من هدي الإسلام في فضل العلم والتعليم والتعلّم وعينة ممّا أورده الإمام الغزالي في الأحياء

من هدي الإسلام في فضل العلم والتعليم والتعلّم وعينة ممّا أورده الإمام الغزالي في الأحياء


إن العلم هو سبيل الإيمان الصحيح، وهو الذي به تستقيم وتصح العقيدة، وبالعلم يتعبد الله وتؤدي حقوقه على عباده على أصح الوجوه وأتمها، وبالعلم يجتنب المؤمن الوقوع في ما يغضب الله تبارك وتعالى من المعاصي والذنوب، وقد كان أحد الصحابة يقول: كان الناس يسألون رسول عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة ان أقع فيه. فمن علم الخير من الشر استبانت له المعالم وتجنب المحرمات أما من كان في جهالة فهو ليس في مأمن من الوقوع في المهالك، وصدق من قال: عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه * ومـن لم يعرف الشـر يقع فيـه ولا يخفي على احد ما للعلم من دور أساسي في تحقيق الغايات العاجلة في هذه الحياة الدنيا فنحن نرى اليوم رأي العين ما تحقق للإنسانية من انجازات عظيمة في كل المجالات والميادين بفضل ما أحرزه الإنسان في الميدان العلمي من قفزات عملاقة ذللت الصعاب وأزالت العراقيل، فالإقناع بأهمية العلم وضرورة التحكم من ناصيته والتبحر فيه بمختلف اختصاصاته لا يحتاج إلى عناء ولا إلى جهد لأن واقع المجتمعات والأمم يشهد بما حققه العلم لمن تمكن منه من تقدم وسبق وتمكين وما يعانيه من لم يوله ما يستحق من العناية والاهتمام من تخلف وضعف وتبعية وتهديد لمصالحة ومكاسبه. منزلة العلم في الكتاب والسنّة: فمن هدي القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة الذين أعطيا للعلم المنزلة الأولى والمتميزة سار علماء الأمة في ما تركوه المؤلفات والكتب الطوال وتوقفوا رحمهم الله عند آيات الكتاب العزيز وأحاديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام المتعلقة بالعلم فأشبعوها درسا واستنبطوا منها الأحكام الشرعية الملزمة للمسلم والهادية في تعامله مع العلم تحصيلا واكتسابا وتعليما ونشرا بين الناس وعملا بمقتضاه رجاء الثواب والأجر من الله تبارك وتعالى. ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الثقافة الإسلامية في مختلف اختصاصاتها من تخصيص باب أو أبواب تكون منطلقا لما يريدون التأليف فيه وبحثه وقد تتسع هذه الأبواب لتفصل القول في الصغيرة والكبيرة في مسألة العلم تنبيها لعظم شأنه ودفعا للمسلمين كي يولوه ما يستحق من العناية والأهمية. ولقد أثمرت هذه الجهود بسرعة فائقة نهضة علمية شهد بها القاصي والداني لأمة الإسلام فكان بزوغ فجر الإسلام وبعثة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام ونزول القرآن منعرجا في تاريخ البشرية جمعاء زالت به الجهالة وانقشع به الظلام الدامس عن الإنسانية جمعاء. وكعينة لاهتمام علماء المسلمين قديما وحديثا بالعلم وتبيينا لأحكامه وآدابه وفوائده العاجلة والآجلة نورد ما افتتح به الإمام أبو حامد الغزالي الملقب بحجة الإسلام موسوعته الجليلة العظيمة الشأن “إحياء علوم الدين” هذا الكتاب الذي أجمعت الأمة على أنه لا نظير له لإحاطته وشموله وعمقه بحيث جاء شافيا ضافيا جامعا مانعا يغني عن سواه من الكتب والمؤلفات حتى قيل في حقه أنه لو اكتفى به المسلم “بالطبع بعد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم” لأغناه عن كل ما كتب في مجالات الدين الحنيف من عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق وسيرة وسلوك، كل ذلك بالإعتماد والاستناد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد كان هذا الكتاب “إحياء علوم الدين” محل عناية واهتمام علماء الأمة وأمرائها وعامتها صنفت في شرحه والتعليق عليه وتخريج أحاديثه وآثاره الكتب العديدة وعقدت لدراسة ما فيه من علوم ومعارف المجالس العلمية واستفاد منه أيما استفادة كل من واضب على العودة إليه ومدارسته. لقد اختار الإمام الغزالي رحمه الله عنوانا لهذا الكتاب الجليل (إحياء علوم الدين) ولا يخفى ما في ذلك من المغزى فلقد رأى الغزالي ما آلت إليه العلوم في زمانه من تحجر وتضييق وتشديد حتى غدت طلاسم لا تفهم ولا تفقه فضلا عن أن يستفيد منها المسلم في ما يحقق له مرضاة ربه فانبرى الإمام الغزالي رحمه الله للقيام بهذه المهمة ألا وهي إحياء علوم الدين التي درست وأوشكت أن تبلى فأحياها بفكره النير وروحه الشفّافة وعقله الثاقب وبصيرته النافذة فأدى للثقافة الإسلامية وللعلم خدمة جليلة لم يستطع ان يؤيدها سواه: وليس من غرضنا ان نعرض كتاب الأحياء ولكننا فقط أردنا ان نلفت الانتباه إلى فصل هام وقسم أساسي من أقسام إحياء علوم الدين سماه (كتاب العلم) وفيه سبعة أبواب عددها في فاتحة هذا الكتاب من الإحياء وهي (الباب الأول) في فضل العلم والتعليم والتعلم (الباب الثاني) في فرض العين وفرض الكفاية من العلوم وبيان حد الفقه والكلام في علم الدين وبيان علم الآخرة وعلم الدنيا (الباب الثالث) فيما تعده العامة من علوم الدين وليس منها وفيه بيان جنس العلم المذموم وقدره (الباب الرابع) في آفات المناظرة وسبب اشتغال الناس بالخلاف والجدل (الباب الخامس) في آداب العالم والمتعلم (الباب السادس) في آفة العلم والعلماء والعلامات الفارقة بين علماء الدنيا والآخرة (الباب السابع) في العقل وفضله وأقسامه وما جاء فيه من الأخبار. وواضح جلي أن الغاية التي يرنو الإمام الغزالي الوصول إليها هي التوضيح والتبيين للصواب من الخطإ والجائز من غير الجائز وما ينبغي اجتنابه في سبيل الإحراز على مرضاة الله وذلك بالابتعاد عما يغضبه مما حرمه على عباده. فالإمام الغزالي لا يؤلف لذات التأليف ولا يبين لذات التبيين وإنما يهدف من وراء كل ذلك أن يتقرب إلى الله ويقرب من الله عباده بإرشادهم والأخذ بأيديهم إلى ما يصلح عاجلهم وآجلهم. لقد ألف الإمام الغزالي كتاب (إحياء علوم الدين) في أخريات حياته بعد ان زهد في الدنيا واعرض عنها فقد نال منها ارفع المراتب والدرجات و لكنه عندما أحس بقرب رحليه شعر بما يفرضه عليه تبحره في العلوم من ضرورة إرشاد الأمة ونصحها قرر آنئذ أن يعتزل الناس ويتفرغ لكتابة هذا الكتاب الخالد إحياء علوم الدين في بيت المقدس بجوار المسجد الأقصى وفي أجوائه المشرقة النورانية الروحانية فجاء هذا الكتاب ثمرة لعلم وتجربة وعبقرية وإخلاص. * ففي باب فضل العلم والتعليم والتعلم وشواهده من النقل والعقل يبدأ الإمام الغزالي بفضيلة العلم فيورد عليها عشرات الشواهد من كتاب الله العزيز وسنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والآثار الصحيحة للسلف الصالح وهذه المادة غزيرة لا يمكن الإتيان عليها والإحاطة بها إذ لم يترك رحمه الله شاردة ولا واردة من النصوص الشرعية إلا وضمها إلى كتابه وبذلك يكون الإمام الغزالي سبق المؤلفين المعاصرين الذين توفرت لهم الوسائل العصرية التي تمكنهم اليوم من حشر عديد النصوص في الباب الواحد . كتاب العلم : باب فضيلة العلم: يورد الإمام الغزالي قوله جل من قائل “شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط” وقوله تعالى “يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات” وقوله تعالى “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” وقوله تعالى “إنما يخشى الله من عباده العلماء” وقوله تعالى “قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب” وقوله تعالى “قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به” وقوله تعالى “وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون” وقوله تعالى “ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم” وقوله تعالى “يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم” وقوله تعالى “ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم” وقوله تعالى “فلنقض عليهم بعلم” وقوله تعالى “بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم” وقوله تعالى “خلق الإنسان علّمه البيان”. ثم يورد الإمام الغزالي بعد ذلك الأخبار أي الأحاديث التي منها: قوله عليه الصلاة والسلام “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين و يلهمه رشده” وقوله “العلماء ورثة الأنبياء” وقوله “يستغفر للعالم ما في السماوات والأرض” وقوله “ان الحكمة تزيد الشريف شرفا وترفع الملوك حتى يدرك مدارك الملوك” وقوله “خصلتان لا يكونان في منافق حسن سمت رفقة في الدين” وقوله “أفضل الناس المؤمن العالم الذي إذا احتيج إليه نفع وإن استغنى عنه أغنى نفسه” وقوله “الإيمان عريان ولباسه التقوى وزينته الحياء وثمرته العلم” وقوله “أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل” وقوله “لموت قبيلة أيسر من موت عالم” وقوله “الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقّهوا” وقوله “يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدماء الشهداء” وقوله “من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة حتى يؤديها إليهم كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة” وقوله “من حمل من أمتي أربعين حديثا لقي الله عز وجل يوم القيامة فقيها عالما” وقوله “من تفقه في دين الله عز وجل كفاه الله تعالى ما أهمه ورزقه من حيث لا يحتسب” وقوله “أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم عليه السلام: يا إبراهيم إني عليم أحب كل عليم” وقوله “العالم أمين الله سبحانه في الأرض” وقوله “صنفان من أمتي إذا صلحوا صلح الناس وإذا فسدوا فسد الناس الأمراء والفقهاء” وقوله “إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما يقربني إلى الله عز وجل فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم” وقوله “فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي” وقوله “فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب” وقوله “يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء” وقوله “ما عبد الله تعالى بشيء أفضل من فقه في الدين ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ولكل شيء عماد وعماد هذا الدين الفقه” وقوله “خير دينكم أيسره وخير العبادة الفقه” وقوله “إنكم أصبحتم في زمن كثير فقهاؤه قليل قراؤه قليل سائلوه كثير معطوه العمل فيه خير من العلم وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه كثير خطباؤه قليل معطوه كثير سائلوه العلم فيه خير من العمل” وقوله “بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجتين خصر الجواد المضمر سبعين سنة” (وقيل يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ فقال : العلم بالله عز و جل، فقيل أي العلم تريد؟ قال صلى الله عليه وسلم: العلم بالله سبحانه وتعالى، فقيل له نسأل عن العمل وتجيب عن العلم، فقال صلى الله عليه وسلم: إن قليل العمل ينفع مع العلم بالله وان كثير العمل لا ينفع مع الجهل بالله) وقوله “يبعث الله سبحانه العباد يوم القيامة ثم يبعث العلماء” ثم يقول: “يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم إلا لعلمي لكم ولم أضع علمي فيكم لأعذبكم اذهبوا فقد غفرت لكم”. ثم يورد الإمام الغزالي الآثار لسلف الأمة الصالح ولو لا أن المجال لا يتسع لأكملنا إيراد ما ذكره من الآثار السائرة على نهج الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المبينة لفضيلة العلم ولكن فيما أوردنا الكفاية للتدليل على ما سبق أن بيناه من أن الإمام الغزالي لا يترك شاردة ولا واردة إلا ويأتي بها للإقناع النقلي الشرعي بما يريد تركيزه في الأذهان والقلوب بقي ان نختم بملاحظة وهي أن ما أورده الإمام الغزالي من أخبار (أحاديث وآثار) تولى من بعده علماء أعلام في الحديث (الزين العراقي) تخريجها وبيان درجتها وإسنادها علما بأن العلماء قديما أجازوا الاستدلال بما لم يصل إلى درجة الصحيح والحسن من الأحاديث في الترغيب والترهيب وليس في العقائد أو الحلال والحرام.



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.