الملتقى العالمي التاسع للتصوف مداغ المغرب 10-11-12 ربيع الأول 1436/ 2-3-4 جانفي 2015 التصوف حصن ضد التطرف

الملتقى العالمي التاسع للتصوف مداغ المغرب 10-11-12 ربيع الأول 1436/ 2-3-4 جانفي 2015 التصوف حصن ضد التطرف


بسم الله الرحمان الرحيم وصل اللهم على سيدنا محمد الذي منه انشقت الأنوار وانفلقت الأنوار وفيه ارتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق ولا لاحق. والحمد لله الذي جمعنا في دورة جديدة من دورات الملتقى العالمي للتصوف بدعوة كريمة من الطريقة القادرية البودشيشية وشيخها الجليل سيدي حمزة أمدّ الله في أنفاسه لنتدارس في أجواء الاحتفال بمولد سيد الكائنات عليه الصلاة والسلام موضوع: التصوف في السياق المعاصر: الحال والمآل ، وهو بحق موضوع الساعة وكل المحاور التي طرحت جديرة بالوقوف عندها بالدراسة والبحث. ولقد اخترت أن تكون مساهمتي المتواضعة في موضوع: التصوف حصن ضد التطرف والقول بأن التصوف حصن ضد التطرف يقتضي منا أن نبسط القول في المكونين الأساسيين لهذه المقولة أي : التصوف والتطرف ومدى صلة وعلاقة كل منهما بالإسلام كدين أكمله الله وأتم به النعمة ورضيه لعباده، أرسل به الى الناس كافة سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام الذي قال في حقه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وإن كان المجال لا يسمح لاستعراض مجالات السماحة في رسالة الإسلام والتي تقف عليها شاهدة الأسوة المحمدية التي تمثل الجمال والكمال الانساني في أروع تجلياتهما ويكفي للدلالة على ذلك قوله جل جلاله (وإنك لعلى خلق عظيم) والأخلاق بعد التوحيد وإفراد الله بالعبادة هي جوهر الرسالة المحمدية ومحورها الأساسي ومجال التنافس وسبب التفاضل بين المؤمنين والتطرف لغة هو تجاوز حد الاعتدال والوسطية وبين التطرف والغلو عموم وخصوص والنصوص الشرعية تعبر عن التطرف بالغلو الذي هو مجاوزة الحدّ بأن يزاد في الشيء في حمده أو ذمه على ما يستحق ذلك قال الله تعالى (ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظالمون) الآية 229 سورة البقرة وخاطب الله أهل الكتاب (وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ) فقال (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا اهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلّوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) الآية77 سورة المائدة وفي النهي عن الغلو في الدين بمعنى التطرف وردت احاديث نبوية عديدة منها: *عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) *وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) *وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع ...رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) رواه أبو داود *وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون قالها ثلاثا . رواه مسلم ولقد ورد في الكتاب العزيز النهي الشديد عن الاختلاف في الدين فقال جل من قائل (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء)الآية 159 سورة الأنعام بينما أشاد بأولئك (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعززوه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) سورة الأعراف الاية157 وهذه النصوص المحكمة من القرآن ومن السنة إن هي إلا عينات من كثير لا يمكن الإتيان عليه *وخيرية الأمة الاسلامية الواردة في الآية الكريمة (كنتم خير أمة أخرجت للناس) فضلا عن كونها بسبب اختصاصها بالدين الوارث والخاتم للرسالات السماوية (إن الدين عند الله الإسلام) فإنها متأتية من خصوصيات تتميز بها والتي منها الوسطية (وكذلك جعلناكم امة وسطا) وسطية لا تأتي الشهادة إلا بها، وسطية لا إفراط فيها ولا تفريط، وسطية لا ضرر فيها ولا ضرار، وسطية لا مغالاة فيها ولا تشدد ولا تطرف، وسطية لا تسيب فيها ولا تميع بحيث يصبح الدين اسما بلا مسمى !! هذه الوسطية التي تدعو إليها آيات الكتاب العزيز والهدي النبوي الشريف في مثل قوله تعالى (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك) وقوله عليه الصلاة والسلام (إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فاعط لكل ذي حق حقه) والآيات والأحاديث عديدة تكرس هذه الخصوصية بحيث لا يتعارض في دين الاسلام عمل المسلم لدنياه مع عمله لآخرته (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) إن المسلم يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا ولو كانت الساعة تقوم وبيد المسلم فسيلة فليغرسها فله بذلك أجر * ولكن المسلم وهو يعمل للدنيا ويتمتع بطيباتها ويرى عليه أثر نعمة ربه لا يمكن أن تكون هذه الدنيا أكير همه ومبلغ علمه إن المسلم يجعل نصب عينيه قول ربه (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) والمسلم حريص على ان يتزود في سعيه إلى ربه بخير زاد (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) *فالتقوى هي مقياس التفاضل (إن اكرمكم عند الله أتقاكم) والتقوى لا يعلمها من العباد إلا ربهم (الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال (التقوى ههنا) *والتقوى التي هي في القلوب ليست بالتمني ولا بالتحلي إنها ما وقر في القلب وصدقه العمل، العمل الصالح الذي لا تشوبه شائبة من شرك ورياء واتباع الهوى أحد الثلاث المهلكات (الشح المطاع والإعجاب بالنفس والهوى المتبع) وسبيل النجاة من المهلكات يرسمه الله لعباده في كتابه العزيز في قوله جل من قائل (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) وتزكية النفس هي ما يريد الدين تحقيقه لأجل غايات شتى أولها: ان تزكية النفس كمال انساني وسمو روحي ولا يتأتى هذا الكمال إلا إذا اتخذ الانسان الطريق السليم، والطريق السليم للكمال والتزكية ليس نتيجة اختراع بشري او ابتداع ذهني أو رسم انساني ...وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالا تطبيقيا لهذا الرسم الإلهي للتزكية (لقد كان خلقه القرآن) وإذا كانت تزكية النفس كمالا إنسانيا بالنسبة للفرد فإنها جوهر العوامل في استقرار المجتمع وفي ربوع الوطن وهذا هدف ثان من أهداف التزكية ومما لا شك فيه انه كلما زادت نسبة التزكية في مجتمع ما كلما كان الأفراد في طمأنينة على دمائهم واموالهم وأعراضهم وكلما كانوا بذلك في محيط السعادة أكمل وأتم ... والهدف الثالث من أهداف التزكية إنما هو النجاة بل النعيم في الآخرة يقول سبحانه وتعالى (جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى) انظر كتاب اذكروني أذكركم عبد الحليم محمود *والتزكية للنفس إنما تكون بمجاهدة النفس الأمارة وتقوية النفس اللوامة، نفس الكيس الذي يدين نفسه ويعمل لما بعد الموت *تزكية النفس تحقق لصاحبها النجاح والفلاح (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) (قد أفلح من زكاها وخاب من دساها) *وحياة المسلم عقيدة قويمة سليمة، حياة المسلم ايمان راسخ لا يتزعزع يقوى بالامتثال والنتهاء *حياة المسلم جهاد لا هوادة فيه، جهاد أكبر للهوى والشيطان تكون ثمرته ونتيجته الهداية إلى سبل الله وهي سبل عدة مصداقا لقوله جل من قائل (والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا) *سالك هذه السبل – الذي لا يزيغ عنها إلا هالك- لا تشوب كل ما يأتيه من أقوال وأفعال وحركات وسكنات أية شائبة من رياء وعجب وكبرياء وغطرسة وظلم وعدوان *سالك هذه السبل مخلص لربه (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (ألا لله الدين الخالص) *سالك هذه السبل لا يبتغي من وراء بذله وعطائه وعفوه وحلمه (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) *سالك هذه السبل لا يعتدي ولا يظلم (والله لا يحب المعتدين) يدفع بالتي هي أحسن (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) إنه من المحسنين (الكاظمين للغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) *إن سالك هذه السبل من أهل الإحسان الذي كتبه الله في كل شيء حتى في القتل والذبح شعاره الحديث الشريف (إن الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فاحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) *سالك هذه السبل امن وسلام للجميع وهو في ود وحب لكل الكائنات يمشي على الأرض هونا لا يسمح للكراهية وللحقد والبغضاء أن يقر لها قرار في قلبه الذي فرغه وزكاه وطهره وعمره بذكر ربه حتى اطمأن بذلك ولذلك لقد أتى ربه بقلب سليم *سالك هذه السبل متمثل في كل أحواله لصفة الرحمة جاعلا قدوته وأسوته في ذلك حبيب قلبه وقرة عينه سيد الكائنات عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم الذي قال فيه ربه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وقال ممتنا على عباده المؤمنين (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) وهو القائل عليه الصلاة والسلام (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا) والقائل (من لا يرحم لا يُرحم ) والقائل (في كل ذي كبد حرى رحمة) *سالك هذه السبيل محب، الحب دينه والدين عنده حب أو لا يكون وأي قيمة للدين إذا لم يكن لبه وجوهره الحب؟ بالحب يتذوق حلاوة ايمانه، إنه محب لخالقه وبارئه المنعم عليه بنعم حيثما التفت رآها ببصره وبصيرته، وهو محب لمن كان سببا في هدايته ومن أخرجه به الله من الضيق الى السعة ومن الجور إلى العدل ومن الضلال إلى الإيمان ولولاه لم تخرج الدنيا من العدم الرؤوف الرحيم بأمته الشفيع لها يوم الدين سيد الكائنات محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام إنه أحب للمؤمن من ماله وولده ونفسه التي بين جنبيه. وهو محب في اهحب ولله لإخوانه لا يبتغي من وراء ذلك جزاء ولا شكورا وهو يكره ان يعود إلى الكفر والضلال بعد إن هداه الله كما يكره أن يقذف في النار. *سالك هذه السبل القويمة سبل التزكية محب لكل ما خلق الله وكيف لا يكون على هذا المشرب والحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام في سبيل أن يركز هذه القيمة، قيمة المحبة يقول (أحد (وهو جبل أجرد) يحبنا ونحبه أحد معي في الجنة) وكيف لا يكون هذا الهدي المحمدي نبراسا يهتدي به السالكون السائرون إلى الله في موعد يرونه قريبا ويراه غيرهم من الغافلين الذين لم تتذوق قلوبهم وأرواحهم حلاوة ولذة هذا المشرب يرونه بعيدا، هؤلاء الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا يخرجون من الدنيا كما جاؤوها يصدق عليهم وفيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحدهم (ماذا تريد أن أفعل لك إذا كان الله قد نزع من قلبك الرحمة من لا يرحم لا يُرحم) ما أشقى هذا النفر من الناس؟ إن هؤلاء الواقفين عند الرسوم لا يكادون يفقهون حديثا، على قلوبهم غشاوة وران، لا يكاد ينفك عنهم يلبس عليهم الشيطان فيزين لهم أعمالهم، يحسبون أنهم يحسنون صنعا ضل سعيهم وحبطت أعمالهم وليتهم وقفوا عند ذلك الحد لهان إذن الأمر ولكنهم قد أغلقت لديهم منافذ الوعي فلم تعد الحكمة ضالتهم لقد انغلقوا على أنفسهم واعتبروا كل من خالفهم ولم يكن على مذهبهم خارجا عن الملة اتهموه بالزندقة !!والكفر!!ضاربين عرض الحائط بالنصوص المحكمة التي تعصم للناطق بالشهادتين دمه وماله وعرضه، منزلين له منزلة الكافر بالله ورسوله، أين هم وهم يسفكون الدماء ويزهقون الأرواح ويروعون الآمنين من قوله جل من قائل (ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا..)؟أين هم من تذكير رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ووصيته للأمة من بعده (لا تنقلبوا بعدي كفارا يسفك بعضكم دماء بعض، ألا وإن بلدكم هذا بلد حرام وشهركم هذا شهر حرام ألا وان دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة الشهر الحرام والبلد الحرام ألا هل بلغت اللهم فأشهد) ؟ إن ما يأتيه المتطرفون المتعصبون من تصرفات لا يمكن أن تمت إلى الدين في نصوصه المحكمة وأفهامه العميقة المقاصدية المستنيرة بصلة، انه انعكاس لخلل في التفكير وجاء نتيجة له كل ما نراه ونشاهده من فضاعات انتفت معها كل المشاعر الانسانية، إنها الفضاضة والغلظة والقسوة، إنه الحقد والكراهية التي جاءت الأديان لتطهر الأنفس البشرية منها لا لتعطيها الشرعية والمشروعية!! أيّ دين يدين به هؤلاء؟! إنها تصرفات حمقاء انبت على أفهام خاطئة مجانبة للصواب فيها مروق من الدين يذكر بذلك الذي تجاسر باتهام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم العدل !!حين قال له بكل وقاحة: اعدل يا رسول الله، الأمر الذي أثار استغراب رسول الله عليه الصلاة والسلام وتعجبه فقال: ثكلتك أمك ومن يعدل إن لم أعدل!! لو كان ما يأتيه هؤلاء لا يستند إلى الدين في تبريره وإعطائه الشرعية والمشروعية!! لهان الأمر أما والمتطرفون والغلاة يكسون أفعالهم بكساء الدين فالتصدي لذلك من أوجب الواجبات الدينية والحياتية يتصدى له الجميع كل بما في حوله وطوله إن التصدي لذلك واجب عيني، إنه فيه بث للفتنة والوقوع في التنازع المؤدي إلى الفشل وذهاب الريح بتفتيت الأمة وذلك ما نهى الله عنه وحذر منه (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) فيه مخالفة صريحة لما أمر به الله عباده (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) *إن امة الإسلام واحدة (وان هذه أمتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون) *والمؤمنون إخوة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى *المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم *وأول من تتجه إليهم الأنظار علماء الأمة ورثة الأنبياء الموقعين عن رب العالمين والعارفين بالله، ورثة السر المحمدي شيوخ التربية والسلوك أهل المشرب الصوفي والعرفان الروحي، أطباء القلوب والأرواح، أصحاب الأذواق والأحوال الذين لا يخلو منهم زمان ولا مكان فهم الملاذ في كشف الغمة عن الأمة لتحصين مختلف فئاتها لا سيما شبابها المستهدف والمجند لخدمة أجندات أجنبية ساءها أن تبقى للأمة بقية فخططت بدهاء ومكر لكي لا يبقى لها كيان وكان معاول الهدم والتخريب والتقتيل والترويع هم شباب الأمة، وكان ما كان مما لست أذكره مما تدمع لبشاعته الأعين وتتفطر من هول بشاعته الكباد!! *التصوف أو قل الإحسان (ولا مشاحة في الاصطلاح) هو الملاذ الآمن وهو الحصن الحصين وهو الصدر الحنون الذي يجد فيه الساعي إليه والمغترف من معينه العذب الأمان والسكينة والاطمئنان *التصوف النقي الشرعي هو الحل لأنه هو الكفيل بإعادة الانسان إلى انسانيته بعد أن انهكته الحياة المادية بمختلف مظاهرها ومغرياتها إنها مادية متوحشة شديدة الضراوة شعارها (أرحام تدفع وأرض تبلع) (إن هي إلا حياتنا الدنيا) يعب منها الانسان عبا ولا يزيده ذلك إلا عطشا وشقاء وبؤسا يشهد على ذلك تعاسة المصير الذي آل إليه الانسان الذي أنساه الشيطان ذكر ربه *التصوف هو مدرسة السلوك والتزكية، التصوف وهو منهاج الخلق الكريم (والصوفي يخدم نفسه كما يخدم الآخرين يكتشف غيوب نفسه ليعالجها في نفسه وفي الغير ويرتفع بمستوى حياته الروحية ليجعل منها نموذجا يحتذيه ليس فقط أصحابه في الطريقة بل وسائر الأمة، ويستهلك نفسه في الحبّ الإلهي ليستطيع الشفاعة للآخرين عند مولى الشفاعة...) انظر الصفحة 32 من كتاب تاريخ التصوف د.عبد الرحمان بدوي ويمتاز التصوف الاسلامي بنزعة انسانية عالمية متفتحة على سائر الأديان والأجناس (واذا كان الاسلام في جوهره دينا متفتحا على كل الأجناس لا فرق عنده بين مسلم ومسلم يختلفان جنسا أو لغة أو مكانا أو زمانا فإن الصوفية المسلمين قد وسعوا من الآفاق التي يستشرف اليها الاسلام وامتدوا بها إلى الأديان الأخرى ..)تاريخ التصوف الاسلامي الصفحة 36 د. بدوي وهكذا يحقق الصوفية المسلمون – وإلى أعلى درجة- ذلك المجتمع المفتوح société ouverte الذي تحدث عنه برجسون في كتابه المشهور: ينبوعا الأخلاق والدين لأنهم متفتحون على كل التجارب الدينية الانسانية متعاطفون مع سائر التيارات الروحية مستشعرون للأخوة الانسانية الجامعة بين الناس جميعا على اختلاف الأزمنة والأمكنة) تاريخ التصوف الاسلامي الصفحة 38 د. بدوي *والانسانية اليوم كما يقول برجسون أكبر ما تكون بحاجة إلى الوثبة الروحية حتى تقيم التعادل مع وثبتها المادية، لقد تضخم الجسد تضخما هائلا بما أضيف إليه من آلات تعتبر امتدادا ليديه وقدميه وانفساخا لبأسه وقوته بينما تضاءلت الروح وانزوت منهزمة فأصبح بينها وبين جسدها الهائل هوة نشأت عنها كل هذه المشاكل العالمية من اجتماعية وسياسية إن هذا النصر الكبير الذي حققه الانسان في عالم المادة سيبقى شرا حتى يضاف إليه انتصار مماثل في عالم الروح وحينئذ يوجد أروع نموذج للانسان السيد المؤمن القادر لقد انهارت العوائق المادية أمام العقل المادي وواجبنا الأقدس أن نفتح لقلبه الآفاق الروحية بأنوارها وإشراقاتها وايمانها لنوجد الانسان الخليفة تاج الخليقة... *واذا كان الانسان في الأفق الغربي قد أعماه التقدم المادي الهائل عن الروح فانقلب في مجتمعاته إلى قطيع من الكباش التي تتناطح في حلبات الصراع الاقتصادي والسياسي ثم انقلب على نفسه في صراع فكري مدمر لكل طيبات النفس وكنوز القلب فاشتعلت حياته الداخلية بلهيب الشقاء فقد أمات فيه حب المال والشهوات كل تطلع لنضال سام في سبيل الصعود الروحي فإن شرقنا الاسلامي وقد بنيت نهضته السابقة على أسلوب صوفي هو الصورة العليا الصادقة لروح الدين الاسلامي انطفأت فيه المشاعل وخبأت الأنوار وانقلب الروح الصوفي العملاق إلى همود وخمود وزهد فاشل منهزم وجهالة يسميها إقبال: جهالة الرق الروحي وبذلك أصبح أعجز ما يكون عن مواصلة السير في موكب التاريخ... *والشباب المسلم في الأمم الإسلامية وقد أحس بالفراغ الروحي الهائل بانهزام الروح الصوفية لديه فعلق أمله في شغف في قوى جديدة ..فمنحها كل ولائه وبذلك أصبح الشباب المسلم ذيلا لحضارة تأجج النار في داخلها وتوشك على الانفجار *ولا نجاة لنا نحن أبناء الإسلام ونحن في هذه اللحظة الحاسمة بالنسبة لنا وللانسانية كافة إلا بحمل الرسالة المنقذة لنا ولني الدنيا، رسالة الروح الصوفي الصاعد التي تعلو على الكهنوت، رسالة الخلق المتسامي والايمان الحار واليقين الثابت رسالة الروح التي يعد المسلم لكي يكون جديرا بلقب المنقذ العالمي، تعده ليكون كفؤا لتحمل تبعات الحياة التي أنتجها العلم الحديث بكشوفاته الهائلة بإقامة جسر ايماني يصل شطري الحياة المادي والروحي هذا الروح الصوفي هو الغاية والرسالة كما يقول إقبال والمتصوف الصادق هو الذي يعيش يقظة وجدانية حية قوية وفي يقظة روحية مشرقة عالية والصوفي يرى الكون كله محرابا ويرى الأعمال جميعها: ذكرا وتسبيحا انه ليعبد الله بقلبه وخلقه وما تصنع يداه والصوفي يتسامى بالروح فوق كل ماديات الأرض وشهواتها... وهو طهارة باطنية وظاهرية، طهارة اليد والقلب واللسان والجوارح والضمائر، ورحمة عالية بكل ذي كبد حي وكل شيء في الوجود تسري فيه الحياة *والوجود الكوني كما يقول الصوفي رسالة مكتوبة بأحرف من نور والمخاطب بتلك الرسالة هو الانسان، كماله في أن يفقه هذه الرسالة.... *ورسالتنا ان نتفهم هذا الكون وان نحبه وان نحيط ببدائعه وعجائبه وان نكشف عن كنوزه وطاقاته وأسراره ورموزه لنزداد علما وقوة وايمانا، وأن نفعل كل هذا بروح التعبد والمحبة وبذلك يصل الانسان إلى أروع القوى الكونية ويملك مفاتيح الأسرار الوجودية ولا تطيش انسانيته ولا يفقد روحانيته ولا تلهيه المادة ولا تدمره قواها *إننا لسنا في حرب مع الطبيعة ولا في حرب مع ما نتصوره مادة، ولسنا نعيش بين كون نصارعه ويقسو علينا، إننا نعيش في كون خلق لنا، وأمر بطاعتنا وسخر بالأمر الإلهي لسعادتنا ورفاهيتنا (الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخّر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وان تعدّوا نعمة الله لا تحصوها) انظروا الصفحات 11و12و13و14و15 و65 من كتاب أعلام التصوف الاسلامي *هذا هو التصوف الاسلامي الذي هو اليوم الملاذ والحصن للجميع، للأمة بمختلف فئاتها ومكوناتها، يعصمها من الفتن ويحصنها ضد التطرف والتعصب والتزمت والغلو المؤدي إلى الإرهاب هذا الفتيل الذي أشعلت ناره فأودت بأرواح عشرات الآلاف من الأنفس البريئة التي كانت آمنة مطمئنة فإذا بها أشلاء مبعثرة مضرجة بالدماء الطاهرة الزكية *التصوف الاسلامي هذا الذي استعرضت بعض ملامحه هو الكفيل بما يحدثه من هزة روحية قوية وبما يحققه من راحة وسكينة وطمانينة تكون ثمرة لتربية روحية وتزكية نفسية يتم تلقيها من أربابها وأصحابها ممن اصطفاهم الله واجتباهم واختصهم بمعرفته، فهم الدالون على الله الآخذون بأيدي مريديهم وتلاميذهم ليصلوا بهم إلى شاطئ السلامة فرحين بما آتاهم الله من فضله *لقد تعين اليوم على أهل الله القيام بالدور الذي تعين فيهم دون سواهم وأن يتحملوا مسؤولياتهم أمام الله وامام التاريخ، فالأمة في أمس الحاجة إليهم بعد أن أوردتها السبل المتشعبة ما نسمع وما نرى من المهالك والمزالق نسأل الله أن يجمع للأمة أمر شملها وان ينظم من شان شتاتها وان يحرسها عند الغنى من البطر وعند الفقر من الضجر وعند الكفاية من الغفلة وعند الحاجة من الحسرة وعند الطلب من الخيبة وعند البحث من الاعتراض ...اللهم أطب عيشنا بنعمتك وأرح أرواحنا من كد الأمل في خلقك وخذ بأزمتنا إلى بابك إنك ولي النعمة والمنة والقادر على ذلك وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما وكن بنا وبالمؤمنين رؤوفا رحيما



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.