اسرار الصيام وحكمه: خطبة جمعية القاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي بجامع علي فوبور بسان دني Faubourg Saint Denis

اسرار الصيام وحكمه: خطبة جمعية القاها الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي بجامع علي فوبور بسان دني Faubourg Saint Denis


الحمد لله الذي اعظم على عباده المنة بما دفع عنهم كيد الشيطان وفنه ورد امله وخيب ظنه اذ جعل الصوم حصنا لاوليائه وجنة. وفتح لهم به ابواب الجنة وعرفهم ان وسيلة الشيطان الى قلوبهم هي الشهوات المستكنة وانه بقمعها تصبح النفس المطمئنة ظاهرة الشوكة في قصم خصمها والصلاة والسلام على سيدنا محمد قائد الخلق وممهد السنة وعلى آله واصحابه ذوي الابصار الثاقبة وسلم تسليما كثيرا أما بعد، فان الصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم فيما اخرجه الترمذي وابن ماجة (الصوم نصف الصبر) وقوله صلى الله عليه وسلم فيما اخرجه ابو نعيم والخطيب (الصبر نصف الإيمان) وقد قال جل من قائل (انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب) وقد جاوز ثواب الصوم قانون التقدير والحساب ولمعرفة ذلك قال عليه الصلاة والسلام (والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم اطيب عند الله من ريح المسك) يقول الله عز وجل (انما يذر شهوته وطعامه وشرابه لاجلي فالصوم لي وانا اجزي به) وقال عليه الصلاة والسلام (للجنة باب يقال له الريان لا يدخله الا الصائمون) وقال عليه الصلاة والسلام (للصائم فرحتان فرحة عند افطاره وفرحة عند لقاء ربه) وروى ابو هريرة رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اذا دخل شهر رمضان فتحت ابواب الجنة واغلقت ابواب النار وصفدت الشياطين ونادى مناد يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر اقصر) وقال صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل (انظروا يا ملائكتي الى عبدي ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من اجلي) ولا يكون الصوم الذي نصومه مشرفا بالنسبة الى الله (كل عمل ابن آدم له الا الصوم فهو لي) اي لله الا لمعنيين اولا ان الصوم كف وترك وهو سر ليس بعمل يشاهد مثل الصلاة والزكاة والحج، لا يرى الصوم الا الله عز وجل، ثانيا: الصوم قهر لعدو الله عز وجل اذ وسيلة الشيطان لعنه الله هي الشهوات وانما تقوى الشهوات بالاكل والشرب لذلك قال عليه الصلاة والسلام (ان الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع) فبالصوم يقطع المؤمن الشيطان ويسد مسالكه والصوم الذي يستحق النسبة الى الله ويستحق به الصائم هذا الاجر العظيم والثواب الكبير الذي اعده الله له الا اذا امتنع الصائم عن كل ما يغضب الله مما يحبط العمل وذلك بترك كل ما حرم الله على المسلم ليس فقط الاكل والشرب وانما بترك كل ما حرم الله من الاقوال والافعال وحتى الخطرات القلبية السيئة والامراض النفسية يترك الصائم الكذب والظلم بكل مظاهره والعدوان على الاموال والاعراض ولذلك قال عليه الصلاة والسلام (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري وفي حديث آخر (ليس الصيام من الطعام والشراب انما الصيام من اللغو والرفث) رواه المديني على شرط مسلم وفي الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا(الصيام جنة فاذا كان يوم صيام احدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل فان سابه احد فليقل: اني امرئ صائم) والجنة ما يستر صاحبه ويحفظه من الوقوع في المعاصي والرفث الفحش ورديء الكلام قال بعض السلف:(اهون الصيام ترك الطعام والشراب) وقال جابر (اذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع اذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء اذا لم يكن في السمع مني تصاون وفي بصري غض وفي منطقي صمت فحظي اذا من صومي الجوع والعطش فان قلت اني صمت يومي فما صمت هكذا ايها المسلمون ينبغي ان يكون صيامنا الذي كتبه الله علينا وجعله من اركان هذا الدين الحنيف حيث قال جل من قائل (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فعلة فرض الصيام والغاية المرجوة منه للمؤمن هي التقوى التي هي الخشية لله والخوف منه بامتثال اوامره واجتناب نواهيه والقيام بواجب العبودية له التي من اجلها خلقنا يقول جل من قائل (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون) تعالى الله سبحانه عن الحاجة لعباده فهو الغني وهم الفقراء المحتاجون اليه في كل امورهم وشؤونهم صغيرة ام كبيرة، انه سبحانه القائل في الحديث القدسي ( يا عبادي انما هي اعمالكم احصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه) كل اركان الاسلام وكل اوامره ونواهيه انما كتبها الله لاجل تحقيق مصلحة او درء مفسدة وهي قبل ذلك اداء لواجب الشكر لله على نعمه التي لا تحصى ولا تعد نعمة الخلق في احسن تقويم، نعمة العافية هذا التاج الذي على رؤوسنا لا نبصره ولكن يبصره اخواننا المرضى، نعمة الامن والطمانينة، نعمة الاطعام من جوع التي ذكرنا بها ربنا في كتابه العزيز (فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) نعمة الرزق الذي تكفل به ونحن لا نزال في ارحام امهاتنا (وما من دابة في الارض الا على الله رزقها) فارزاقنا تطلبنا كما تطلبنا آجالنا. ما اكثر نعم الله علينا فجدير بنا وواجب علينا ان نقيدها بالشكر الذي لا يكون الا باجتناب ما نهانا الله عنه واتيان ما امرنا به وعلى راس ذلك واوله والذي بدونه لا يقبل الله منا لا صرفا ولا عدلا اداء هذه الفرائض والاركان فقد قال في الحديث القدسي (وما تقرب الى عبدي بافضل مما افترضته عليه) كلنا يا عباد الله نتمرغ في نعم الله: فقراؤنا واغنياؤنا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مذكرا لنا (من اصبح منكم معافى في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها) أما اعظم نعمة فهي نعمة الهداية، نعمة الإيمان بان جعلنا الله من امة الاسلام خاتم الاديان الذي ارسل به سيد الانام عليه الصلاة والسلام فالاسلام هو الدين الذي دعا اليه ومهد له كل الانبياء والمرسلين من سيدنا آدم الى سيدنا عيسى عليهم السلام قال عليه الصلاة والسلام (افضل ما قلت انا والنبيؤون من قبلي لا اله الا الله) والمسلم مدعو بصريح القرآن بان لا يفرق بين احد من رسله. هذا هو دين الاسلام: رحمة للناس كافة بعث به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا وجسمه عليه الصلاة والسلام وقد كان يلقب قبل البعثة بالصادق الأمين وكانت سيرته خلقا كريما قال عن نفسه ( ادبني ربي فاحسن تاديبي) ومدحه ربه فقال (وانك لعلى خلق عظيم) وشهد له بذلك الاقارب والاباعد وكان على ذلك الخلق العظيم في الشدة والرخاء يقابل الغلظة بالرفق والرحمة، ويقابل الاساءة بالاحسان ويقابل الكراهية والحقد بالرفق واللين والحب نطق ذلك لسانه في الطائف فلم يزد على ان دعا ربه (اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون) واعلن ذلك وهو يدخل مكة فاتحا في شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة وقد وقفت بين يديه قريش صاغرة ذليلة قال لهم ماذا ترون اني فاعل بكم؟ قالوا: اخ كريم وابن اخ كريم قال: لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فانتم الطلقاء واضاف (من دخل الحرم فهو آمن ومن دخل دار ابي سفيان فهو آمن) وفي دار ابي سفيان آكلة كبد عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ما اعظمه من نبي ورسول وما اعظم مبادئ الدين الذي جاء به للناس كافة، انه دين الحرية الكاملة التي لا اكراه فيها حتى في العقيدة يقول جل من قائل ( لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) ويقول (لكم دينكم ولي دين) ويقول لرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام (انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء) انه دين الرحمة بكل ما خلق اهلك ومن خلق من عباد الله من بني آدم الذين كرمهم (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثر ممن خلقنا تفضيلا) ان الاسلام هو دين السلام يعصم النفس البشرية ويحرم قتلها وسفك دمها ايا كانت هذه النفس مسلمة او غير مسلمة فقتلها ظلم وعدوان تاباه تعاليم الاسلام التي نطق بها القرآن بافصح بيان يقول جل من قائل (من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا) هذا هو دين الاسلام دين التعايش بين كل بني الانسان يقول جل من قائل (يا ايها الناس انا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم) وما اجملها وما اروعها من خاتمة (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) انها التقوى التي فرض الله من اجل تحقيقها في المسلم صيام رمضان (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) * التقوى هي الاستقامة في الظاهر والباطن والقول والفعل بل وفيما يختلج في القلب من المشاعر اذ لا يجتمع الإيمان مع الكراهية والبغضاء والحقد والحسد فلا ينجو من عقاب الله وعذابه الا من اتى الله بقلب سليم هذه عباد الله هي مدرسة الصيام التي دخلناها وبلغنا الله الى رمضان فصمنا نهاره وقمنا ليله وعمرنا بيوت الله بما انزله الله في هذا الشهر المبارك القرآن فرتلناه ترتيلا فهنيئا لنا بما اعده الله لنا فيه من الاجر والثواب حيث جعل اوله رحمة واوسطه غفرانا وآخره عتقا من النار، ورفع لنا فيه الفريضة الى سبعين فريضة والنافلة الى درجة الفريضة وجعل مجرد جرعة الماء أو مذقة اللبن أو حبة التمر نفطر بها الصائم نحصل بها على اجر صومه دون ان ينقص من اجر الصائم شيئا كرما وجودا وفضلا من الله الذي تتوالى مكارمه وتتوج بليلة القدر في العشر الاواخر من هذا الشهر المبارك، ليلة هي خير من الف شهر ليلة السلام حتى مطلع الفجر ما اكرمه من رب وما ارحمه بعباده الصوامين القوامين الذاكرين التالين للقرآن الباذلين المعروف * انه موسم اكرمنا الله به وتفضل به علينا فالحمد لله له اولا وآخرا على نعمه التي لا تحصى ولا تعد نسال الله دوامها انه سبحانه سميع مجيب * هذا هو شهر رمضان شهر التوبة والغفران شهر الرحمة والاحسان شهر العمل والعبادة شهر المدد الالهي والسند الرباني للمؤمنين شهر المجاهدة والجهاد لاعلاء كلمة الله، شهر النصر على الاعداء ففي هذا الشهر نصر الله عباده المؤمنين الآمنين المسالمين في غزوة بدر التي لم يبدا فيها المسلمون بالقتال انما فرض عليهم من طرف اعدائهم الذين هجموا عليهم وقد كانوا قبل ذلك افتكوا لهم اموالهم واخرجوهم من ديارهم فكان جهاد المسلمين في بدر دفاعا عن انفسهم واولادهم واموالهم قال الله تبارك وتعالى مصورا حالهم (ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة فاتقوا لعلكم تشكرون) آل عمران وفي شهر رمضان المبارك فتح الله على رسوله والمؤمنين مكة المكرمة دون ان تسيل قطرة دم أو تزهق نفس بشرية واحدة انه نصر مؤزر بشر الله به نبيه وحبيبه محمدا صلى الله عليه وسلم وهو عائد من الحديبية (انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر) نصر مبين قابله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرى الناس يدخلون في دين الله افواجا بالتسبيح والاستغفار قال جل من قائل (اذا جاء نصر الله والفتح ورايت الناس يدخلون في دين الله افواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا)اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم انه هو الغفور الرحيم



الكلمات الشائعة

 

الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

خريج جامعة الزيتونة كلية الشريعة قسم الفقه وأصول الفقه : الليسانس وشهادة الدراسات المعمقة في موضوع : شروح الموطأ باحث بجامعة أكسان برفانس مرسيليا فرنسا من 2001-2002 إلى 2008-2009

الكلمات الشائعة

العنوان

28 نهج جمال عبد الناصر –تونس
+216 71 43 21 33
+216 71 32 71 30

الاسلام: حقائق وأعلام ومعالم

موقع الشيخ محمد صلاح الدين المستاوي عضو المجلس الإسلامي بتونس وخريج جامعة الزيتونة (كلية الشريعة وأصول الدين) يتضمن تعريفا بالشيخ والده الحبيب المستاوي رحمه الله وهو احد علماء الزيتونة ودعاة الإسلام حيث سيجد المتصفح لهذا الموقع فقرات من أعماله.