قراءة في تجربة 20 سنة من تدبير الشأن الديني بالمغرب الشقيق
كتب محمد صلاح الدين المستاوي
تدبير الشان الديني في المغرب الاقصى من الملفات التي نالت عناية واهتماما كبيرين في العقدين الاخيرين (1999.2019) وهي الفترة التي مرت على اعتلاء جلالة الملك محمد السادس سدة العرش خلفا لوالده جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله وقد تزامن هذا الاهتمام بالشان الديني مع ماشهدته الساحة العربية والاسلامية وحتى خارجها من احداث ومستجدات استوجبت مواكبتها بما يقتضيه الحقل الديني من اصلاحات شملت تطوير الرؤية ومراجعة التشريعات وضخ دماء جديدة مستوعبة لخصوصيات اسلام هذا الجناح من العالمين العربي والاسلامي الذي يعد المغرب الاقصى ركيزة من ركائزه الاساسية للمغرب الاقصى خصوصيات عديدة يعتز بها المغاربة على مختلف الاصعدة الرسمية والاهلية توافقوا عليها وجعلوها من ثوابت مجتمعهم وخصائصه وبنوا عليها كل مشاريعهم وبرامجهم في طليعتها مؤسسة امارة المؤمنين ممثلة في الاسرة العلوية المنحدرة في نسبها إلى الدوحة النبوية الشريفة.
وهي بذلك تحظى بمكانة لدى الشعب المغربي بمختلف مكوناته العرقية في كل ارجاء اقاليمه الممتدة من الشمال على شواطئ المتوسط وبمحاذاة المحيط الاطلسي وصولا إلى تخوم بلدان افريقيا ماوراء الصحراء وظل هذا التلاحم بين الاسرة العلوية والشعب المغربي قويا صلبا في كل ا لمراحل وازداد متانة في مرحلة ثورة الملك (محمد الخامس رحمه الله) والشعب ضد المستعمر الفرنسي إلى ان استعاد المغرب استقلاله وانطلق في بناء دولته الحديثة العصرية المتمسكة باصالتها وخصوصياتها والتي منها مؤسسة امارة المؤمنين التي ازداد في العشرين سنة الماضية (2019.1999) الاقتناع بها والانخراط فيها والتمسك بها من طرف الموالاة والمعارضة على حد السواء خصوصا بعدما وقع اتخاذه من خطوات على يدي الملك محمد السادس من قرارات في المجال السياسي ترسيخا للديموقراطية والحرية وحقوق الانسان في اتجاه ملكية دستورية تراعي خصوصيات المغرب.
وعلى راسها امارة المؤمنين بما تعنيه من ناي بالشان الديني عن كل التجاذبات الحزبية وكتجسيم لهذه الخصوصية فان الملك محمد السادس هورئيس المجلس العلمي الاعلى الذي له فروع تتكون من خيرة علماء المغرب في كل الاقاليم على المستوى الجهوي والمحلي وهذه المجالس العلمية هي الجهة الدينية التي تشرف على النشاط الديني تاطيرا وتوجيها وافتاء إلى جانب وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية التي تتولى الجانب الاداري التنفيذي لتدبير الشان الديني إضافة الى مهام اخرى عديدة كما تكفلت الرابطة المحمدية للعلماء من خلال فروعها ومراكزها العلمية المختصة واصداراتها وندواتها ومؤتمراتها المتعاقبة بتكريس خصوصيات الاسلام في المغرب وشهد الجانب الاهلي من الشان الديني ممثلا في الزوايا والطرق الصوفية ( والمغرب بلاد التصوف والزوايا والاولياء) دعما ملحوظا ماديا ومعنويا باعتباره طرفا لا يستهان به في الحفاظ على خصوصيات الاسلام في المغرب باعتبار دوره في مواجهة موجات التطرف والارهاب التي استهدفت المغرب أكثر من مرة في السنوات الماضية.
ووضع المغرب للشان الديني مدونة سلوك لايقع الحياد عنها في الخطاب الديني في كل تجلياته ومجالاته وهذه المدونة ترتكز على العقيدة الاشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني الجنيدي وقراءة ورش باعتبارها خصوصيات مغربية جنبت المغاربة عبر تاريخهم المديد كل تشرذم ديني وانقسام فشعب المغرب مسلم سني اشعري مالكي جنيدي ومضى المغرب بخطى ثابتة في ترسيخ خصوصيات الشان الديني بما توالى اتخاذه من طرف جلالة الملك محمد السادس طيلة السنوات العشرين الماضية من قرارات عززت ماكان موجودا من مؤسسات علمية ودينية عريقة ممثلة في جامعة القرويين ودار الحديث الحسنية ومعاهد التعليم الديني العتيق والدروس الحسنية الرمضانية التي وقع ا لتوسع في عدد المشاركين فيها ليمتد إلى كل انحاء العالمين العربي والاسلامي وحيثما وجد مسلمون في مختلف القارات واضافت إليه مؤسسات اخرى في اتجاه تكريس الاشعاع الديني للمغرب في اتجاه الدول الافريقية عموما و دول افريقيا الغربية خصوصا التي تشترك مع المغرب في خصوصيات الاشعرية والمالكية والجنيدية.
وذلك بتاسيس معهد محمد السادس لتكوين اللائمة والمرشدين الذي يستقبل سنويا المئات من الافواج من البلدان الافريقية ليعودوا إلى بلدانهم مكونين التكوين المتين على نهج الوسطية والاعتدال والتسامح والتعايش الذي يتصدون به لما تشهده البلدان الافريقية من دعوات تطرف سنية وشيعية تتهدد استقرارها و قداضاف المغرب إلى ذلك بعث رابطة محمد السادس لعلماء افريقيا التي تتخذ من مدينة فاس مقرا لها ومنها تنطلق في اداء رسالتها الدينية في البلدان الافريقية ومن خلال هذين الهيكلين وبماتبثه قناتا محمد السادس الاذاعية والتلفزية من مادة دينية (منها الكراسي العلمية التي يتولى فيها كبار علماء المغرب التدريس لمختلف فروع العلوم الشرعية تكرس الخصوصيات الانفة الذكر (الاشعرية المالكية الجنيدية مع الالتزام برواية ورش) يؤطر المغرب الخطاب الديني بكل ذلك وغيره مما لايتسع المجال لذكره وتعداده داخل حدوده وخارجها في البلدان الافريقية وفي صفوف الجالية المغربية في الخارج (اروبا وغيرها..) ذلك ايها القارئء عرض مختصر لتجربة المغرب الشقيق في تاطير الشان الديني تابعتها في السنوات الماضية من خلال ماتهيا لي من فرص الاطلاع عليها في مناسبات مختلفة اقدمه تحية للمغرب وشعبها وقيادتها لعل فيها ما يستانس به وينسج على منواله باعتبار ان المشترك بين البلدين تونس والمغرب و بين الشعبين كثير وكثير جدا
