تحريم تغيير القرآن الكريم إلى الحروف اللّاتينية بقلم: الشيخ صالح العَوْد
فشت في الأوطان الأوربيّة كتابات التّحريف و التّغيير لـِـ «نص القرآن الكريم» بحروف غير عربيّة، وصدرت في ذلك: (سور وأحزاب وأجزاء)، حتّى وصل الحال إلى ظهور «مصحف» بالكامل مكتوب بالحروف اللّاتينيّة؛ بل ظهر حتى الآن أكثر من ذلك، فقد وجدتُ في مكتبات باريس ( سبعة مصاحف ) تباع وتشتَرى. وهذا عمل فظيع، لأنّ فيه تغييرا لوثيقة القرآن الخالدة الّتي أقرّت « المصحفَ بالرّسم العُثماني »على ما هو عليه حتّى اليوم، منذ عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رضي الله عنه). وأيضا، فإنّ هذا العمل الذي يجب أن يُوصف بالشّنيع، لا تُقِرّهُ الشّريعة الإسلاميّة، المتمثّلة في الكتاب، والسنّة، وإجماع الأمّة. فالقرآن الكريم نزل باللّغة العربيّة، وقد جاءت آيات كثيرة تصفه بأنّه عربيّ، ومن (السنّة) التّي هي المصدر الثّاني للتّشريع، إذا أثبتت أنّه لم يُؤْثَر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن كَتَب، أوْ أَمَر، أوْ أَقَرَّ أحدًا من الصحابة، كتابةَ القرآن بغير الحرف العربي. ثمّ (الإجماع) فإنّه مُنْذُ عَهْدِ الصّحابة (رضي الله عنهم) وإلى يومنا هذا، لم يرَخِّصْأحدٌ منهم، ولا مَن جاء بعْدَهم- مِنْ علماء السّلف، ولا فقهاء الخلف، في كتابة القرآن بغير الحروف العربيّة، وعلى ذلك درَجَ علماءُ عصرنا، ومجامِعُ الفِقْه ودُورِ الإفْتاء في العالَمَيْن: العربي والإسلامي، فإنّهم جميعًا حرَّموا: «تغْييرَ حروفه، وتبديلَ رسمه، والإخلالَ بضوابطه وقواعِده»، مهما كانت الأسباب، والْتُمِسَتِ الأعْذَار، لأنّ «دَرْءَ المفاسد، مُقَدَّمٌ على جلْب المصالح». إنّ «اللّغة العربيّة» هي روح القرآن، وشعار الإسلام، ولسان الفرائض، فالواجب على كلّ مسلم ومسلمة، أن يتعلّمها حتّى يقرأ بها القرآن، ويؤدّيَ بها ما افتُرض عليه، فالقرآنُ لا يسمَّى قرءانًا إلّا بها، والصّلاةُ لا تسمّى صلاة إلّا بها كذلك. وبالتّالي، فإنّ الحُكْمَ الشرعيَّ في «كتابة القرآن بالحروف اللّاتينيّة» هو «التحريمُ» قوْلًا واحِدا، وقد ذهب إلى ذلك مراجع الفتوى في البلاد الإسلامية، والمجالس العلمية، وكبار العلماء (قديما وحديثا). وهنا فمن شاء الوقوف على نُصُوصِهَا فليرجع إلى كتابنا: (الامتناع عن كتابة القرآن بالحروف اللّاتينيّة أو الأعجميّة بأدلّة الكتاب والسنّةوالإجماع/ط. دار ابن حزم ببيروت عام 1426ه=2005م). وأختم هذا المقال بما ذكره العلّامة الشّيخ رحمة الله الهندي: أنّ أميرا من أمراء الانجليز مرّ على معلّم يحفّظ التّلاميذ القرآن الكريم في بلدة سَهَارَنْفُور، فسأله عن طالب يحفظ القرآن كلّه، فأشار له المعلّم إلى عدد منهم، فاختار الأمير واحدا منهم ليمتحنه وكان عمره ثلاثة عشر عاما، فلمّا تيقّن من حفظه التّامّ تعجّب الأمير وقال: « أشهد أنّه ما ثبت تواتر لكتاب من الكتب كما ثبت للقرآن، يُمكن كتابته من صدر صبيّ من الصّبيان مع غاية الصّحة في الألفاظ وضبط الإعراب ».