ما أحوج المسلمين الذين يقتتلون اليوم إلى تذكيرهم بنداء الله لعباده بالدخول في السلم كافة

ما أحوج المسلمين الذين يقتتلون اليوم إلى تذكيرهم بنداء الله لعباده بالدخول في السلم كافة


يقول الله تعالى وتبارك “يا أيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا الشيطان إنه لكم عدو مبين” البقرة/206 دعوة الإسلام إلى الأمن والوئام والأخوة والسلام واضحة جلية وعنايته بالعلاقات البشرية كبيرة وتحقيقه للسلم الاجتماعي والإخاء الانساني والانسجام الكامل والصادق بين سائر فئاته وأفراد مجتمعه لا تحتاج إلى شواهد وأدلة. *إن التحول الجذري الذي أحدثه في المجتمع الجاهلي أكبر حجة. ودليل على ذلك فقد جاء الإسلام وبعث سيد الأنام عليه الصلاة والسلام والمجتمع البشري في كل مكان من العالم هو أقرب إلى مجتمع الغاب حيث الوحشية والظلم والعدوان لا فرق في ذلك بين المجتمع العربي والمجتمعات الأخرى. *ففي الجزيرة العربية كانت القبائل والأسر و الأفراد في شقاق وخصام وصراع دموي مرير وكان العداء مستحكما وكان الناس على شفا جرف هار صور ذلك أدق تصوير الكتاب العزيز حيث يقول الله تبارك وتعالى في سياق التذكير وبيان نعم الله وفضله على المسلمين بتغيير أحوالهم وإصلاح ذات بينهم والتأليف بين قلوبهم “واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها” آل عمران /103 . *لقد حلت بالإسلام المحبة محل العداوة وحل الوئام محل الشقاق والتقارب والتمازج والتعاون محل التباغض والتناجش والتدابر. لقد كانوا على شفا الهلاك الحقيقي القاضي عليهم في النهاية. لأن الاختلاف والتنازع والتباغض بين أفراد أي مجتمع بشري مؤذن بذهاب اللحمة الجامعة وزوال القوة واندثار العمران وخراب الديار. بينما اجتماع الكلمة ووحدة الصف والتآخي والتحابب هو سبب القوة والعزة والتمكين. ولأجل تحقيق الثاني واجتناب الأول نجد الله تبارك وتعالى يكرر الأمر بوحدة الصف واجتماع الشمل “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا” فيحرم على المسلمين كل أسباب الاختلاف والفرقة التي تؤدي لا محالة إلى الضعف والفشل وذهاب الريح “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”. *والذي يستعرض تاريخ المسلمين الطويل يجدهم تمكنوا وسادوا العالم عندما توحدت صفوفهم واجتمعت كلمتهم، وصفت قلوبهم فكانوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه البعض وكانوا رحماء بينهم يحبون بعضهم البعض ويهتمون بأمور بعضهم البعض ويشعرون بآلام بعضهم البعض مثلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو منهم تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. أخوة على غير رحم إنها أخوة الإيمان التي ألفت بين القلوب وهذه الألفة التي كونها الإسلام بين المسلمين فأصبحوا بنعمة الله إخوانا ما كان لها أن تتحقق ولو أنفقت في سبيلها الأموال الطائلة لأن إرضاء الخلق من طرف المخلوق غاية لا يمكن إدراكها ولذلك ذكر الله رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام بهذه المعجزة الربانية وهذه النعمة الإلهية التي لا يحمد غير الله عليها “لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بينهم قلوبهم ولكن الله ألف بينهم” وما استطاع أعداء اختراق صفوف المسلمين وتفريقهم وتقسيمهم والسيطرة على بلدانهم واستغلال خيراتهم إلا عندما غير المسلمون ما بأنفسهم وتركوا عهد الله وميثاقه وتنكبوا الجادة المثلى والطريق المستقيم واتبعوا الأهواء والشهوات وما يأمر به الشيطان عدوهم الألد آنئذ ذهبت ريح المسلمين وتفرقوا طرائق قددا وعادوا إلى جاهليتهم الجهلاء وارتكبوا في حق بعضهم البعض ما حرمه الله عليهم وما ذكرهم به نبيهم الكريم عليه الصلاة والسلام في عديد المناسبات وآخرها حجة الوداع عندما وقف يعلن لأمته دستور العلاقات الاجتماعية في وصايا خالدة كان على المسلمين أن يعضوا عليها بالنواجذ. * لقد أعلن في ذلك البلد الحرام مكة المكرمة في أشهر الحج الحرام أن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضهم تلك بعد عامهم ذلك إلا أنه رضي بما دون ذلك. وما دون ذلك كثير وكثير جدا. فإن الشيطان وإن لم يعبد في أرض العرب بعد ذلك العام إلا إن أوامره نفذت وتوجيهاته وخطواته اتبعت والحال أنه لا يأمر ولا ينصح إلا بما فيه الهلاك والضرر للمسلم. لقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين ما سبق أن علنه الكتاب العزيز: أعلن حرمة دماء المسلمين وحرمة أموال المسلمين وحرمة أعراض المسلمين مثل حرمة البلد الحرام والشهر الحرام. *إن النفس البشرية عزيزة مصانة في شريعة الإسلام لا يجوز إزهاقها إلا في حكم شرعي معروف قتل القاتل أو رجم زان محصن أو مرتد عن دينه مفارق للجماعة *وما سوى ذلك من القتل العمد جريمة لا تغتفر في شريعة الاسلام لا تساويها جريمة أخرى في الفظاعة والوحشية وتهويلا وتعظيما للجرم جعل الله تبارك وتعالى المقدم على مثل هذا العمل كأنما قتل الناس جميعا حيث يقول جل من قائل: “أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” (المائدة/32) *فالله تبارك هو المحي وهو المميت وسواه من البشر إذا قتل وسفك دما بريئا مجرم عليه لعنة الله ورسوله والملائكة والناس أجمعين لأن الإسلام هو دين الرحمة ومحمد صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” ودين الرحمة ينهى عن كل ما يمكن أن يتسبب في ضرر أو مشقة أو هلاك لبني الانسان مهما كانت دياناتهم وألوانهم ومراتبهم الاجتماعية بل إنه يجازي بعظيم الأجر وجزيل الثواب من يرحم حتى الحيوانات غير العاقلة ويعاقب شديد العقاب من يظلم ويعتدي ويتسلط بضرر حتى على الحيوان فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يريه الإمام البخاري:( دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) بينما استحق رجل الجنة وسكنى الغرفات بالرحمة التي ملأت قلبه والإشفاق الذي دفعه إلى بذل جهد من أجل الإبقاء على حياة كلب رآه يلهث من أثر العطش الشديد فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجلا أصابه ظمأ شديد فنزل بئرا ليرتوي من مائها فلما خرج منها رأى كلبا يلهث يلحس الثرى من العطش فقال: لقد أصاب الكلب من الظمأ مثل الذي أصابني فنزل البئر وملأ خفه وسقى الكلب فشكر الله فغفر له) صحيح مسلم. *ودين الإسلام ما ساد الآفاق وعم بلاد الدنيا إلا بميزة الرحمة والرفق والانسانية (فالرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه). *فالاسلام ينبذ أخلاق الجاهلية ومعاملاتها: عصبيتها وعنصريتها وتقاتلها وتمزقها ولأجل ذلك استجابت لمبادئه الأنفس الطاهرة وتنفست الصعداء وتقبلتها أحسن القبول، فمبادئ الإسلام لم تدع إلا لما فيه الخير لبني الانسان وتغيير ما بأنفسهم وتطهير قلوبهم من الضغائن والأحقاد وإحلال المحبة والأخوة والصفاء محلها. *ذلك هو ما أعلنه جعفر بن أبي طالب بين يدي النجاشي ملك الحبشة عندما سأله عن الدين الجديد وما كانوا عليه فكان وصفه أدق وصف حيث قال: (يا أيها الملك كنا قوم أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله نوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان وأمرنا بالصدق والأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والزنا والفواحش وشهادة الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات وأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا وإقام الصلاة وايتاء الزكاة فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا وشقوا علينا فخرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك). *فبالاسلام تغيرت علاقات الناس ببعضهم البعض وحدت حدود لا يمكن لمسلم أن يتعداها فمن تجاوزها فقد غير وبدل وجانب الصواب واستحق من ربه شديد العقاب والعذاب *ومن أقدس المقدسات في الاسلام النفس البشرية حرام على المسلم قتلها وترويعها وتشويهها وإلحاق أي ضرر بها ماديا كان أو معنويا – حتى لو تعلق الأمر بالعرض والعرض مصان في الاسلام فلا يجوز الكذب والبهتان والسخرية والاتهام بالباطل للمسلم لأن ذلك نحسبه هينا وهو عند الله عظيم. فالمقدم عليه في عرف الاسلام فاسق ينبغي الاحتياط منه والتثبت منه عند الاستماع إليه “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين” *إن مجرد السخرية من المسلم والاستهزاء به حرام في الإسلام يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه بحسب امرء من السوء أن يحقر أخاه المسلم) إن العلاقة بين المسلمين وحتى مع غيرهم قوامها الاحترام والرحمة والتوفير والتقدير وحتى عند الاختلاف فلا ينبغي أن يفسد ما بينهما من ود. *إن سبيل مواجهة الخطأ والتجاوز بين المسلمين هو العفو والصفح والله يحب المحسنين “ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم” ذو حظ عظيم من الإيمان والخلق الرضى فإن من كان على حق وتجاوز وتنازل وصفح وعفا يبشره الرسول صلى الله عليه وسلم بجائزة كبرى حيث يقول (أنا ضمين بيت في الجنة لمن ترك المراء وهو محق) *إن سبيل فض الاختلافات بين أفراد المسلمين هو بالرفق واللين والحسنى وبواسطة الخير وليس بالغلظة أو الفظاظة والشدة فالله تبارك وتعالى يوصي نبيه عليه الصلاة والسلام بالرفق واللين “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر” *إن الاصلاح بين المسلمين مبرة عظمى وباب من أبواب الخير الذي يقي المسلمين الفتن والاختلافات والتمزق التي هي نار مشتعلة تأتي على الأخضر واليابس ولا ينجو منها أحد. *فلا بد أن يدرك المسلمون أن اتصافهم بصفة الإسلام وايمانهم بمبادئ هذا الدين الحنيف تجعل علاقاتهم ببعضهم وطرائق تعاملهم وفضهم لخلافاتهم تختلف عن طرائق غيرهم ممن اتخذوا الشيطان وليا. *فليس مجتمع المسلمين مجتمعا دمويا عنصريا طبقيا متقاتلا متدابرا فإذا كانت بعض المذاهب والعقائد تتخذ من الصراع والعنف والمكر والكيد سبيلا للوصول إلى أهدافها فإن أهداف المسلمين جميعا ينبغي أن تكون الإصرار على مرضاة الله. ومرضاة الله لا تتحقق بغير الوسائل المشروعة. *إن سبيل المسلمين هو سبيل الوفاق والانسجام والابتعاد عن كل ما يتسبب في الفتن والاختلافات والآلام والأحزان. *إن المسلمين في أشد الحاجة إلى العودة إلى أصول الدين الحنيف وأخلاقياته السمحة وهديه القويم في سبك العلاقات البشرية سواء بين المسلمين أو بينهم وبين غيرهم من بني الانسان. *على المسلمين أن يذكروا و يتذكروا نداءات الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ودعواته الملحة إلى السلم والمحبة والوئام والصفاء وتحذيره المتكرر من الغدر والخيانة والعنف والضرر والشر لأن كل ذلك لا يأتي إلا بالشر ولا يستفيد منه إلا خصوم المسلمين الذين يودون أن يظل المسلمون يعيشون أزمة ثقة وكراهية وعداء مستحكم. *ينبغي أن لا يغيب على ذهن المسلم أنه حرام عليه إزعاج أو ترويع أخيه المسلم بأي طريقة وأسلوب يقول عليه الصلاة والسلام (لا يحل لمسلم أن يروع مسلما) وفي حديث آخر (لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم) والظلم العظيم كالشرك العظيم “إن الشرك لظلم عظيم”والترويع مادي ومعنوي والمادي أشد لأنه يستهدف حياة المسلم وهذا ما يريده الشيطان فيكون مصيره إلى نار جهنم ولذلك نها رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم عن مجرد الإشارة بسلاح مهما كان نوعه نحو أخيه المسلم حيث يقول عليه الصلاة والسلام (لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار) البخاري *ليس هناك في الكون شيء أقدس وأعز على الله من نفس المؤمن حتى الكعبة المشرفة رغم قداستها فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يقف أمام الكعبة ويعلن لأمته (ما أطيبك وما أطيب ريحك وما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك، ماله ودمه) ابن ماجة. *وإن الظلم والعدوان حرام في شريعة الاسلام ومن نصر الظالم في الاسلام أن ترده إلى الجادة وتصده عن الشر وتدفع به الى الخير (قالوا كيف ننصر ظالما قال تحجزه عن ظلمه فذلك نصره) البخاري. *لقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته مما عسى أن تقع فيه وتعود اليه من سفك دماء بعضها البعض والتعدي على بعضها البعض حيث قال (فستلقون ربكم ويسألكم عن أعمالكم ألا لا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا هل بلغت ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب) البخاري. *لقد بلغت يا رسول الله فما على أمتك إلا أن ترتفع إلى هديك القويم في علاقاتها ببعضها البعض ليذهب ما في قلوب أفرادها من التباغض والكراهية وتصبح من جديد مثل أصحابك الغر المحجلين الذين قال فيهم الله في محكم التنزيل “محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة والانجيل”.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.