وفيه تترسخ لتشع بعد ذلك على كل أعضائنا وعلى كل ما وهبنا الله وما وضع بين أيدينا واستخلفنا واسترعانا عليه وجعله أمانة بين أيدينا وأمرنا أن نؤديها (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات). *القلب أيها الأخوة المؤمنون هو محل التقوى ألم يقل رسول الهدى والرحمة عليه الصلاة والسلام (التقوى ههنا التقوى ههنا التقوى ههنا)؟ وأشار إلى صدره، ولا يفوز ولا ينجو من عذاب الله إلا من (أتى الله بقلب سليم) لا غل فيه ولا كراهية فيه ولا بغضاء فيه، قلب عامر بالايمان مطمئن بذكر الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) عمارة القلوب إنما تكون بالحضور الدائم مع الله خشية وخوفا وأملا ورجاء في رحمته وغفرانه. ومن أجل إدراك المؤمن لهذه المرتبة توالت أوامر الله في كتابه العزيز وتتابع هدى نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام يأمران المؤمن بإلحاح شديد ويذكرانه و (الذكرى تنفع المؤمنين) بأن لا يغفل عن ذكر ربه في كل آن وحين (أذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ) اذكروا الله قياما وقعودا فإن من أعرض عن ذكر ربه تهدده بأن تكون معيشته ضنكا . ولا يزال لسان المؤمن ذاكرا شاكرا حامد مقيدا لنعم الله التي لا تحصى ولا تعد (وان تحصوا نعمة الله لا تحصوها) إنها في أنفسنا وفي الأفاق المحيطة بنا حيثما التفتنا رأينا التسخير وما أكثرها الآيات التي مرت بنا طيلة ليالي هذا الشهر المبارك استمعنا اليها تتردد على ألسنة حذاق الحفاظ يرتلونها ترتيلا من مثل قوله جل من قائل (قتل الانسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره) (فلينظر الانسان الى طعامه انا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فانبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا فاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم) (أيحسب الانسان ان يترك سدى الم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ) (أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلنا أجاجا فلولا تشكرون أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشؤون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين فسبح باسم ربك العظيم) سبحانك ما أعظمك، سبحانك ما أكرمك، سبحانك ما ألطفك وما أرحمك بعبادك المؤمنين لقد مرت بنا آيات الكتاب العزيز الشاهدة لرب العالمين بالوحدانية، الشاهدة لرب العالمين بكل صفات الكمال والجمال فزادتنا ايمانا ويقينا فرددت ألسنتنا ومعها كل جوارحنا تبارك الله أحسن الخالقين وأحسن الرازقين هو ربنا وخالقنا ومولانا وهو حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير نتقرب إليه بكل ما يرضيه من صالح الأعمال والأقوال لا نبتغي الأجر والثواب إلا منه سبحانه وتعالى فهو السميع المجيب وهو القريب (امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء) هو المعبود بحق فلا نعبد إلا الله ولا نستعين إلا به وهو الذي يقول للشيء (كن فيكون) من أجل عبادته خلقنا واستخلفنا فقال جل من قائل (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد ان يطعمون)انه سبحانه وتعالى الغني عن عباده لا تزيد في ملكه طاعاتهم ولا تنقص من ملكه معاصيهم كيف لا وهو القائل في الحديث القدسي ( يا عبادي انما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) وهو القائل في كتابه ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده حراما وما يظلم ربك أحدا. لقد شهد لله بالوجود والوحدانية والتصرف بحكمة عجيبة عمالقة رجال العلم والفكر قديما وحديثا وهي شهادات لا تزيد المؤمنين إلا يقينا وطمأنينة. *فهذا باستار يقول (لا تنافي بين العلم والايمان وكلما زاد علم الانسان زاد ايمانه) وهذا العالم الكيميائي ويتز يقول (اذا أحسست في حين من الأحيان ان عقيدتي بالله تزعزعت وجهت وجهي إلى أكاديمية العلوم لتثبيتها) وهذا انشتاين يقول ( العلم يخبرنا بما هو كائن ولكن الوحي وحده هو الذي يخبرنا بما ينبغي أن يكون) وهذا يليز باسكال يقول (ما هو هذا الانسان في هذه الطبيعة انه عدم تجاه اللانهاية) أما الجيولوجي ادمون هربرت فيقول (العلم لا يمكن ان يؤدي إلى الكفر ولا إلى المادية ولا يفضي إلى التشكيك ) أما هنري برغسون فهو يقول (إن يدا غيبية تعمل في تنظيم هذه الحركات المنظمة لايجاد أو حدوث تيار كهربائي وأمواج كهربائية مختلفة وتفاعلات كيميائية إلى غير ذلك مما سيكشفه العلم الحديث) ويقول هكسلي (إن العلم الصحيح والدين الصحيح توأمان اذا انفصل أحدهما عن الآخر خرا صريعين وماتا حتم انفهما) ويقول فولتير (إن الموجودات برمتها تنادي برفيع صوتها إن لها بارئا قد برأها وصانعا قد أتقن صنعها) ويقول نيوتن (لا شك في الخالق فإن هذا التنوع في الكائنات وما فيها من ترتيب أجزائها ومقوماتها وتناسبها مع غيرها ومع الأزمنة والأمكنة لا يمكن ان تصدر إلا من حكيم عليم) أما موريس بوكاي فهو ينتهي في كتابه الذي يحمل عنوان التوراة والانجيل والقرآن في ضوء المعارف العصرية والذي تضمن مقارنات بين ما ورد في الكتب الثلاثة وما انتهى إليه العلم في مختلف اختصاصاته فينتهي إلى القول (باستحالة تعارض آيات القرآن الكريم مع آخر ما جاء به العلم الحديث وان القرآن لا يمكن إن يكون كلام بشر مهما كانت عبقريته إنه كلام الله وان الذي جاء به لا يمكن أن يكون إلا نبيا يوحى إليه لا ينطق عن الهوى) هذا هو كتابكم العزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تعهد الله بحفظه فقال جل من قائل (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) نزل به الروح الأمين في ليلة مباركة (انا أنزلناه في ليلة القدر)في شهر مبارك هو هذا الشهر الذي يرحل عنا تاركا في أنفسنا حسرة وحزنا على ما عشناه فيه من سكينة وطمأنينة وخشوع دعينا إلى صيام النهار فصمنا ودعينا إلى قيام الليل فقمنا ودعينا إلى البذل والعطاء والمواساة فبذلنا اقتداء بالحبيب المصطفى الذي كان كريما وكان أكرم ما يكون في رمضان فكان كالريح المرسلة بشرنا عليه الصلاة والسلام بالأجر العظيم لمن فطر صائما حتى لو كان ذلك على حبة تمر أو مذقة لبن أو جرعة ماء كل ذلك لنتراحم ولنكون كالبنيان المرصوص وكالجسد الواحد الذي يتداعى كل أعضائه بالسهر والحمى اذا ما اشتكى منه عضو. ضاعف الله لنا الثواب فرفع خصلة الخير إلى درجة الفريضة وجعل أداء الفريضة بسبعين فريضة وفتح لنا أبواب القبول فجعل للصائم دعوة ليس بينها وبين الله حجاب وكان اول هذا الشهر رحمة وأوسطه غفرانا وآخره عتقا من النار وفي الليلة الأخيرة يعتق ربنا من الرقاب بعدد ما أعتق في بقية الليالي *أما ليلة القدر التي أمرنا بالتماسها في الثلث الأخير من شهر رمضان فهي الليلة الهدية للأمة المحمدية ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر أنزل الله فيها القرآن إلى السماء الدنيا هذا الكتاب الذي هو معجزة خالدة تتحدى الانسان والجان يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن هذا القرآن مأدبة الله فأقبلوا على مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق مع كثرة الرد أتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولكن ألف ولام حرف وميم حرفا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله)وقال عليه الصلاة والسلام ( إن لله أهلين من الناس قالوا من هم يا رسول الله؟ قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته وصاحب القرآن يقال لصاحب القرآن حامله ارقى وترقى فمرتبتك عند آخر آية معك) هذا هو القرآن الكريم كتاب الله العزيز ينبغي على المسلم أن لا يهجره وان لا تكون صلته به مقتصرة على ليالي رمضان ليكن أنيس المؤمن في حله وترحاله ليكون له ضياء وأنيسا في وحشة قبره وشفيعا له عند ربه فهو أفضل ما يتقرب به إلى الله بعد أداء الفرائض وكيف لا وهو أساس الهداية والعاصم من الكفر والضلالة؟ وكيف لا والقرآن دليل المسلم في معرفة الحلال والحرام؟ وكيف لا وهو دستور الأخلاق الكريمة ومنهج الاستقامة؟ اقرؤوه بتدبر ورتلوه ترتيلا ونشؤوا أبناءكم وبناتكم وزوجاتكم وأهليكم عليه وابذلوا الغالي والنفيس في سبيل تعليمه وتحفيظه ليظل عاصما لكم مقوما لسلوككم مرضيا لربكم وشفيعا لكم بين يديه يوم القيامة فقد صح في الحديث الشريف ان الصيام والقرآن يشفعان يوم القيامة الصيام يقول منعته الطعام والشراب فشفعني فيه والقرآن يقول انه منعته النوم فشفعني فيه فيشفعهما الله هذا شهر الصيام يتهيأ للرحيل إلى عام قادم لا ندري أنكون من أهل الحياة أم من أهل القبور أما القرآن فهو باق معنا فلنكن به موصولين نرتله ونتدبره ونتعلمه ونعلمه فقد جاء في الحديث الشريف (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ولنبادر عباد الله إلى أداء ما فرض علينا في خاتمة ونهاية هذا الشهر ونحن نستقبل عيد الفطر المبارك من زكاة الفطر فقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن اداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) *وعن جرير رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صوم شهر رمضان معلق بين السماء والأرض ولا يرفع إلا بزكاة الفطر) *وعن عبد الله بن ثعلبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هي صاع من بر أو قمح على كل صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى غني أو فقير أما غنيكم فيزكيه الله واما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى) رواه أحمد *زكاة الفطر تجب على كل من علينا نفقته من زوجة ووالدين وأولاد حتى من يولد ليلة العيد وغاياتها وحكمها واضحة جلية انها مرضاة للرب وتزكية وتطهير لكل ما عسى اعترى صومنا من لغو ورفث ومفسد من الأعمال والأقوال وهي طعمة لأخواننا المحتاجين حتى تكفيهم مذلة الحاجة والفاقة والسؤال فنكون متآزرين متزاحمين أهلا بان يباهي بنا ربنا ملائكته فقد روى ابو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فإذا كان ليلة تسع وعشرون أعتق الله فيها من الرقاب ما أعتق فيها من الشهر كله فإذا كانت ليلة الفطر ارتجت الملائكة وتجلى الجبار تعالى بنوره مع انه لا يصفه الواصفون فيقول للملائكة وهم في عيدهم من الغد: يا معشر الملائكة يوحى اليهم ما جزاء الأجير إذا وفى عمله؟ تقول الملائكة: يوفى أجره فيقول الله عز وجل (أشهدكم اني قد غفرت لهم) رواه الاصبهاني



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.