القراءات الجديدة للقرآن وتكريس شبهة عدم موثوقيته!!

القراءات الجديدة للقرآن وتكريس شبهة عدم موثوقيته!!


تعددت في الآونة الأخيرة الإصدارات الجديدة حول الإسلام والمسلمين بصفة عامة والقرآن الكريم بصفة خاصة إذ يكاد لا يمر شهر إلا وتصل إلى أيدي الناس ترجمة جديدة للقرآن أو إعادة إصدار لترجمة من الترجمات القديمة يضاف إلى ذلك كم كبير جدا من الكتب من مختلف الأحجام موجهة إلى مختلف فئات القراء المختصين منهم وغير المختصين.

ويتولى تأليف وإصدار هذه المادة حول الإسلام والقرآن كتاب فيهم المختص من اشتغل بالدراسات الإسلامية وفيهم الساسة والإعلاميون وفيهم ومنهم المغمورون وحتى من تكتب لهم هذه المادة زيادة في التعتيم وإلقاء الشبه التي تتخذ من بعض الأوضاع والتصرفات تعلة وذريعة للنيل من الإسلام ووصمه بكل ما يخطر وما لا يخطر على البال من الافتراءات والترهات، وينطلق في إلقاء المزيد من الأباطيل من وقائع وأحداث تاريخية تورد مجتثة من سياقها ومشوهة في أفهامها تنم عن جهل مركب لتنتهي إلى أحكام خاطئة.

ومما يدعو إلى التنبيه إلى مخاطر هذه الحركة تركيزها في الآونة الأخيرة على القرآن الكريم باعتباره آخر ما بقي مما يجمع المسلمين على اختلاف شعوبهم ولغاتهم ومذاهبهم ومما يجمعون عليه ولا يختلفون حوله.

وهذا الإجماع بين المسلمين على كتاب واحد (القرآن الكريم) الذي هو كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المنقول إلينا بالتواتر والموجود بين دفتي المصحف والمتعبد بتلاونه، غاض بعض الدوائر والجهات التي ساءها أن يختلف غير المسلمين على كتبهم المقدسة فتتعدد رواياتها إلى حد التعارض والتناقض في نصوصها ونسخها في حين يظل المسلمون مجتمعين ومنذ أن نزل القرآن على نصه الموحد فهو هو لم يتغير ولم يتبدل ولم تستطع أيدي التحريف والتزييف أن تنال منه، انه كتاب واحد في نصه بسوره وآياته وكلماته وحروفه.

ولا تقبل عقول المشككين إمكانية بقاء القرآن كما نزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بأن وراء ذلك وعد الهي سابق بحفظ كتابه حيث يقول جل من قائل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، جاعلا لذلك أسباب مساعدة لتحقيق هذا الهدف الذي هو الحفظ للقرآن والمحافظة عليه منها ذلك اليسر وتلك البلاغة التي يتميز بها النص القرآني في لسانه العربي المبين بحيث يسره الله للحفظ: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر) تضاف إلى ذلك القدرة العجيبة على الحفظ التي أوتيها من تنزل القرآن بلغتهم فقد اشتهروا بسرعة الحفظ فكان وليزال الكثير منهم يحفظ من سماع واحد.

وليست هذه هي العوامل الوحيدة التي جعلت القرآن يبقى كما انزل من عند الله بل أضيفت إليها جهود كبيرة بذلت منذ بداية تنزل القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواصلت طيلة بعثته وعلى اثر انتقاله إلى الرفيق الأعلى حيث بدأ جمع القرآن في عهد الخليفة الأول واستمر بعد ذلك ليكتمل على يدي الخليفة الثالث مما هو مفصل ومدقق في أمهات المراجع والكتب التي أرخت لمراحل جمع القرآن مثل الإتقان للسيوطي والبرهان للزركشي وغيرهما.

ولقد انطلق هذا الجمع للقرآن من كل ما تهيا من الأسباب والعوامل التي ساهمت في تحقيق الإجماع على النص القرآني واحدا في سوره وآياته وكلماته والتي منها وجود عدد كبير من الحفاظ للقرآن الكريم من الصحابة الذي لازموا رسول الله صلى الله عليه وسلم واكبوا تنزل القرآن الكريم عليه في حله وترحاله إلى أن التحق بالرفيق الأعلى يضاف إلى ذلك تلك الصحف المكتوبة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتدوينها ناهيا أن يكتب عنه غير القرآن خشية أن يختلط بالقرآن بغير القرآن بما فيه أحاديثه الشريفة عليه الصلاة والسلام (من كتب عني غير القرآن فليمحه).

وما كانت هذه الوسائل العملية: الحفظ والكتابة ولا ذلك العهد الإلهي بحفظ القرآن من كل تحريف لتقنع الجهات المشككة في سلامة النص القرآني فانطلقت تحت عناوين البحث العلمي والأمانة التاريخية والمنهجية والتجرد تثير كل ما يتصور وما لا يتصور من الشكوك مستندة على أقوال شاذة وأحداث لم تثبت فدعا هؤلاء إلى إعادة النظر في النص القرآني الموجود بين أيدي المسلمين ودراسته على ضوء ما يمكن العثور عليه مما لم تصله يد الإتلاف والإحراق التي وقعت على اثر الجمع النهائي للقرآن في عهد الخليفة الثالث!!.

ووجد هؤلاء الباحثون والدارسون للقرآن الكريم في كتب التاريخ والسيرة وفي التفاسير ما يستندون عليه وينطلقون منه لإثارة شبهة عدم سلامة وصحة النص القرآني الموجود بين أيدي المسلمين فأوردوا في بحوثهم نصوصا مبتورة وأقوالا شاذة وروايات وإسرائيليات لم تغب عن علم العلماء المحققين الذين اشتغلوا بعلوم القرآن قديما وحديثا والذين أوردوها من باب الأمانة يقينا منهم أنها لن تصمد أمام ما انتهوا إليه واجمعوا عليه من سلامة ووحدة النص القرآني.

ولعل استعراض بعض هذه الأعمال  يعطي فكرة لما يخطط له ويراد الوصول إليه مما يستوجب مواكبة ومتابعة تدفع الشبهات وتحول بينها وبين أن تصبح مسلمات وقناعات خصوصا عندما يتأخر الجواب المقنع والحجة القوية.

والأعمال التي سأستعرض عينات منها انطلقت من دراسات وبحوث أعدها مستشرقون ورجال لاهوت وظلت لعقود طويلة محدودة التأثير والانتشار تصدى لها البعض من العلماء والباحثين ممن تهيا لهم الإطلاع عليها في لغاتها التي كتبت بها وبقي الكثير منها يكتسب على مر الأيام الشرعية ويتخذ اليوم منطلقا لأعمال دخلت حيز التنفيذ الفعلي متمثلا في نشر قرآن منتحل تحت عنوان الفرقان المبين هو اليوم نص ينسخ من مواقع الانترنات ويعمم توزيعه على المسلمين في ديار الإسلام وخارجها وبالخصوص على تلك الأجيال المتعاقبة من أبناء المسلمين في ديار الغرب التي تفتقر إلى أبسط المعارف الدينية الصحيحة.

كما أن طبعات عديدة للقرآن مرتبا ترتيبا زمنيا يخالف الترتيب الذي عليه سور وآيات القرآن الكريم هي اليوم في واجهات كل المكتبات المنتشرة في الأماكن العامة يضاف إلى ذلك تسارع وتتابع ملفت للانتباه في إصدار الترجمات الجديدة للقرآن تعد لها المقدمات المتضمنة لكل الآراء والأفكار التي انتهى إليها وأوردها الدارسون الغربيون من المستشرفين وعلماء اللاهوت كما تضاف إليها تعليقات وهوامش تقدم على أنها مسلمات تنقض كل إجماع حول القرآن.

وبالموازاة لذلك تصدر ولا تزال كتب تتفاوت في أحجامها ومنهجياتها باختلاف من توجه إليهم من القراء والمهتمين بموضوع القرآن خصوصا والإسلام عموما والذين ازدادت أعدادهم في صفوف المسلمين وغير المسلمين في السنوات الأخيرة وهذه عينات للإصدارات الجديدة حول القرآن:

* الدليل الصغير للقرآن: تأليف لوران لغراتم (Petit guide du Coran : Laurent Lagartempe)

يقع هذا الكتاب في ثلاثمائة صفحة توزعت حول: مسارات وتاريخية وكلمات ومواضيع ومثل ومصادر القرآن الكريم بالإضافة إلى ملحق يحشر فيه مؤلف هذا الكتاب كل ما توصل إليه واطلع عليه من شبهات المستشرقين وعلماء اللاهوت الذين اشتغلوا بالقرآن ويقدمها على أنها مسلمات ويوردها خالية من كل توثيق معتبرا أنها كل ما يجب أن يعلمه القارئ مما يتضمنه حقيقة القرآن فهو مثلا في فصل حقائق تاريخية (الصفحة 199-209) يعرف بأعمال اعتبرها مستقلة وعلمية وموضوعية ينبغي العودة إليه والاعتماد عليها.

- نولدكه وسكوللي في الجزء الأول والجزء الثاني من كتاب تاريخ القرآن ج1 1909 وج2 1919             Noldeke et schwally

- الأب قبريال تبرري: من موسى إلى محمد         Père Gabriel thery 1881-1959 : De Moise à Mohamed

- الأب جوزيف برتيال: الإسلام والنقد التاريخي      Père Joseph Bertuel : L’islam et la critique historique

- الأستاذ بارتريسيا كرون: التأسيس للعالم الإسلامي    Professeur Patrica crone : The making of islamic world

- الأب أنطوان موصولى: الصليب والهلال             Père Antonie Moussali : La croix et la croissant

- اليهودية المسيحية والإسلام: دراسات مقارنة          Judaïme Christinaisme et islam : Etude comparée

- إتيان كوفار: أصول الإسلام                           Etienne couvert : Origines de l’islam      

- قرقوار فليكس:      دور الناصرية في الإسلامGrégoire Félix : Nazareens et le rôle qu’elle a joué dans l’avènement de l’islam   

- ماكس كنبتوس: تأسيس الإسلام                             Max Cabantous : La création de l’islam 

- الفردلوي دي برمار: أصول الإسلام             Alfred Louis de Premare : Les fondations de l’islam

ويمكن أن ندرج في هذا السياق الكتاب الذي أصدره فريد إسحاق

* القرآن دليل استعمال: (Farid Esak : mode d’emploi Albin Michel)

وتتجاوز صفحات هذا الكتاب الثلاثمائة متضمنة لمقدمة وفصول تحمل عناوين: القرآن في حياة المسلمين-القرآن يدخل العالم-القرآن ككلام مكتوب-جمع القرآن-الرسول والقرآن-القدم والخلق-وفهم تفسير القرآن-الإيمان بالقرآن-السلوك القويم حسب القرآن.

* مقدمة لقراءة القرآن لمراد فاهر: (Morad Faher : Introduction à la lecture du Coran)

تاريخ آيات القرآن تقديم برونو إتيان préface du professeur Bruno Etienne

يرتب مراد فاهر القرآن ترتيبا جديدا في مائتين وخمسين صفحة ويتبع ذلك بملاحظات واستنتاجات يحشر فيها نصوصا أوردها من كتب السيرة والتاريخ ومن التفاسير.

* لم نقرأ قط القرآن ليوسف الصديق: (Youssef Seddik : Nous n’avons jamais lu le Coran)

يعرض المؤلف فيما يقارب الثلاثمائة صفحة لكل ما يعتبره أساسيا مما ظل حسب رأيه مستبعدا من المعطيات التاريخية والاجتماعية داخل الجزيرة العربية وخارجها والظروف التي واكبت جمع القرآن وتفسيره.

تضاف إلى هذه العينات مجموعة من الإصدارات التي تسير على هذا النهج الجديد في التعامل مع القرآن بعضها يتعلق بجمع القرآن وتدوينه والبعض الآخر يتعلق بالقراءة الجديدة للقرآن ومما صدر في هذا السياق:

- لمحمد أركون: - القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني

- الفكر الإسلامي قراءة علمية

- نقد العقل الإسلامي

- ولنصر حامد أبو زيد: - مفهوم النص

- ولمحمد شحرور: - الكتاب والقرآن (قراءة معاصرة)

- ولعبد المجيد الشرفي: - الإسلام بين الرسالة والتاريخ

- الإسلام والحداثة

- ولوحيد السعفي: - العجيب والغريب في كتب التفسير (ابن كثير)

- وللصادق بالعيد: - القرآن والتشريع

- ولألفة يوسف: - القرآن وتعدد المعنى

- ولمحمد الشرفي: - الإسلام والحرية (الالتباس التاريخي)

- وللتهامي العبدولي: - النبي إبراهيم في الثقافة العربية الإسلامية

وقد أعدت ونوقشت في السنوات الأخيرة أطروحات جامعية حول القرآن وعلومه وتفسيره نذكر منها:

- صورة القيامة في التفسير أعدها حسن مرزوقي

- الزمان والمكان في قصص القرآن أعدها محمد محمد الخربي

- الفاتحة من خلال أعمال المفسرين القدامى والمحدثين أعدها فوزي البدوي

- أسباب النزول علما من علوم القرآن أعدها بسام الجمل

- دراسات في إعجاز القرآن البيانية في العصر الحديث أعدها السلامي العماري

- تقاطع مبحثي النقد وإعجاز القرآن أعدتها نوره هندلي

- توظيف القرآن والسنة في معالجة مسألة الحكم أعدها عمر الهمامي

كل هذه الأعمال ما هي إلا مجرد عينات لما لا يزال يصدر تباعا من مؤلفات وما يعد من أطروحات تتصل كلها بالقرآن: جمعا وتبويبا ودراسة وتحليلا وإعادة قراءة باللغات الأجنبية وباللغة العربية اقل ما ينبغي القيام به إزاءها هو المواكبة والمتابعة التي تبدأ بالإطلاع عليها وتنتهي بتقويمها وتصحيح ما ينبغي أن يصحح منها ولا يمكن أن يقوم بهذا الجهد فرد ولا مجموعة بل لا بد أن تتولاه هيآت ومؤسسات علمية تجعلها أولوية من أولويات عملها.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.