طوبى لمن جعل لعقله سلطانا على هواه وهنيئا له بنجاح آخرته وأولاه

طوبى لمن جعل لعقله سلطانا على هواه وهنيئا له بنجاح آخرته وأولاه


نوازع الشهوات وهواتف الهوى غريزة في الإنسان متأصلة في أصل تكوينه البشري لا يلام على وجودها فيه وإنما يلام على الاستسلام لها والاندفاع في تياراتها بدون تبصر ذلك أن الله سبحانه وتعالى ركب في الإنسان الشهوة وأعطاه بجانبها العقل الذي به شرف الإنسان على بقية الكائنات الأخرى وأصبح لدى خالقه مكرما محترما (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البحر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا). أجل، لقد سما الإنسان بعقله وارتفع به من حضيض الحيوانية المحض تلك الحيوانية التي تمثل في أجلى مظاهرها الشهوة العارمة التي لا تتقيد بقيود ولا تقف عند حدود والتي تجعل صاحبها يعيش لنفسه فقط ولساعته الحاضرة ولولا سلطان العقل الذي به تمكن الإنسان من ناحية كونه الرحيب لضاع الإنسان في غمرة فضائله الحيوانية ولاضمحل من هذا الكون بهاؤه وإشراقه وجلاله، وكم يحق للإنسان أن يبتهج ويفخر عندما يستمع إلى ربه جل وعلا يرد على ملائكته الأطهار حينما نظروا إلى الإنسان من خصائصه الحيوانية فقط يوم أن أراد الله استخلافه في الارض واستمع إليه يقول: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33).

بذلك العقل الذي هو آلة المعرفة ووعاء العلوم استطاع آدم أن يتلقى من ربه كلمات وبه أجاد تطبيق الأسماء على المسميات فأذعن الملائكة إذعان اقتناع وإيمان واعتذروا لخالقهم عما بدر منهم من تساؤل واستغراب وبذلك العقل خوطب محمد -صلى الله عليه وسلم- في غار حراء في أول لقاء بينه وبين الروح الأمين أين خوطب بقول ربه (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم)، ولولا العقل الذي هو أخص خصائص الإنسان وأثمن شيء فيه لما تحمل الإنسان رسالات ربه بأمانة واقتدار ولما أذعن لمشيئته الفلك الدوار والبحر الهدار ولكن هي المنة الإلهية التي لن يستطيع الإنسان مهما كانت استقامته أن يؤدي لخالقه جزءا يسيرا من الحق الذي له عليه (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) وكيف يستطيع الإنسان أن يحصي نعم الله بالعد وهو في كل حركة وسكون عالة عليه؟ ودليله وقائده واقف بجانبه لا يتركه لنفسه ولا يهجره إذا تمرد عن أوامره ونواهيه.

وما هذا الدليل المخلص المطيع إلا عقله الذي وهبه الله له ذلك العقل الذي هو بمثابة منجم مليء بمدخر ثمين خرج بعضه على ظهر الأرض وتبطن جله أحشائها فان أراد صاحبه الكفاف فقد تحصل عليه مما فوق ظهر الأرض وإن أراد الثراء والسعادة والرفاه فما عليه إلا أن يستخرج الكنوز المخبأة وأول هاتيك الكنوز هو في الإنسان ذاته (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) وإنه لمن أعظم ألطاف الله بخلقه ان جعل القدر الأدنى من العقل في متناول جميع الآدميين إذ به يميزون بين الخبيث والطيب والقبيح والجميل والخالد والفاني ومن هنا ندرك عمق النظرة الدينية في إناطة التكاليف السماوية بالإنسان لمجرد وجود العقل فيه ذلك العقل الذي لا يعني في هذا المقام المعرفة والحكمة وفرط الذكاء بل هو ضد العته والجنون فقط وغير المجنون إذا لم تحجب أنوار عقله شهواته أدرك بفطرته الإنسانية السليمة ما له من حقوق وما عليه من واجبات وأدى في هذه الحياة وظائفه الاجتماعية والشخصية فانتفع من وجوده ونفع به أبناء جنسه وعاش في دنياه سعيدا قرير العين وانتقل إلى آخرته باسم الثغر يرجو من ربه الجزاء الأوفى ويخلف وراءه الذكر المعطر والأسف المرير فطوبى لمن جعل لعقله سلطانا على هواه وهنيئا له بنجاح آخرته وأولاه.



الكلمات الشائعة العقل النجاح اله الأخرة

 

الشيخ الحبيب المستاوي

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.