الإسلام يحارب الدجل والشعوذة والسحر

الإسلام يحارب الدجل والشعوذة والسحر


من اهم أسباب تكريم الانسان واستخلافه في الأرض من طرف المولى سبحانه وتعالى ما وهبه الله لهذا الانسان من عقل يعرف به حقائق الأمور، وبه يميز بين الحق والباطل، وبه يفرق بين الخير والشر، والحفاظ على العقل من الكليات التي عملت الأديان والشرائع السماوية وبالخصوص خاتمتها دين الإسلام على حفظها وحرم من أجل ذلك كل ما يمكن أن يجعل الانسان يفقد هذا الميزان الدقيق الذي وهبه الله له ومن أسباب خلود الإسلام وصلوحيته لكل الأزمان والعصور ما أعطته تعاليمه السمحة من مكانة متميزة للعقل بحيث جاءت تعاليم الإسلام منسجمة تمام الانسجام وما يهتدي اليه العقل السليم رافضة رفضا كليا كل تعطيل لهذه الملكة أو إهدار لها واتباع الظنون والأوهام لقد جاء الإسلام ليحرر بني الاسلام من الخرافات والشعوذات التي كانت معششة في عقول الناس حتى جعلتهم يعبدون الأصنام والأوثان ويقدمون لها القرابين ويتخذون بينهم وبين من خلقهم وسواهم وسطاء من الكهان والمشعوذين والدجالين يبتزون أموالهم ويستعبدونهم أسوأ استعباد لقد أعلن الاسلام منذ أن يزغ نوره حربا لا هوادة فيها على كل ما من شأنه أن ينزل بالانسان الى درك الجاهلية الجهلاء وجعل الاسلام لعالم الغيب بكل ما يحويه قوانين مضبوطة وتعاليم دقيقة لا سبيل الى الزيادة فيها أو النقصان منها والإسلام ككل الديانات السماوية يحتل فيه عالم الغيب مكانة مرموقة إلا أن الاخبار عما في هذا العالم سبيله الأوحد هو الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه متمثلا في ما نزل على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من القرآن الكريم وما أوتيه عليه الصلاة والسلام مع القرآن مما نقل عنه بالتواتر الذي يستحيل معه التواطؤ على الكذب أو الغفلة ومن الأحاديث النبوية التي تعرضت الى مسألة العقيدة بتوسع ووضوح لا يحتاج معه الى زيادة الحديث المعروف بحديث جبريل والذي نورد منه ما يتعلق بموضوعنا حيث قال عليه السلام لرسول الله: أخبرني عن الايمان؟ قال رسول الله: الايمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره قال جبريل: صدقت وتفصيل أركان الايمان الواردة في هذا الحديث الشريف تكفل به القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة في مواضع منهما عديدة ومن مقتضيات الايمان بالله في دين الاسلام التسليم له سبحانه وتعالى بالألوهية والربوبية والتفرد الذي لا شرك معه فله سبحانه وتعالى في عقيدة الاسلام كل صفات الكمال من ذلك اختصاص الله تبارك وتعالى بعلم ما في الغيب يقول جل من قائل في كتابه العزيز (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها و لا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) الأنعام وكذلك قوله جل من قائل في سورة لقمان (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) وقوله جل من قائل في سورة النمل (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون ايان يبعثون) فهذه الآيات البينات المحكمات وغيرها كثير في كتاب الله العزيز كفيلة بإقناع كل راغب في الاقتناع بأن عالم الغيب وحده هو الله سبحانه وتعالى لا يشاركه أحد من مخلوقاته في ذلك إلا بالمقدار الذي يشاء سبحانه وتعالى (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) – البقرة- وهي كفيلة أيضاء بإبكات واسكات كل مروج للدجل والشعوذة والكهانة هذه الآفات التي استحوذت على عقول كثير من الناس قديما قبل بعثة الأنبياء والرسل وعندما طال العهد على الناس في حقب من تاريخ البشرية وحديثا عندما انخرم التوازن في الكون وفي ذوات الأنفس بحيث طغت المادية الضاربة فنشأ عن ذلك خواء روحي رهيب اضطر معه الانسان في كثير من الأحيان الى الارتكاس من جديد في ظلمات الجهل والجاهلية وارتمى في أحضان المشعوذين والدجالين والكهان الذين وجدوا في انسان هذا العصر وفي أكثر مجتمعاته تقدما وتحضرا وتمدنا فريسة انقضوا عليها ليزيدوه اضطرابا على اضطراب وبؤسا على بؤس وإذا كان غير المسلمين يمكن أن يعذروا ان هم انساقوا وراء ترهات المشعوذين بحثا عن الخلاص والاطمئنان فإن المسلمين بما لديهم وما بين أيديهم من هدي سماوي محفوظ لا يقبل منهم مثل هذا التخبط فعقيدة الإسلام واضحة جلية كاملة تامة لا تحتاج الى زيادة مستزيد كما انه لا يمكن النقصان منها، والعقيدة والعبادة هما حق الله على عباده فهو سبحانه وتعالى لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك وهو سبحانه وتعالى لا يعبد إلا كما يريد وكما بلغ للناس نبيه محمد عليه الصلاة والسلام الذي ترك الناس على المحجة البيضاء التي لا يختلف ليلها عن نهارها ولا يزيغ عنها الا هالك ولقد ظلت عقيدة المسلمين في مأمن من كل غوائل المشعوذين والدجالين على مر القرون اللهم إلا في فترات مظلمة سادت فيها الجهالة والأمية وقل فيها العلماء الأعلام الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم والذين لا يسكتون على الباطل ولا يجارون العوام ولا يقبلون العروض الزائلة وفي هذه الفترات المظلمة من التخلف والجمود لا يمكن ان ننكر انه انتشرت في العديد من بلدان ومجتمعات الاسلام بضاعة المشعوذين والدجالين والكهنة وأصبح لهذه البضاعة سدنة يمتصون بها دماء المسلمين ويبتزون اموالهم ويعبثون بعقيدتهم ويردونهم الى ما كانوا عليه من جاهلية وضلالة انقذهم منها دين الاسلام عندما بزغ نوره واذا كانت الغالبية العظمى من امة الاسلام ظلت متمسكة بعرى عقيدة الاسلام الصافية النقية فإن فئات لا يستهان بها من الأمة الاسلامية وقعت نتيجة الجهل بالدين في فخ هؤلاء الدجالين الذين يدعون علم الغيب ويمتهنون الشعوذة والكهانة ولا يمكن لنا ان ندعي ان شبح هؤلاء المخربين للدين الناشرين بين الناس للخرافة والدجل قد زال وذهب الى غير رجعة فكثير منهم في أماكن عديدة من بلاد الإسلام الواسعة لا ينفك يعاود الكرة مستغلا نقص الوعي وضعف بعض الأفراد أمام ما يعترضهم في حياتهم من مشاكل وصعوبات ومصائب وملمات ليقدموا أنفسهم لحل المشكلات والإجابة عن المحير من التساؤلات وهيهات لهؤلاء أن يقدروا على ذلك فلن يزيدوا الطين الا بلة والمسلمين الا تخلفا وبقاء في مؤخرة القافلة البشرية التي اهتدت اغلب شعوبها وأممها الى سنن الله ونواميسه التي بثها في الكون والتي منها ان السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة وان التوكل على الله يقتضي الأخذ بالأسباب وان تغيير الله لما بالانسان لا يكون إلا بتغيير الانسان لما بنفسه من دعة وتهاون وتكاسل وتعلق بالأوهام والخرافات والدين الاسلامي الحنيف أول من نبه المسلمين الى هذه الحقائق والقوانين والنواميس ودعاهم الى احترامها إذا أرادوا أن يكونوا بحق أعزة وان يكونوا الوارثين والممكنين في الأرض، والناظر في تاريخ المجتمعات الاسلامية يرى انها ما هانت وضعفت وتخلفت وغلبت وما دخل الاستعمار الى بلدانها إلا عندما انتشرت بين صفوف أفرادها بضاعة الدجالين والمشعوذين والكهنة والمفترين على الله وما استطاعت بلدان العالم الاسلامي التي سقطت فريسة للاستعمار بعد ان اوجد فيها الدجالون قابلية له ما استطاعت أن تتحرر وتستقل إلا بعد ان خاض علماؤها ومصلحوها وزعماؤها حربا ضروسا على هؤلاء المشعوذين الدجالين، واليوم ومجتمعات المسلمين على مفترق طرق تزحف شعوبها نحو المعالي وتحقق المعجزات وخوارق العادات البشرية في مختلف مجالات الحياة فلا بد من التنبيه الى أخطار المشعوذين والدجالين والكهنة والعرافين الذين يمكنهم أن يعرقلوا مسيرة تقدم المسلمين ورقيهم بما ينشرونه من اوهام ودجل وافتراءات كاذبة يستغلون بها عددا لا يستهان به من أبناء وبنات الأمة الاسلامية فيهدرون طاقاتهم ويعطلون قدراتهم على البذل والعطاء والجد والكد فضلا على ما ينالون به عقيدتهم التوحيدية السمحة التي لا تتسامح مع مثل هذا النيل من الدين الاسلامي الحنيف، والمسلم المؤمن بما جاء به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن تجتمع في قلبه عقيدة التوحيد مع التصديق بترهات الدجالين والمشعوذين ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عدة (ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) الطبراني وقال (من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل على محمد ومن اتاه غير مصدق له لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) الطبراني وقال أيضا (من أتى كاهنا فسأله عن شيء حجبت عنه التوبة أربعين ليلة فإن صدقه بما قال كفر) الطبراني وقال: (من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما) رواه مسلم فهذه الأحاديث النبوية مع بعضها البعض وغيرها كثير تسد في مجتمع المسلمين كل منافذ وأبواب الكهنة والشعوذة و الدجل وتحذر المسلم من مغبة الانسياق وراء هؤلاء الضالين المضلين وتخرج المسلم من عداد المسلمين ومن دائرة المتبعين لهدي سيد الأولين والآخرين إن هو صدق كاهنا أو منجما فهؤلاء الكهنة والمنجمون كذابون مفترون على الله وان صادف وتطابقت تكهناتهم مع الواقع وصدق رسول الله حين قال (كذب المنجون ولو صدقوا) وقريب من اخطار الدجالين والكهنة والعرافين المشعوذين ما يأتيه بعض المضلين المفسدين من سحر اعتبره الإسلام من اكبر الكبائر الموجبة للكفر والضلال فقد تطرق القرآن الكريم في آيات عديدة من سور مختلفة الى مسألة السحر والسحرة منبها إلى أخطارها وشرورها ومضرتها باعتبار السحر من الأوهام المخربة لعقول الناس وعلاقاتهم وأديانهم، فأصل السحر هو التمويه بالحيل والتخاييل وهو أن يفعل الساحر أشياء يخيل للمسحور أنها بخلاف ما هلي عليه على غرار ما وقع من سحرة فرعون الذين ألقوا عصيهم لكي تصبح حيات تسعى فقال جل من قائل (يخيل اليه من سحرهم أنهى تسعى)، وقال (سحروا أعين الناس)، وقد ذهبت بعض الفرق الاسلامية الى إنكار السحر تماما وإن كان أهل السنة يذهبون الى أنه ثابت وله حقيقة وبينوا ان من السحر ما يكون كفرا من فاعله مثل ما يدعون من تغيير صور الناس وإخراجهم في هيئات أخرى فكل من فعل ذلك ليوهم الناس انه محق فقد كفر وقد ذهب الإمام الشافعي الى ان السحر وسوسة وأمراض نفسية وهذا الرأي هو الأقرب الى الواقع والأكثر تطابقا مع مسيرة السحر والسحرة عبر التاريخ ومفعوله في الأفراد والمجتمعات، فالسحرة أناس ذو أنفس شريرة شيطانية متلبسة في بعض الأحيان بمن هم على شاكلة السحرة من شرار الجن يستعملون أخبث الوسائل لإلحاق الضرر بالناس بحيث يفرقون بما يحيكونه من سحر بين الزوج وزوجته والأخ وأخيه: قال جل من قائل: (يتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه )البقرة فطباع السحرة وأنفسهم الشريرة لا تحب الخير للناس فتجدهم يعملون جاهدين من اجل ان يعكروا صفو حياة الآمنين المطمئنين يكيدون بالليل والنهار مستعملين شياطين الانس والجن إلا أن كيد هؤلاء السحرة لا يحيق بإذن الله في المؤمن المتحصن بالايمان الصادق المستعيذ به من همزات الشياطين ووسواس الموسوسين وشر النفاثات في العقد وصدق الله العظيم حين يقول (وما هم بضارين به من احد إلا بإذن الله )البقرة فالله تبارك وتعالى الذي حفظ نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وسلمه من سحر بنات لبيد بن الأعصم وكن ساحرات سحرن هن وأبوهن رسول الله وعقدن له إحدى عشرة عقدة هو الذي انزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آيات بينات من تحصن بهن واستعاذ بهن من شر السحر حفظ من كل كيد وشر وضرر بإذن الله ولا يفلح الساحر حيث أتى ففي سورة الإخلاص وفي المعوذتين وكل آي القرآن شفاء وحصانة من مكر وكيد وسحر الساحرين بسم الله الرحمان الرحيم (قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد )–الإخلاص (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد )– الفلق- )قل أعوذ برب الناس ملك الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس) صدق الله العظيم وليحذر السحرة الذين يفسدون في الأرض ويلحقون الضرر بالناس مما أعده الله لهم من عذاب شديد حيث يقول جل من قائل: (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كنوا يعلمون )البقرة



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.